إشارات أميركية متعاكسة
يلفت الانتباه مجددا حجم التلبك الأميركي في التعامل مع الوضع السوري فخلال ساعات قليلة من يوم أمس صدرت إشارتان متعاكستان من واشنطن حول الموقف من الدولة الوطنية السورية والرئيس بشار الأسد ويدور جدل واسع في تفسير هذا التناقض.
أولا تناقلت وكالات الأنباء خبرا مفاده أن البيت الأبيض طلب من مستشاريه مراجعة الخطة الأميركية حول سورية وبالتحديد في الموقف من الدولة السورية والرئيس بشار الأسد ويوحي البيان بأن الطلب الرئاسي ينطوي على إحياء خطاب الإدارة الأميركية حول الجمع بين الهدف المتثمل بإسقاط الدولة السورية ورئيسها إلى جانب محاربة الإرهاب بينما كان الخبر الثاني حول كلمة ادلى بها وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل في جلسة استماع بالكونغرس قال فيها إن الرئيس بشار الأسد هو جزء من جهد القضاء على داعش عبر حكومة انتقالية تحدد مستقبل سورية وقد جمع هاغل مبدئين هما الشراكة مع الرئيس الأسد والحكومة الانتقالية التي يفترض أنها إطار الحل السياسي السوري.
في الوقت عينه نشرت معلومات صحافية منقولة عن مسؤولين في الإدارة الأميركية تربط بين المراجعة التي طلبها الرئيس والضغوط التي تمارسها حكومات الخليج وتركيا المتورطة في الحرب على سورية وفي دعم الإرهاب من اجل خطوات اميركية تصعد الضغوط على الدولة السورية ورئيسها إلى جانب الحملة الجوية على داعش والنصرة ، في حين قلل موظفون كبار في مجلس الأمن القومي من قيمة الخطوة واعتبروها في سياق المراجعة الروتينية .
ثانيا الارتباك الأميركي في سورية يرتبط أصلا بكلفة الاعتراف بالفشل في النيل من الدولة الوطنية ورئيسها بعدما تورط أوباما بتبني شعار التنحي طيلة اربع سنوات وبتصميمه على ممالأة الحكومتين السعودية والقطرية اللتين تفتحان له خزائن الأموال والصفقات المربحة مع الشركات الأميركية وهو يداري الحرج المحيط بعلاقات الولايات المتحدة بحلفائها في المنطقة مع تقدم التفاوض حول الملف النووي الإيراني والذي قد يقود إلى انقلاب استراتيجي في حال التوصل إلى اتفاق مبدئي تليه تفاهمات بين واشنطن وطهران تكرس تحولات كبرى في الخرائط والتوازنات وتغير البيئة الإقليمية التي أنس إليها حلفاء واشنطن طيلة خمسة وثلاثين عاما منذ انتصار الثورة الإيرانية .
بعض المحللين ربطوا بين الكلام الأميركي التصعيدي وتحرك روسيا على خط مبادرة سياسية حول سورية من خلال اللقاءات التي تشهدها موسكو تحت شعار البحث في أجندة للحل السياسي في سورية وقد تحركت روسيا بعد لقاء وزير خارجيتها سيرغي لافروف مع نظيره الأميركي جون كيري وما صدر عنهما من تأكيد على الحل السياسي وقد سربت خلال الساعات الماضية معلومات من موسكو عن سعي القيادة الروسية لتكوين مجموعة دولية داعمة للموفد الدولي ستيفان دي ميستورا الذي ناقش أفكارا عن خطته مع الرئيس بشار الأسد في اجواء وصفت بالإيجابية.
ثالثا كلام وزير الدفاع الأميركي يصب في صالح التفسيرات القائلة بأن المراجعة التي تحدث عنها اوياما قد تكون تغطية لانعطافة سياسية اميركية نحو الشراكة مع الدولة السورية في محاربة الإرهاب خصوصا إذا اكدت المراجعة ما أعلنه وزير الدفاع ولكن ما نسب إلى اوباما يستبق أي نتيجة بما يناقض ذلك تماما لأنه يتحدث صراحة عن فرضية ان النيل من داعش قد يرتبط بإزاحة الرئيس الأسد .
الحقيقة الأكيدة هي أن العقبة الرئيسية التي تعترض المجابهة الجدية مع الإرهاب هي مراعاة الولايات المتحدة لحلفائها المتورطين في دعم الإرهابيين واحتضانهم وفي المقدمة حكومة تركيا وحليفا واشنطن السعوديين والقطريين وهذا ما تحجم الإدارة الأميركية عن التعامل معه بينما هي تدرك استحالة إحياء شعار التنحي وقد أبلغت الوسطاء رسميا انها مدركة لحتمية التعامل مع الرئيس بشار الأسد بعد كل التطورات السورية الحاسمة التي تشهد سقوط المراهنة على ما يسمى بالمعارضة المعتدلة بجناحيها السياسي والعسكري.
حتى الساعة ما تزال الولايات المتحدة مصممة على فتح مسارين متعاكسين في التعامل مع سورية والأرجح انها تجري مساومات في الكواليس مع كل من روسيا والصين وإيران وتجس نبض القيادة السورية بواسطة شركاء دمشق الثلاثة وعبر بعض الوسطاء الأوروبيين فالإدارة الأميركية مصممة على اختبار فرصة العمل على زرع عملاء لها من واجهة المعارضات في معادلات السلطة السياسية السورية كما تفتح عينها على ثروات سورية من النفط والغاز وما يمكن ان تحوزه من حصة فيها مستقبلا وهذان الأمران هما محتوى المقاربة الأميركية لما يدعى بالحل السياسي وهي ستواصل مناوراتها واستنزافها للدولة الوطنية السورية لمحاولة تحقيق هذين الهدفين : اختراق البنية السياسية للدولة السورية بعملاء تحت غطاء الحل السياسي واقتطاع حصة اميركية في قطاع الطاقة السوري.