حوادث السير .. أرقام مخيفة
لمناسبة اليوم العالمي لإحياء ذكرى ضحايا حوادث الطرق (16 تشرين الثاني) نظّم مشروع “إحلال الأمن والاستقرار” SSP في لبنان الممول من الاتحاد الاوروبي مؤتمرا بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي، تمَّ خلاله عرض عدد من الدراسات والمقالات التي أعدّها خبراء في مجال السلامة المرورية.
شارك في المؤتمر ممثل عن قوى الأمن الداخلي وممثل عن هيئة إدارة السير والآليات والمركبات، وتضمن شهادات حية لعدد من أهالي ضحايا حوادث السير، قرروا المشاركة في تحسين وضع السلامة المرورية في لبنان، آملين وضع حد للنزف المستمر في الارواح، وجلُّها من الطاقات الشبابية التي تذهب هدرا.
المؤتمر الذي سلّط الضوء على دور السلطات الرسمية اللبنانية في وضع قواعد السلامة المرورية، وفي اقتراح الحلول لتطوير شبكات الطرق ضمانا لسلامة المواطنين من سائقي المركبات والدراجات والمشاة، أظهر الحجم الفعلي للكارثة المرورية من خلال الأرقام الصادمة لعدد الحوادث والنسبة المتزايدة لضحاياها من القتلى والجرحى من المناطق كافة ومن كل الفئات العمرية وفي طليعتهم المشاة، دون الإشارة طبعا إلى الاصابات الدائمة والمعوقين، نتيجة غياب الاحصاءات الدقيقة، وعدم متابعة أوضاع المصابين، وبمعزل عما ينتج عن الحوادث من خسائر مادية.
ممثل بعثة الاتحاد الاوروبي في لبنان مارتشلينو موري أكد أن المشروع يسعى الى تنمية القدرة الوطنية لتعزيز قوى الأمن الداخلي على المدى الطويل، ويهدف الى ضمان الامن وتعزيز الاستقرار، ويشتمل على مكوّن لتعزيز السلامة المرورية عبر التثقيف والتوعية في المدارس، مشيرا إلى تأهيل مدرِّبين لحملة التوعية ولطاقم من العاملين داخل قوى الأمن الداخلي وخارجها، كجزء من هذه الخطوة، بهدف خفض عدد وفيات الحوادث في لبنان، وشدد موري على المساعي الجماعية.
رئيس فريق مشروع “إحلال الأمن والاستقرار” تيري لامبوريون عرض لأنشطة وجهود فريق العمل، وأعطى الكلمة لفريق الخبراء. فتحدث على التوالي السيد رامي سمعان الخبير الرئيسي المشرف على مكوِّن “تنظيم حركة السير والسلامة المرورية، فعرض محاور العمل، ولخّص التحديات التي تواجه الإدارة المتكاملة لحركة السير والسلامة المرورية، التي أكد أنها أصبحت محسومة.
وعرضت ريان وهبي مفاهيم التخطيط الحضري في المناطق الهادئة وفي إطار تقاسم أمثل وآمن للمساحات العامة. ثم قدمت ديما الحسيني عرضا للأفلام والكتب المدرسية التي تمّ إعدادها في إطار انشطة المشروع بهدف توعية الأولاد حول السلامة المرورية.
أمين سر يازا كامل ابراهيم، المتخصص بالسلامة المرورية قدم تحليلا إحصائيا لأسباب حوادث الطرق في لبنان، مؤكدا أن الارقام التي تصدر عن قوى الأمن الداخلي شهدت تصاعدا في عدد ضحايا حوادث المرور ما بين العام 2000 والعام 2013، إذ بلغت الرقم القياسي، علما أن تقديرات الاختبارات تشير إلى أكثر من ذلك.
ولفت إبراهيم إلى أن الأرقام تضاعفت في السنوات الـ14 الأخيرة من 313 قتيلا إلى 649 قتيلا. وهي أرقام أكثر من كافية للدلالة على ازدياد نسبة الضحايا من 7،9 عام 2000 إلى 8،13 عام 2012. وقال إن النسبة ارتفعت أكثر عام 2013 نظرا للزيادة الكبيرة التي طرأت على عدد سكان لبنان بسبب النزوح السوري، من 23% عام 2012 إلى 37%، وهو ما يوضحه عدد القتلى السوريين المسجل عام 2013.
وأوضح إبراهيم أن منظمة الصحة العالمية أشارت إلى الفارق بين أرقامها والأرقام الرسمية الصادرة عن قوى الأمن الداخلي. فتقديرات المنظمة تتحدث عن 497 قتيلا عام 2007. وفي التقرير الصادر عنها عن العام نفسه (صدر عام 2010) بلغ الرقم 1170 قتيلا. وأشارت الاحصاءات الرسمية إلى 540 قتيلا. بينما تحدث تقرير المنظمة عن 975 قتيلا. وأكد إبراهيم أن احصاءات اليازا تشير إلى أكثر من 900 قتيل سنويا.
الأمر ذاته بالنسبة للإصابات وفق إبراهيم، فبينما تشير أرقام قوى الأمن الداخلي إلى حوالى 6137 إصابة، تقول تقارير الصليب الاحمر إن العدد بلغ 11552 ألف إصابة نتيجة عمليات الإسعاف التي قامت بها فرق الاسعاف التابعة له، بمعزل عن العمليات التي تقوم بها الجهات الصحية الأخرى.
تحت عنوان أرقام صادمة عرض إبراهيم التالي:
• تشير احصاءات عام 2013 الى 129 قتيلا بحوادث الدراجات النارية، وهي النسبة الاعلى الى الآن.
• بلغ عدد القتلى غير اللبنانيين 36.6% من إجمالي عدد الضحايا، منهم 182 سورياً من أصل 649 ضحية.
• تشكل الفئة العمرية ما بين 15 و29 حوالى 35 % من عدد الضحايا (226 قتيلاً).
• بلغت النسبة المئوية لعدد القتلى المشاة 43.3 % من إجمالي عدد الضحايا وهي (281 قتيلا).
• ارتفع عدد قتلى حوادث السير في محافظتي الجنوب والنبطية من 58 قتيل في عام 2012 إلى 101 قتيلا في العام 2013.
• تعتبر محافظة البقاع الأخطر في لبنان من حيث عدد قتلى الحوادث، بحيث تتجاوز نسبة القتلى الـ 21 قتيلا لكل مئة الف نسمة، فيما تبلغ النسبة حوالي 15 قتيلا في جبل لبنان، 13 في الشمال، 9 في الجنوب، و6 في بيروت.
• تشير الأرقام إلى ان قضاء المتن هو الأخطر بحيث حصد 75 قتيلاً عام 2013 يليه، أقضية زحلة (61 قتيلا) بعبدا (56 قتيلا) كسروان (53 قتيلا) بعلبك (48 قتيلا).
• معظم ضحايا الحوادث في قضاء المتن (75 قتيلا) هم من مستخدمي الطريق الأكثر ضعفاً: مشاة (40 قتيلا)، دراجات نارية (18 قتيلا) ومستخدمي السيارات (17 قتيلا).
• يحصد شهر آب النسبة الأعلى من ضحايا حوادث المرور في لبنان بحيث وصل العدد في عام 2013 إلى 80 قتيلا.
• يحصد نهار الأحد النسبة الأعلى من ضحايا الحوادث (133 قتيلا عام 2013)، أما بالنسبة للتوقيت النسبة الأعلى لقتلى حوادث المرور هي ما بين الساعة الثالثة بعد الظهر والتاسعة مساءً.
وركز إبراهيم على خطوات عملية وضرورية للحل في مقدمها خلق برنامج تدريبي لقوى الأمن الداخلي لتعزير قدراتهم، أهمية نظم المعلومات، كيفية تعبئة الاستمارات وجمعها وتخزينها وتطويرها، زيادة عدد رتباء التحقيق وتأمين التجهيزات اللازمة لهم ومراقبة عملهم، تشكيل فريق عمل متخصص بتقييم المعلومات يستطيع إصدار تقرير سنوي مفصّل ونشره.
رئيس قسم الإعلام والعلاقات العامة في هيئة إدارة السير والآليات والمركبات النقيب ميشال مطران أعلن عن إطلاق هيئة إدارة السير حملة “هيني يروح وما يرجع” عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ابتداء من الاثنين الواقع فيه 17 تشرين الثاني من العام 2014 لمناسبة الأسبوع العالمي لضحايا حوادث السير (16- 22 تشرين الثاني)، وعرض فيلما قصيرا يلخص عنوان الحملة، ويظهر الفاصل القصير بين الحياة والموت بسبب السرعة الزائدة، التي تقلب حياة شخص من سائق على الطريق إلى شخص على طريق الموت.
مطران أكد على ضرورة الاعتراف بألا حلول لمشكلة حوادث المرور في غياب المسؤوليات المشتركة والتعاون، وألا حلول دون تطبيق روحية قانون السير الجديد التي تقتضي تشكيل مؤسسات جديدة بدونها لا يمكن انتظار نتائج إيجابية والقول بأننا بدأنا تطبيق قانون السير دون إنشاء المجلس الوطني للسلامة المرورية وبدون إنشاء اللجنة الوطنية للسلامة المرورية، وبدون إنشاء وحدة مرور حديثة ونظام جدي مع سجل مروري، نظام نقاط لإصلاح حقيقي لرخصة السوق، معتبرا أن أي تغيير بعدد قتلى حوادث السير يبدأ بإنشاء المؤسسات الوطنية.
مطران أشار إلى ورشة عمل تنظمها إدارة السير عبر منهاج دراسي حديث خلال شهر آذار المقبل لتأهيل مدربي السوق الحديث، ولا سيما ان السلامة المرورية اختلفت منذ عشر سنوات إلى اليوم، أصبحت علما واختصاصا قائما بذاته، حتى المدربين الحاليين يجب أن يخضعوا لدورات تأهيلية جديدة قبل حصولهم على رخص التجديد الخاصة بمدارس القيادة، التي يتم إنشاؤها وفق معايير حددها قانون السير الجديد.
ووعد مطران بإعادة إحياء المكننة لهيئة إدارة السير بشكل متدرج، ولا سيما أن امتحان السوق يقوم على شقين: شق المعارف، وشق المهارات، اللذان يحتاجان إلى ثقل في موضوع التعاون.
وشدد مطران على أهمية السجل المروري الخاص بكل سائق لتدوين نقاط المخالفات، وصولا إلى سحب رخصة القيادة منه عند ارتكابه عددا معينا من المخالفات، للقول بأن رخصة القيادة ليست حقا لحاملها بل امتياز يكتسبه السائق الذي يمتلك المؤهلات الكافية. مشيرا إلى أن موضوع مردّات الشاحنات المانعة لانزلاق السيارات الصغيرة تحتها عند الاصطدام والتسبب بموت السائقين، وضع على سكة التنفيذ الصحيحة.
متولي كرسي إدارة السلامة المرورية في جامعة القديس يوسف البروفسير رمزي سلامة تحدث عن أهمية ماستير السلامة المرورية في بناء القدرات الوطنية والعربية في مجال إدارة السلامة على الطرق.
ممثلة الاتحاد الاوروبي لضحايا حوادث السير راندا حوش سلطت الضوء على دور الاتحاد في توعية الأسر والمجتمع بصورة عامة حول السلامة المرورية.
عرض كل من نيللي علوان وعلي عبد الخالق، شهادتيهما ومعاناتهما جراء فقدان أعزاء في حوادث سير. وتحدثا عن مشاركتهما في المساعي والجهود المبذولة للقيام بإصلاحات على المستويين الاجتماعي والمؤسساتي.
كلمة الختام كانت للعميد بسام الأيوبي ممثلا قوى الأمن الداخلي الذي أكد أن الحوادث ليست قضاء وقدرا، بل هي أخطاء ترتكب وتودي بحياة الأشخاص، معتبرا أن في مقدمة المسؤولين عن تخفيف الحوادث هم الأمن الداخلي ووزارة الأشغال، بالإضافة الى التوعية في المدارس، مؤكدا على أهمية التوعية لتجنُّب الحوادث.
في النهاية ستبقى المشكلة قائمة، ويستمر، نزيف الخسائر يوميا على طرقاتنا ما لم يع كل منا مسؤولياته، ويساهم من موقعه وبالقدر الذي يستطيعه، بعيدا عن الاستخفاف بأهمية أي مساهمة يقدمها مهما كانت متواضعة، حتى لو اقتصرت على الانضباط الشخصي ومراعاة معايير السلامة. وليكن كل منا شرطيا ساهرا على سلامته، بانتظار أن يتوفر القرار السياسي الحازم والامكانات الفعلية لاستكمال كل ما يتطلبه التطبيق الجدي والمستمر لقانون السير لوضع حد لمعاناة عابرة للمناطق، توحّد بين اللبنانيين بعيدا الانتماءات والمعتقدات والاهواء.
لتتضافر الجهود الصادقة عملا وتوعية ومحاسبة، علّ المناسبة تتحول الى محطة نحيي فيها ذكرى أعزاء فقدناهم في غفلة منا، فانتبهنا الى ما يجب أن تكون عليه الحال، وعقدنا العزم على الفعل باتجاه التغيير الإيجابي ظناً بسلامة من نحب، وحرصا على الحياة الهبة الالهية الاغلى، التي لا ينفع في فقدها ندم ولا يعادلها ثمن.