الملف النووي الإيراني: عوائق الحل وتداعيات التأجيل أمين محمد حطيط
بعد مسيرة سنوات من المواجهة ثم سنوات من التفاوض بين ايران و مجموعة الدول ( 5+1 ) و التي انقلبت بعد المتغيرات الدولية خلال السنوات الثلاث الماضية إلى مفاوضات بين مجموعة الدول (3+2+1) ثم تحولت إلى مفاوضات بين ايران تدعمها روسيا و الصين ، و أميركا و خلفها أو معها الاتحاد الأوروبي ممثلا بفرنسا و بريطانيا و المانيا ، أي بصيغة أخرى إنها مفاوضات بين ايران و حلفائها من البرييكس ، و أميركا و معها اتباعها الأوروبيين ، بعد كل هذه المواجهات و ما رفقها من متغيرات ، وصل الملف النووي الإيراني إلى مرحلة حرجة شبه حاسمة. حيث دخل المتفاوضون في الأسبوع الأخير الذي حدد موعدا للبت بالملف.
ومع اقتراب المهلة النهائية هذه وقبل أن يحسم امر الاتفاق حول الملف سلبا أو إيجابا نرى أن ما سبق من مواجهة وتفاوض سابق افضى إلى إرساء ثوابت لا يمكن لاحد بعد اليوم تخطيها، ولكن لا يمكن أيضا تجاهل العوائق التي لازالت تعترض التوقيع على الاتفاق النهائي المحكوم بتلك الثوابت.
فبالنسية للثوابت نرى إنها باتت ثلاثة بحيث نستطيع وبكل ثقة وطمأنينة أن نقول بان إيران انتزعت أو فرضت على الخصم أو الطرف المفاوض الأخر أمورا لم تكن قائمة في ذهنه أو لم يكن يتصور حصولها دون مشيئته وقراره ثم جاءت المتغيرات الدولية لتضيف إلى تلك الأمور مسائل أخرى أكملت الثوابت التي نتحدث عنها حتى باتت كالتالي:
1)التسليم الدولي النهائي ضمنيا أو صراحة بحق إيران بالتقنية النووية، تسليما لا رجعة فيها وعلى الاتجاهين حيث أن إيران تمتلك القرار النهائي بعدم التنازل عن هذا الحق، وأن الطرف الآخر بات عاجزا عن ثنيها عن ذلك. فالثبت هو الإقرار بالحق والمتبقي هو تحديد حجم هذا الحق ومداه كما يبدو من التسريبات التي ترافق التفاوض الأن خاصة لجهة درجة التخصيب (20 أو 5 أو 3.5 %) وحجم وعدد أجهزة الطرد المركزي، وأخيرا حجم الوقود النووي المخصب بدرجة 20% الذي تحتاجه إيران ومصدر حصولها عليه.
2)التسليم الدولي بان حل المسألة لن يكون عسكريا مهما طال الوقت و السبب في ذلك عائد إلى امرين الأول يتعلق بقدرات ايران العسكرية التي ارتقت إلى مستوى دفاعي ذاتي يمنع الخصم من تحقيق أهدافه اذا نفذ أي هجوم عدواني و الثاني عائد إلى وضع الدول الغربية التي لا تمتلك القدرات على شن عدوان ناجح على ايران دون أن تعرض مصالحها لردة الفعل الإيراني المؤلمة إلى درجة لا تحتملها تلك الدول ذاتها فضلا عن حلفائها و اتباعها في المنطقة ، و هي ثابتة تؤكدها أيضا خريطة العلاقات الدولية بين الأطراف المتفاوضة كما ذكرنا أعلاه .
3)حاجة الأطراف إلى حل الأزمة سلميا و بالحد الأعلى من المكاسب و الأدنى من التنازلات و ” الخسائر “، حيث انه يكون من المكابرة أن يقول أي من اطراف المواجهة أو التفاوض انه ليس بحاجة للاتفاق ، لكن هذه الحاجة لم تصل لدى أي من الأطراف إلى الحد الذي يجعله يقبل بالاتفاق باي ثمن ، فاذا كان الاتفاق حاجة لكل الأطراف ، فانهم جميعا يرون أن الاحتفاظ بالأوراق الأساسية التي يملكونها و التي مكنتهما من احتلال مقاعد على طاولة التفاوض هو ضرورة لأنها هي مصدر قوة المتفاوضين الاثنين الذين آل اليهما الأمر (أميركا و ايرن).
على ضوء هذه هذه الثوابت ينفق المتفاوضان الوقت بحثا عن حل تريده ايران للتخلص من العقوبات المفروضة عليها دوليا و غربيا ، ما يحررها من تلك القيود التي لا تميت و لكنها ترهق و تعيق الحركة الإيرانية الداخلية و الدولية ، و تريده أميركا لاستثماره في اتجاهين داخلي يمكن أوباما الخائب انتخابيا مع حزبه الديمقراطي في الانتخابات النصفية الأخيرة ، تمكنه من التباهي بإنجاز دولي كبير يمكن صرفه في الانتخابات الرئاسية المقبلة لصالح حزبه ، و يسجل في صفحته الفارغة من الإنجازات الكبرى ، و خارجي يمكن أميركا من احتواء ايران و حركتها الإقليمية و دفعها لمقايضة ملفها النووي و ما استتبعه من عقوبات، مع ملفات إقليمية تعتبرها أميركا هامة في استراتيجيتها في الشرق الأوسط .
ومع اختلاف النظرة إلى هذه الأمور تكمن العوائق التي قد تطيح فرصة الاتفاق في الأسبوع المقبل دون أن تسقط مسار التفاوض، وبصيغة أخرى أن عدم الوصول إلى اتفاق في 24 تشرين الثاني \نوفمبر الحالي لا يعني انهيار جسر التفاوض والعودة إلى المربع الأول، لان للطرفين مصلحة ثابتة وأكيدة بعدم التراجع والاحتفاظ بما تحقق والصبر لتوفير فرص النجاح مستقبلا.
وفي عودة إلى الذهنية التي تحكم سلوك الطرفين وتنتج العوائق، نرى أن أميركا تريد أن تفاوض إيران وهي مكبلة بقيود تؤذيها، تتصل بشأن ذاتي، ولأجل ذلك تصر أميركا على منطق المقايضة بين الملفات، بينما ترفض إيران التفاوض على أي شيء اخر قبل أن تكون طليقة اليدين فيما يعني أمورها الذاتية لذا فهي تصر على إقفال الملف النووي، كما تصر على رفع العقوبات مهما كان مصدرها (أممي، أميركي، اروبي) وألا تدخل في التفاوض حول أي ملف اخر إلا بعد أن تطوى هذه المسألة.
ومن جهة أخرى تريد أميركا أن تضع خطا احمر وبشكل نهائي أمام إيران يمنعها من تطوير قدراتها النووية مستقبلا حتى وفي المجل السلمي إن لجهة نسبة التخصيب أو لجهة عدد أجهزة الطرد المركزي أو لجهة قدرات الأجهزة المستعملة، أي بمعنى اخر تريد أميركا مصادرة حق إيران بالتطور، بينما تتمسك إيران بهذا الحق مع التزامها بعدم خرق قواعد الاتفاقية الدولية بحظر انتشار السلاح النووي.
أما على صعيد الحرب على الإرهاب خاصة ما تدعيه أميركا من حرب ضد داعش و تريد أن تنضوي ايران في التحالف الذي أنشأته لهذه الغاية لتجد نفسها في لحظة معينة قائدة لحلف تحتل ايران مقعد عضوية فيه ، فان ايران رغم اتفاقها مع ما تعلنه أميركا من حرب ضد هذا التنظيم الإرهابي ، فإنها تشكك بالنوايا الحقيقية لأميركا في هذه الحرب ، و ترفض الانضواء في التحالف الدولي الذي تقوده أميركا لان هذا الأمر لو حصل سيكون مدمرا لاستراتيجية يران الاستقلالية و هيبتها و صدقيتها ، ما يحد كثيرا من تأثيرها الإقليمي في اكثر من اتجاه.
و خلاصة الأمر و رغم كل ما انجز على طريق إغلاق الملف النووي الإيراني ، فان توقيع اتفاق نهائي بين الغرب بقيادة أميركية و ايران بدعم مزدوج من روسيا و الصين ليس امرأ حتميا بل قد يكون الاستمهال مرجحا ، و عندها ستكون ضغوط جديدة في ميادين الشرق الأوسط التي أنضجت نيرانها بيئة التفاوض ، و التي قد يكون المعنيون بحاجة لطاقة اكبر في هذا السبيل ، و هنا قد يكون صوابا التوقع بان الحرب الحقيقية التي يشنها محور المقاومة على الإرهاب في سورية و العراق ستكون اشد وطأة على داعش و مثيلاتها و راعيتها الحقيقية أميركا ، و ستكرر مشاهد جرف الصخر و بيجه في العراق ، و مورك و جبل الشاعر في سورية ، و عندها قد لا يكون البحث في مقترح دي مستورا لجهة” تجميد النزاع ” في حلب مقترحا يستحق وقتا لدراسته ,