الأمن بدأ يتزعزع : عاموس هرئيل
سلسلة الأحداث العنيفة الاخيرة تشبه ما حدث في الضفة الغربية والقدس وداخل الخط الاخضر قبل عام. موجة من العمليات الفردية – مخربون فلسطينيون يعملون على عاتقهم. إلا أن التوتر قبل عام تلاشى خلال شهرين، ويبدو أن السبب الاساسي لذلك كان غياب أي اسناد جماهيري لعمل المخربين، ولم ترافقه المظاهرات الكبيرة. لكن هذه المرة الامر يختلف الى حد كبير.
إن حادثي الطعن أمس، في غوش عصيون وتل ابيب، ينضمان الى سلسلة من الاحداث العنيفة في الاسابيع الاخيرة. ففي أقل من ثلاثة اسابيع قتل 6 اسرائيليين في اربع عمليات مختلفة. في موجة المظاهرات لعرب اسرائيل منذ قتل الشاب من كفر كنا من قبل الشرطة في يوم الجمعة الماضي، حيث حصلت مواجهات بين مئات المتظاهرين مع الشرطة وتم القاء الحجارة والزجاجات الحارقة وأصيب أول أمس يهودي في سيارته في الطيبة.
استمرارا لفترة الحرب في غزة في الصيف، يبدو أن سلسلة العمليات الاخيرة بدأت تزعزع الشعور بالأمن الشخصي لاول مرة لدى اغلبية الاسرائيليين. ولم يكن أمام الحكومة مناص من اتخاذ اجراءات في محاولة لاشعارهم بالأمن: زيادة عدد رجال الشرطة في التجمعات السكانية، زيادة في وحدات الجيش في الضفة، وجهود استخباراتية ضد منظمات الارهاب. والآن تتم دراسة اجراءات اعلانية مثل استئناف هدم منازل المخربين. وقد يكون للعمليات تأثير سياسي. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يقوم بتسويق نفسه منذ سنوات كقائد قوي في وجه الارهاب، والآن كما في زمن «الجرف الصامد» في الصيف فان المخربين يضعونه أمام تحدي، والجناح اليميني في حكومته يلسعه ويتهمه بقلة الحيلة. المثال الأبرز حتى الآن هو «خطاب مكعبات الاسمنت» للوزير نفتالي بينيت في الاسبوع الماضي، وستكون خطابات اخرى مثل هذه.
الأحداث الاخيرة تشبه الى درجة كبيرة ما حدث في الضفة، في القدس وفي داخل الخط الاخضر قبل سنة بالضبط. موجة «عمليات فردية» – مخربون يخرجون على عاتقهم من اجل اصابة مدنيين اسرائيليين ورجال أمن. إلا أن التوتر قبل عام الذي أطلقت عليه صفة انتفاضة ثالثة، انتهى خلال شهرين. ويبدو أن السبب الحقيقي لذلك كان غياب الدعم الجماهيري القوي في الجانب الفلسطيني حيث لم ترافقه مظاهرات كبيرة. في هذه المرة الامر يختلف: يمكن أن الجمهور العربي الاسرائيلي سيهدأ فيما بعد، لكن القدس الشرقية تغلي منذ فترة طويلة، ومن المتوقع أن تنتقل العمليات ايضا الى داخل الضفة.
الاختلاف ينبع أولا وقبل كل شيء من ازدياد العامل الديني في الصراع. التوتر حول الحرم والخوف الفلسطيني من إحداث تغيير أحادي الجانب في الوضع الراهن من قبل اسرائيل، رغم نفي الحكومة، يزيدان من اشتعال النار بشكل متواصل. هذا الخوف يرافقه تحريض مستمر من حماس والجهاد الاسلامي (اثنان من المخربين الذين قتلوا اسرائيليين هم اعضاء في هذه المنظمات، والقاتل في غوش عصيون تم اطلاق سراحه من السجن الاسرائيلي قبل عشر سنوات). السلطة الفلسطينية، رغم الهجوم الكبير عليها من قبل وزراء في حكومة نتنياهو أمس، ما زالت خارج هذا الامر. ففي الجيش الاسرائيلي يتحدثون عن استمرار التنسيق الأمني مع اجهزة السلطة وعن التوجيهات القاطعة التي اعطاها الرئيس محمود عباس لرجاله لمنع الاعمال الارهابية.
المشكلة في العمليات الاخيرة هي أن اسرائيل تحدد استراتيجيتها بناءً على مجموعة من الاحداث التكتيكية. وزير الأمن الداخلي اسحق اهارونوفيتش الذي جاء أمس الى محطة القطار في تل ابيب حيث طُعن الجندي، أحاطه المدنيون وقاموا بالاحتجاج على غياب الأمن الشخصي. وهذا الامر يُذكر بالاوقات الصعبة (موجة السكاكين في الانتفاضة الاولى، العمليات في الانتفاضة الثانية). السياسيون يستمعون جيدا لمطالب الشارع فيما اذا كانت الدولة تتجه الى انتخابات مبكرة. في الايام القريبة سنسمع تصريحات متشددة من قبل وزراء في الحكومة حيث سيتم اتهام جهاز التعليم الفلسطيني بالتحريض، وهناك نقاشات طواريء من اجل مواجهة الوضع الجديد.
ما لم يتم الاعلان عنه في الجلسات سيتم اتهام اسرائيل به كاهمال للامن الذي يسمح بحدوث العمليات. المخرب الذي قام بطعن الجندي في تل ابيب هو مقيم غير قانوني من نابلس، وعملية كهذه تحدث لأنه بعد 12 عاما من اقامة الجدار الفاصل على يد اريئيل شارون، توقف هذا المشروع من غير أن يكتمل لاعتبارات مالية، فالجهاز الأمني لم يكمل الجدار في المنطقة الواقعة بين جنوب غوش عصيون ولخيش (جنوب جبل الخليل). في هاتين المنطقتين يتحرك العمال الفلسطينيون الخارجين للعمل في اسرائيل بدون تصاريح بحرية، وايضا في قلقيلية هناك ثغرات تُمكن من عبور كبير غير مراقب باتجاه الخط الاخضر.
كل هذه الامور صمتت عنها اسرائيل خلال فترة الهدوء النسبي، وبعد تراجع الانتفاضة الثانية. وقد نحتاج الآن الى اعادة النظر في هذه السياسة من جديد. المشكلة ليست مرتبطة بالعمال الذين يدخلون الى اسرائيل مع تصاريخ العمل المعطاة لهم بعد الفحص الأمني، ولكن الخطر يرتبط بـ 30 – 40 ألف فلسطيني يعملون داخل الخط الاخضر بدون تصاريح، واغلبية هذا العدد تصل من اجل كسب الرزق. ولكن في غياب الفحص الأمني والرقابة لا يمكن تحديد وافشال العمليات من قبل المقيمين بدون تصاريح، الذين يوجد بينهم عدد لا بأس به ممن يقومون بأعمال جنائية.
في المرة القادمة التي سيعد فيها الوزراء باستخدام القبضة الحديدية ضد الارهاب، من الافضل أن نسألهم ماذا حدث فيما يتعلق بقوانين استخدام العمال غير المرخصين. فهم يصلون الى اسرائيل ويساعدهم على ذلك مواطنون اسرائيليون. والذي يساعدهم أو يُشغلهم لا يدفع الثمن. المخرب الفردي يستطيع دائما الفعل، وبالذات في هذه الفترة التي تزداد فيها الكراهية، والمسافة بين مجموعة اخرى كهذه الاحداث وبين الاجواء العامة من الفوضى ليست كبيرة، والسؤال هو لماذا لا تتخذ الدولة والاجهزة الأمنية الخطوات التي من شأنها أن تضائل الخطر الى حد كبير.
هآرتس