لافروف ودي ميستورا خطان متوازيان لا يلتقيان…د. عصام نعمان
وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف ومبعوث الأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا كلاهما مهتّم بعودة السلام إلى بلاد الشام، وكلاهما دشّن مساراً للوصول، يوماً ما، إلى الحل السياسي الذي يرسي قواعد السلام. إنهما مساران متوازيان لا يلتقيان، وإذا التقيا فلا حول ولا قوة إلاّ بالله… وبإرادة الكبار الذين يجعلون الصغار وقود حربِ الإرهابيين عليهم.
إنصافاً، لم يدّعِ لافروف ولا دي ميستورا أنه في صدد حلّ سياسي للأزمة السورية المستعصية. الأول أوضح بلسان نائبه ميخائيل بوغدانوف، أن موسكو تسعى إلى استئناف الحوار بغية إيجاد مخرج من الأزمة، وأن بحثاً قد أجري مع الرئيس الأسبق لـِ «الائتلاف السوري» المعارض معاذ الخطيب حول ضرورة «تحويل الأزمة السورية إلى المسار السياسي». الثاني أكد أنه يقوم بتحرك سياسي مقرون بخطة لـِ «تجميد» القتال في بعض المناطق السورية، وخصوصاً مدينة حلب، للسماح بنقل مساعدات والتمهيد لمفاوضات.
يبدو أن تحرك موسكو على مسارها لم ينحصر في الدعوة إلى استئناف الحوار بين أطراف الأزمة السورية. ثمة ترتيبات عُرضت لتشكّل، بعد التوافق عليها، إطاراً للتفاوض في مؤتمر جنيف-3. أبرز عناوين الترتيبات المقترحة إقامة حكومة انتقالية خلال عام 2015، تتولى الإشراف على إجراء انتخابات تشريعية خلال عام 2016، ينبثق منها مجلس نواب جديد يقوم بوضع دستور جديد للبلاد.
اللافت أن لا ذكر في الترتيبات المقترحة لوضع الرئيس بشار الأسد، الامر الذي يشير إلى لأن موضوع الرئاسة خارج إطار المفاوضات. إلى ذلك، ثمة جهد ملحوظ تبذله موسكو لإشراك جميع الأطراف الإقليمية الوازنة في جنيف -3، أي إيران والسعودية وتركيا.
دي ميستورا يبدو أكثر تفاؤلاً في مساره. يعتقد أن اقتراح الأمم المتحدة بتجميد القتال بدءاً من حلب متماسك وواقعي. لماذا حلب؟ الجواب: «لأهميتها الاقتصادية ورمزيتها التاريخية، خصوصاً لأنها ليست بعيدة من احتمال الانهيار».
الانهيار الذي يعنيه دي ميستورا ليس أمام قوى المعارضة السورية المسلحة التي خسرت خلال الأشهر الأخيرة مواقع عدة في حلب ومحيطها بل يعني الانهيار أمام «داعش». في رأيه، «داعش» هو الغول الذي يهدد الجميع و«يحمل الحكومة والمعارضة المسلحة على عقد اتفاقات محلية لوقف النار». الى ذلك، لا يعتقد دي ميستورا «أن أحداً سيفوز في الحرب، لهذا السبب نطرح فكرة بدء نموذج واحد أساسي على الأقل هو حلب».
ما رأي دمشق وأطراف المعارضة في المسار الروسي والمسار الأممي؟
لم يصدر عن دمشق أي بيان أو تعليق رسمي حول ما يقوم به لافروف وبغدانوف. غير أن قناة «الميادين» التلفزيونية نقلت عن مصادر سورية مطلع» ما يفيد أن دمشق «لا ترى الوقت مناسباً لإطلاق محادثات مع أطراف معارضة خارجية». هل يعني ذلك أن دمشق لا تمانع في إطلاق محادثات مع أطراف معارضة داخلية؟ أما بشأن اقتراح دي ميستورا فقد وصفه الرئيس بشار الأسد بأنه «جدير بالدرس»، وبدا المبعوث الأممي متفائلاً من محادثاته معه.
أطراف المعارضة أبدت تحفظات شتى. معاذ الخطيب كان إيجابياً بصورة عامة في مباحثاته مع لافروف وبغدانوف، إلا أنه تحفظ بشأن الحكومة الانتقالية. رئيس «الائتلاف السوري» هادي البحرة رأى أن اتفاقاً محتملاً لوقف إطلاق نارٍ محلي لن يفيد سوى النظام إلاّ إذا ترافق مع حل سياسي شامل. ومع ذلك لم يتأخر، في حديثٍ لصحيفة «ذي غارديان» اللندنية، عن القول: «إن التحالف الدولي يقاتل ظاهر المشكلة الذي هو «داعش» من دون مهاجمة أصل المشكلة الذي هو النظام». ولعل ما قاله البحرة كان دافعاً لقائد المجلس العسكري للجيش الحر في حلب العميد زاهر الساكت لمغادرة السكوت بالقول: «رفضنا الاستماع إلى مبعوث الأمم المتحدة لتجميد القتال في حلب قبل تحقيق شروط أربعة…»، تبيّن بعد إعلانها أنها تعجيزية وتشكّل في أفضل حالاتها نتيجةً لاتفاق لا شروط للتفاوض بشأنه.
مهما يكن، لئن بدا أنهما خطان لا يلتقيان، أقلّه في الحاضر، فإن مسار لافروف كما مسار دي ميستورا يؤشران إلى بداية اقتناع لدى الكبار بأن الحل العسكري للأزمة السورية صعب إن لم يكن مستحيلاً، وأنه يقتضي مباشرة مقاربة مغايرة تدفع باتجاه حل سياسي قابل للتحقيق لدى الصغار، عاجلاً أم آجلاً. مع ذلك، نرى أن ثمة خطوات عدّة يقتضي اتخاذها بغية إرساء قواعد سلام قابل للحياة:
أولاها، اتخاذ قرار حاسم بوقف دعم تنظيمات الإرهاب، وفي مقدمها «داعش» و«النصرة»، بالمال والرجال والسلاح عبر حدود دول إقليمية نافذة بضوء أخضر من دول كبرى أكثر نفوذاً.
ثانيتها، فك ارتباط بعض مجموعات المعارضة السورية المسلحة مع «داعش» و«النصرة» بغية إضعافهما على نحوٍ لا يكونان معه أملين وخيارين، وبالتالي حليفن للمعارضة إياها.
ثالثتها، تشجيع الأطراف السورية المتصارعة سياسياً وغير المتحالفة مع «إسرائيل» أو المتواطئة معها على الحوار مع الحكومة السورية برعاية الأمم المتحدة أو روسيا بغية التوصل إلى إطار اتفاق يصار إلى تكريسه رسمياً باتفاق بين الأطراف السورية نفسها دونما تدخل طرف خارجي أو عبر الأمم المتحدة في مؤتمر جنيف-3 بحضور ومشاركة الدول الخمس الكبرى زائدة ألمانيا إضافة إلى مصر والسعودية وإيران وتركيا.
رابعتها، المبادرة دونما إبطاء إلى إنشاء وكالة أممية لإغاثة وإعادة توضيع وتأهيل النازحين السوريين والعراقيين واللبنانيين المتضررين جراء الحروب الإرهابية على بلادهم.
خامستها، إطلاق «مشروع مارشال اممي» برنامج إنمائي شامل لإعادة إعمار وتنمية ما دمرته الحروب في سورية والعراق ولبنان بتمويل من الدول الخمس الكبرى زائدة ألمانيا إضافة إلى دول النفط العربية.
ما نطرحه ليس مجرد طموحات بل موجبات مستحقة الأداء.
(البناء)