الراعي يكسرها مع بري.. فكيف سيجبرها؟ نبيل هيثم
في الاجواء المجلسية تساؤلات حول مغزى الحملة على تمديد ولاية المجلس النيابي، فيما الكل شريك فيه، والكل كان يتوقعه أمراً واقعاً وحتمياً ومسلماً بحصوله كشرٍّ لا بد منه ولا بديل عنه، وبالتالي ليس من بريء من دم هذا الصديق.
هناك من بين المتحمسين للتمديد من يعتبرها مرحلة استثمارية لا بد ان يستغلها البعض من باب تعبئة الفراغ ومن دون القدرة على تغيير شيء، فسرعان ما ستنتهي تلك السكرة، وستعود عجلة البلد بكل قطاعاته ومفاصله الى الدوران كما دارت مع التمديد الاول وكأن شيئاً لم يحصل.
ولكن هناك من المتعصبين لمجلس النواب من يستغرب ويرسم علامات استفهام على الهجوم المتواصل للبطريرك الماروني على المؤسسة التشريعية الى حد وصف النواب بالخونة، في موقف لم يسبقه عليه أي من أسلافه البطاركة، وكذلك أي من المراجع الروحية في الطوائف الاخرى.
هناك من يتفهم موقف الر اعي. فمن جهة هو لا يريد ان يبقى موقع الرئاسة شاغراً، ولا يريد ان يتكرس عُرف دستوري خطير بأن يدار البلد بلا رئيس للجمهورية وبلا دور او شراكة للموارنة في القرار، بما قد يؤدي في حال تكريس هذا العرف الى إضعاف، أو إلغاء المركز المسيحي الوحيد في هذا الشرق. ومن جهة ثانية هو يعبر عن ضيق وانفعال من الزعامات المارونية التي خذلته ولم تتفق على مرشح، وما هجومه على النواب الا معركة غير مباشرة مع زعامات طائفته، ففي النهاية النواب، وعلى حد ما يعتقد، ينصاعون لأوامر زعمائهم، وبالتالي الهجوم على النواب يعني الهجوم على الزعامات.
ليست المرة الاولى التي يرمي فيها الراعي حجراً كبيراً على مجلس النواب، فقبل نهاية ولاية ميشال سليمان رمى حجراً على المجلس حينما توجه الى الرئيس نبيه بري مطالبا اياه بالدعوة الى جلسات يومية “إلزامية” لانتخاب رئيس للجمهورية. يومها استوعب بري الصدمة وأبعد الحجر برد مقتضب: استطيع ان ادعو الى جلسة كل خمس دقائق، ولكن هل هذا يحل الامر؟
ثم أتبعه بحجر ثان بتحميل المجلس مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية، فحـُمـِّل بعض المقربين من بكركي رداً مفصّلاً “لماذا يصر البطريرك على التصويب على المكان الخطأ.. فالبرلمان هو المحطة الاخيرة في مسار الانتخابات الرئاسية. اختيار المرشحين هو المحطة الاولى وهذا غير متوفر، والتوافق على اي منهم هو المحطة الثانية وهذا غير متوفر أيضاً، وقد جرّب البطريرك نفسه التوفيق في ما بين القادة الموارنة وفشل، والظرف الدولي والإقليمي هو المحطة الثالثة وهذا غير متوفر حتى الآن.. والانتخاب في المجلس هو المحطة الرابعة، فلماذا الإصرار على سلوك المسار العكسي من المحطة الاخيرة الى المحطة الاولى؟
قيل لبعض المقربين من بكركي “إن البطريرك كسرها مع المجلس ورئيسه، فدلونا كيف سيجبرها، وإذا كان يحمِّل النواب مسؤولية افتعال الفراغ الرئاسي، فإنه يضع نفسه في موقع المطالـَب بأجوبة على التساؤلات التالية:
ألا تقتضي الموضوعية والواقعية مقاربة حقائق الامور كما هي، وليس تحميل النواب ما لا طاقة لهم عليه، وهل كان للنواب دور اكبر من دورهم التقليدي في التصويت ثم التصفيق للرئيس الذي يسقط اسمه على البلد من خارج الحدود؟
هل شعار “رئيس صُنع في لبنان” هو شعار واقعي او حقيقي؟ وهل سبق أن عُمل به في اية انتخابات رئاسية ومنذ ما قبل الاستقلال؟
أليس المندوب السامي الفرنسي هو من صنع رؤساء ما قبل الاستقلال؟
أوليست الظروف الإقليمية والتأثيرات الخارجية، عربية كانت أو دولية وفقاً للمرحلة، هي التي صنعت رؤساء ما بعد الاستقلال؟
المنطقة تهتز وتكاد أوطانها وحدودها تختفي، ولبنان جزء منها وليس منعزلاً عن أزماتها وحلولها، فكيف يمكن ان يولد رئيس للبنان ما دام الحل لم يستقر في المنطقة؟
(السفير)