«عم يطعمونا خـ **» إيفا الشوفي, حسين مهدي
«عم يطعمونا خرا» فعلياً، لا بالتعبير المجازي. هذا ما أخبرنا به وزير الصحّة وائل أبو فاعور أمس، عندما صارح المقيمين في لبنان بأنّ بعض العيّنات التي أُخذت من مطاعم ومتاجر في كل المناطق تبيّن أنها تحتوي على «براز البشر ومياه مجارير»!
المقيمون في لبنان يستهلكون أغذية فيها «بقايا براز بشري ومياه مجارير»، بحسب التعبير الذي استعمله وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور في مؤتمره الصحافي أمس. هذا الإقرار «الرسمي» بوجود تلوث غذائي خطير، هو الأول من نوعه الذي يصدر عن وزارة الصحّة، بعد مرحلة طويلة من تراخي الإدارات المعنية في توفير الحماية للناس وصحّتهم، بل في ظل تواطؤ مكشوف من مراكز نفوذ في الدولة لتغطية «التجّار» الذين ردّد رئيس جمعيتهم نقولا شمّاس مراراً وتكراراً أنهم «يُطاعون ولا يُطيعون».
لم يكن اللبنانيون يجهلون هذه الحقيقة، ففي الفترة الماضية زخرت وسائل الإعلام وتقارير جمعية المستهلك ومطالعات الخبراء والمختصين والأكاديميين بمئات الفضائح والوقائع والشكاوى والأمثلة عن جرائم موصوفة يرتكبها تجار وشركات معروفون. هؤلاء المجرمون لم يُلاحَقوا ويُساقوا إلى القضاء، ولم تُقفَل مؤسساتهم ويُمنعوا من توريد الغذاء للناس… هذا الواقع المعروف دفع الناس إلى المزيد من اليأس، ولذلك لم يكن مفاجئاً أن يأتي رد الفعل ضعيفاً، وقد يعبر عن قناعة بأن الملف الذي فتحه أبو فاعور سيُغلق سريعاً على «لا شيء».
38 فرعاً لمؤسسة ومطعم وملحمة، من مناطق مختلفة خارج بيروت، تعمّد وزير الصحّة التشهير بها وتحذير المستهلكين من سلعها. ربما لاقتناعه أيضاً بأن أصحاب هذه المؤسسات سيخرجون من القضية كـ»الشعرة من العجين»، في ظل منظومة الفساد الحاكمة. قال أبو فاعور إن هذه المؤسسات تقدّم غذاءً لا يتطابق مع المعايير الصحية، يحتوي بعضها على سالمونيللا وE.coli والبكتيريا الهوائية. ومن بينها مؤسسات «مشهورة» و»معولمة» يأكل منها معظم اللبنانيين، ولا سيما أطفالهم وشبابهم، مثل «ماكدونالدز»، «سبينس»، «كبابجي»،» tsc mega»، «هوا تشيكن» «الحلاب»، وغيرها الكثير. هذه اللائحة التي كشف عنها أبو فاعور، أوضح أنها «أولية» ونتائجها وصلت إلى وزارة الصحة منذ أربعة أيام. أمّا في بيروت، فقد أخذت الوزارة عيّنات من عدد كبير من المطاعم والمحال، لكن النتائج لم تصدر بعد، وهي على الأرجح لن تكون بعيدة عن نتائج هذا التقرير، حتّى إن المؤشرات تنذر بما هو أسوأ، وفق كلام أبو فاعور.
كيف توصل أبو فاعور إلى هذه النتائج؟ ولماذا قرر إعلانها؟
قال إنه «وزع فرق التفتيش التابعة لوزارة الصحة على مدى الأيام العشرين الأخيرة، في إطار حملة شملت عدداً من المؤسسات بهدف الكشف على المنتجات الغذائية التي يشتريها الناس، والتأكد من مراعاتها للشروط الصحية المطلوبة وما يتصل بها من نظافة وهندام. وقد أُخذت عينات من مختلف المواد الغذائية لفحصها والتأكد من جودتها، وذلك في المختبرات التابعة لوزارة الزراعة ومصلحة الأبحاث العلمية الزراعية ومختبر البحوث الصناعية». أضاف: «إن الحملة شملت 1005 مؤسسات في كل المناطق، توزعت بين 400 مؤسسة في جبل لبنان، و200 مؤسسة في الشمال، و250 في البقاع، و200 في الجنوب، و50 في النبطية. هذه المؤسسات هي أفران ومطاعم وتعاونيات وملاحم ومحال حلويات وآبار أرتوازية وينابيع. وأُخذت 3600 عينة لفحصها، وشملت الفحوصات اللحوم على أنواعها والخبز والعجين والحلويات من قشطة وكريما». كشف وزير الصحّة، من خارج اللائحة التي وزّعها على الإعلام، أن محلات «الناطور» (التي أقفلت مؤقتاً العام الماضي بسبب بيعها اللحوم الفاسدة) تبيع لحوماً برازيلية منتهية الصلاحية، واللحوم مرمية على الأرض من دون أي مراعاة لأدنى شروط النظافة. لذلك قامت وزارة الصحة «بغارة» ليل السبت على المحال لأخذ عينات منها، تجنباً لأي محاولة لتبديل اللحوم، وستصدر نتيجتها ونتائج غيرها من العينات المأخوذة من المطاعم والمؤسسات الموجودة في منطقة بيروت غداً. كذلك كشف أن معامل «التنمية» في البقاع تخالف الشروط الصحية عبر التلاعب بتاريخ إنتاج المواد الغذائية فتضع تاريخاً متقدّماً بثلاثة أشهر عن تاريخ التصنيع الحقيقي. وفنّد أبو فاعور المخالفات التي أُثبتت على المؤسسات الواردة في اللائحة، لافتاً إلى أن هناك مؤسسات تعمل من دون تراخيص قانونية من قبل الجهات المختصة الرسمية. كذلك هناك عناكب وذباب على برادات اللحمة، التي وُجدت حرارة بعضها أعلى من الدرجات الضرورية، فضلاً عن الوسخ والزيت الأسود لشدة استهلاكه وأوعية صدئة تستخدم لحفظ اللحوم التي تُوَضَّب للمواطنين بسكاكين صدئة أيضاً. كذلك ثمة مطابخ مفتوحة على حمامات، وطعام موضوع فوق أكياس النفايات! أما المخالفة الأخطر، فهي إظهار الفحوصات وجود بقايا براز بشري في بعض العينات. «لقمة اللبناني مغمسة، إضافة الى العرق، بالأمراض والميكروبات، ورقابة الدولة قاصرة جداً»، بحسب وزير الصحة، الذي أعلن أنه ستوجَّه إنذارات إلى هذه المؤسسات، وستُنَفَّذ محاضر ضبط، لأن التفتيش الصحي في وزارة الصحة له صفة الضابطة العدلية. علماً بأنه صرّح لـ»الأخبار» بأنه جرى فعلاً تنظيم محاضر ضبط بحق المؤسسات المخالفة، وسيطلب من وزير الداخلية نهاد المشنوق تبليغ المحافظين والقائمقامين والبلديات، لإقفال أقسام الأصناف التي ثبت أنها غير صالحة لاستهلاك البشر إلى حين تصحيح وضعها. وتوجّه أبو فاعور إلى أصحاب المطاعم والمؤسسات بالقول إنّ «من يريد أن يواجهنا بهذا الأمر، فليفصل القضاء بيننا عندها». لم يكتفِ أبو فاعور بالتشهير بالمؤسسات، بل بوزارة الصحة نفسها، إذ أعلن أن عدداً من أطباء الوزارة في الأقضية كانوا يرسلون تقارير معدّة سلفاً تصنّف المطاعم والمحال بـ»جيدة ومقبولة» من دون الكشف عليها. وأضاف أن في الوزارة مديرية وقاية صحية وعدداً كبيراً من المفتشين والمراقبين الصحيين الموجودين في المناطق وأطباء أقضية ومحافظات، من المفترض أن يكون عمل هؤلاء دورياً وروتينياً في زيارة المؤسسات التي تعنى بالغذاء والكشف على ما يباع فيها للتأكد مما إذا كان مستوفياً للشروط الصحية والغذائية. لكنه أسف لكون هذا الأمر لا يجري إلا نادراً.
رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو، رأى أن تحاليل وزارة الصحة «أكّدت المؤكد، فمعلوماتنا تفيد بأن الاستثناء هو النظافة، والتلوث هو القاعدة. هذا الوضع قائم منذ زمن، ما نشهده اليوم هو حصيلة طبيعية لغياب قانون سلامة الغذاء وغياب كل الآليات السليمة لإنتاج غذاء سليم». وأضاف برو أن الرقابة هي آخر السلسلة، بينما الإنتاج السليم هو الأساس، وبالتالي يجب الالتفات إلى مصدر الغذاء متل مسلخ بيروت والمزارع وغيرها.
(الأخبار)