أوباما خائف يترقب… والرياض تنتظر آخر خيباتها!: محمد صادق الحسيني
ثمة علائم ومؤشرات قوية جداً على أن كماشة ثلاثية ستتحرك خلال الأسابيع القليلة المقبلة بتسارع كبير لتحاصر آخر فلول الإرهابيين التكفيريين على الحدود السورية مع كل من لبنان والعراق وتركيا لم تكن قادرة على الفعل بهذا اليسر النسبي لولا إقرار الأميركيين بأنهم خسروا النزال نهائياً مع معركة إسقاط الرئيس بشار حافظ الأسد!
ويقال إن الناظم المشترك لهذه الكماشة الثلاثية هو نفسه ذلك الجنرال الأسمر السحنة الذي ظلّ يطارد شبحه الأميركيين طوال مدة وجودهم على أرض الرافدين بعد الغزو المشؤوم حتى اضطروا لمغادرة أرض العراق تحت جنح الظلام وصواريخ الكرار وذو الفقار تلاحقهم بمثابة شهادة ميلاد عراق ما بعد الاحتلال العسكري الأميركي.
وكما دفع مرسي ثمن فشل رهانه على إيجاد تحولات دراماتيكية في سورية لغير مصلحة الأسد فأطيح به وانتقل من حمل الصولجان إلى الإقامة في الزندان. فإن كلاً من أردوغان ونتنياهو يستعدان لتجرع كأس السم في كل من تركيا والكيان الصهيوني بشكل دراماتيكي أيضاً، ليدفعا بذلك ثمن تخبطهما وقراءتهما الشديدة الانحراف، لمصلحة خصومهما الذين راهنوا على صمود الأسد وبقائه في عرينه كل هذه المدة الطويلة.
إلى ذلك، فإن ثمة من يقطع بأن محاصرة التكفيريين وسقوط مشروعهم القاضي بإيجاد «مناطق عازلة أو آمنة» في الشمال السوري كما في جنوبه، باتت حاجة دولية ملحة وليست انعكاساً واقعياً فقط لمعادلة موازين القوى المتحولة سريعاً على الأرض السورية لمصلحة ترسخ حقيقة سلامة إدارة الأسد وبقائه على رأس السلطة في عاصمة الأمويين، الأمر الذي يجعل انعقاد أية تسوية سياسية للملف السوري رهن إرادة الروس والإيرانيين وتوقيتهم وقراءتهم أو لا مؤتمرات ولا تسويات ولا هم يحزنون.
على خلفية كهذه، يقال إن احتمال ظهور موجة اغتيالات وربما سيارات مفخخة جديدة ضد سفارات أجنبية او مؤسسات تابعة لمصالح دول كبرى أو صغرى على الأرض اللبنانية، قد يلجأ إليها الجناح السعودي المتشدد بسبب تخبطه وذلك لتحقيق مآرب عدة بحجر واحد، أبرزها نقل كرة النار السورية إلى الملعب اللبناني لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من عملائه الصغار… فبينما يسعى أوباما إلى التخلص شيئاً فشيئاً من مرحلة الغرق في المستنقع السوري استعداداً للتموضع على عقبيه من منطقة غرب آسيا إلى شرقها الأدنى لمواجهة التنين الصيني وتنظيم صراعات النفوذ مع القوة الروسية الصاعدة، يسعى الجناح السعودي من خلال أدواته الصغيرة في بلاد الشام ومنها لبنان إلى التشويش على مخطط إدارة أوباما الآنف الذكر.
وعليه، يعتقد مراقبون متابعون جيداً لما يجري على الأرض وفي الميدان السوري ـ اللبناني، أن ثمة مياهاً ودماء كثيرة ستجرى وستسيل هناك من الآن إلى حين حلول موعد مؤتمر دولي جديد سواء باسم موسكو 1 أو أي اسم آخر على خلفية ما يجري من كواليس ما بعد مسقط 6 وتفاهمات قابوس – أوباما…
في هذه الأثناء، ثمة من يتساءل بجدية إذا ما كانت القيادة الإيرانية العليا ستسمح أصلاً بالتوقيع على توافق جديد مع الغرب! وإذا ما كان سيطبق أصلاً اتفاق جنيف الأول! لا سيما بحسب القراءة الأميركية التي تريد إخضاع المارد الإيراني الصاعد وتطمين الكيان الصهيوني، أو أن الإيرانيين الذين قيل إنهم ينظرون اليه بمثابة «استراحة محارب» لن يسمحوا لأحد ان يستخدمه في معركة «كسر عظم» سيلجأون فيها إلى تكتيكات جديدة في المفاوضات، مستفيدين من تحولات الميدان السوري ـ العراقي بما يفضي للإطاحة بالتحالف السعودي ـ «الإسرائيلي» الضاغط على إدارة أوباما ليصبح التوافق الأميركي ـ الإيراني مستمراً بقوة استمرارية رغبة «استراحة المحارب» الإيرانية ـ الأميركية المشتركة إلى حين تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في بلاد الشام.
وبينما السجال حاد في الساحة الإيرانية حول مدى نجاعة هذا التوافق وقدرته على تحطيم جدار انعدام الثقة العالي جداً بين البلدين وبالتالي مدى قوته على الصمود بوجه العواصف المحلية أو الإقليمية أو الدولية التي تختزنها تحولات جيوبوليتيك المحور الإيراني ـ السوري ـ العراقي، فإن ثمة من يؤكد حاجة إدارة أوباما الملحة له أي التوافق الأميركي ـ الإيراني حول النووي، من أجل تنظيم تقاسم النفوذ الأميركي ـ الروسي على ضفاف المتوسط. هذا المتوسط وتحديداً شرقه الذي يشهد تحولاً جيواستراتيجياً كبيراً يقلق الأميركيين بقوة ليجعلهم بين أمرين أحلاهما مر. فإما أن يقبلوا بإيران بمثابة القوة الخليجية العظمى الوحيدة الناظمة لمستقبل أمن الخليج زائد كونها قوة متوسطية مطلقة العنان من خلال التحامها بالجيوبوليتيك السوري ـ اللبناني، وقوة مطلة على البحر الأحمر من خلال حضورها المتنامي في باب المندب، أو أن تُكبّل بتوافقات جديدة، الأمر الذي يجعل القوة الروسية الدولية الصاعدة شريكة استراتيجية للإيرانيين في الجغرافيا السياسية الآنفة الذكر، وهو أمر ليس أفضل حالاً من الأول للأميركيين، ولكنه قد يحدّ بعض الشيء من اندفاع جبهة المقاومة المتصاعدة للنفوذ الأميركي بقيادة طهران من خلال قوة دولية كابحة حتى لو كانت غريمة لواشنطن، إلا انها تقبل في الحد الأدنى من اللعب تحت سقف «المتعارف عليه» من قواعد التعامل الدولي ألا وهي موسكو.
وحدها الرياض تبدو أنها مصرة على البقاء في الماضي الوهابي القاحل والشديد الجفاف رافضة قراءة التحولات الجيوسياسية والجيو استراتيجية المتسارعة التي لن ترحم من لا يقرأ جيداً ما يحصل بالفعل في الميدان في أكثر من عاصمة عربية وإسلامية، وآخرها التحولات الطوفانية العاصفة في اليمن وتداعياتها المترقبة قريباً جداً في مجمل الجزيرة العربية، وتلك الأخرى بالقوة التي تختزنها الأرض العربية والإسلامية، والتي صحيح أنها لم تتبلور أو تتمظهر بعد لكنها تنذر بمفاجآت كبيرة أول غيثها أنبار العراق والآتي أخطر!
كثيرون من المعلقين أو المحللين أو المراقبين التقليديين قد لا يقبلون بهذه القراءة ويعتبرونها متفائلة ووردية ورغائبية أكثر مما هي واقعية، لكنهم سيتفاجأون قريباً عندما تحين ساعة انفجار المفاجآت كم كانوا قصيري النظر لأنهم لم يقرأوا بعناية السبب الذي يجعل من «الشيطان الأكبر» يضطر إلى لجم رأس «محور الشر» كما يصف محور المقاومة والممانعة بتوافقات من نوع «موسكو1» وأن يسلم بالأسد السوري ضامناً لوقف تدهور إمبراطوريته في المتوسط ومنع وصولها إلى الحضيض بضمانة روسية عبر التوافق الجديد المرتقب وأن يقبل بالتخلي عن أهم حليف إقليمي تاريخي له على امتداد أكثر من نصف قرن من الزمان أي مملكة آل سعود بعد أن أثبتت أنها قائمة على رمال متحركة لا أكثر، وانه لم يبق لـ«الشيطان الأكبر» الأميركي إلا التوسل لعدويه اللدودين أي الإيراني والسوري للقبول بـ«استراحة محارب» لا لشيء إلا لتأخير غرق أرخص سفينة أميركية في مياه المتوسط العاصفة أي «إسرائيل» كما يصفها جو بايدن.
نعم، أميركا لا تزال قوية وتملك من أسلحة الدمار الشامل الكثير مما لو استعمل قادر على تدمير ترسانة هذا البلد الآسيوي الدفاعية أو ذاك كما يوصفها ويقرأها بعض المرعوبين، لكن هذا المتابع المرعوب لم يفقه بعد كيف يمكن لقائد بعيد النظر ثاقب الرؤية مثل الإمام السيد علي خامنئي أو قائد ميداني شجاع آخر مثل سماحة السيد حسن نصر الله أو قائد جيوش عربية مرئية وأخرى غير مرئية مثل الرئيس بشار حافظ الأسد، أن يجعلوا هذا المارد الدولي المدجج بكل تلك الترسانة يقف حائراً عاجزاً مقهوراً خائفاً يترقب عند بوابات دمشق في الثالث من أيلول المنصرم، وأن تتحول كل قدراته العسكرية إلى مجرد خردة حديد، فقط لأنه فقد إرادة القتال والقدرة على اتخاذ قرار الحرب على ذلك المشهد الدمشقي الشهير الذي يبدو أنه لا تزال ترعبه مفاجآت قادته مذ رآهم وهم يمشون واثقي الخطى في قصر الشعب السوري…
فهل بقي في العائلة السعودية الحاكمة من معتبر بعيد النظر يقرأ ما بين أسطر المشهد الإقليمي والدولي قبل أن تدخل عليه المفاجآت التي لطالما أخبر عنها سيد المقاومة إلى داخل أسوار قصره لتطيح بما تبقى من مملكة رماله المتحركة وتدون آخر خيبات بيت الدرعية؟!
رسالة البغدادي الداعشية الأخيرة المطالبة بنقل معركة الخراب والتوحش الأميركي ـ «الإسرائيلي» إلى أرض الحجاز لضرب «رأس الأفعى» على حد قوله قد تكون جرس الإنذار الأخير قبل أن يطيح بهذا الرأس أهل الداخل المظلومون…
(البناء)