دي ميستورا وخبرة التجربة
أكدت سورية ضرورة اتخاذ خطوات جدية لتطبيق القرارات الأخيرة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي لمنع تدفق الإرهابيين والمال والسلاح المخصص لدعم عصابات التكفير في سورية والعراق، وهذا ما يستدعي إلزام الحكومات المعنية في تركيا وقطر والسعودية والأردن ولبنان بخطوات عملية صارمة تحت طائلة العقوبات التي اعتمدها مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع.
هذا الموقف السوري الذي ظهر في سياق اللقاءات مع الموفد الدولي ستيفان دي ميستورا في دمشق هو حاصل خبرة السنوات الماضية مع المبادرات الدولية والعربية التي تجاوبت معها الدولة الوطنية السورية وقبلت في سياقها بنشر المراقبين وألزمت قواتها المسلحة في كل مرة بوقف العمليات العسكرية وبسحب الأسلحة الثقيلة أحياناً لتكون النتيجة عودة الجماعات المسلحة والإرهابية إلى المواقع التي طردت منها في عمليات قتالية وهو ما كلف الجيش العربي السوري أثماناً كبيرة مضاعفة دفعها غير مرة من دماء ضباطه وجنوده كما عرض الأهالي لمخاطر الإجرام الإرهابي بعدما اطمأنوا للإجراءات والتدابير التي أعلن عنها مع نشر المراقبين ولعل مدينة حمص دفعت الكلفة الكبيرة في هذا المجال وهي لم تشهد الاستقرار الفعلي سوى عندما تقدمت الدولة لتنفيذ خطة جمعت بين الحسم العسكري والمصالحات المحلية.
حتى الساعة لا تبدي الولايات المتحدة وشركاؤها في حلف العدوان على سورية جدية في تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي التي جاءت بعد مطالبة سورية وحلفائها الملحة بذلك منذ بدء الأحداث السورية وعلناً تتحدث الولايات المتحدة عن عزمها على تدريب المزيد من الجماعات المسلحة التي تزمع إدخالها إلى سورية وهي تعرف أن نسيج «داعش» و«النصرة» ومثيلاتهما ليس سوى دفعات المتدربين الذي رعتهم في السابق تحت عنوان المعارضة المعتدلة التي قال الرئيس أوباما إنه سيجري تدريب دفعات جديدة منها في المملكتين السعودية والأردنية وكذلك في تركيا التي تحتضن «داعش» نفطياً ومالياً ولوجستيا وهي حليفة واشنطن وشريكتها.
تقول تقارير الأمم المتحدة مؤخراً إن الإرهابيين القادمين إلى سورية والعراق يصلون إلى تركيا بحراً ثم ينتقلون عبر المعابر الحدودية التركية إلى سورية مما يعني أن تركيا لا تزال تقدم التسهيلات التي اعتمدتها منذ عام 2011 لعبور الإرهابيين لتعزيز التمرد الإخواني القاعدي ضد الدولة الوطنية السورية، وقد أفاد آخر تقرير أممي أن عدد الإرهابيين القادمين عبر تركيا هو بمعدل ألف مسلح شهرياً.
أما في الجبهة الجنوبية السورية فممرات إدخال المسلحين من إرهابيي «جبهة النصرة» القاعدية ومن مرتزقة ما يسمى بـ«الجيش الحر» هي تحت إشراف الاستخبارات «الإسرائيلية» والأردنية ويستخدم ممر خط فصل القوات في الجولان كطريق للدعم اللوجستي وللحشد البشري وصولاً إلى مزارع شبعا في لبنان وتنطلق عبره التسهيلات العسكرية «الإسرائيلية» المتمثلة بنقل السلاح والأموال والتدخل «الإسرائيلي» بالإسناد المدفعي إضافة إلى الإدارة الاستخبارية والمعلوماتية والمساهمة «الإسرائيلية» لا تقل خطورة عن التواطؤ الأردني المفضوح في هذه العملية التي تصاعدت وتائرها في الأسابيع الماضية. ويبدو واضحاً أن التنسيق بين الحكومة الأردنية و«القاعدة» و«إسرائيل» على هذه الجبهة يتم برعاية أميركية وكل الكلام الإعلامي المعاكس ذر للرماد في العيون.
لا يمكن تجاهل هذه المؤشرات والوقائع لتصديق المؤشرات السياسية التي يوحي بها كلام أوباما وكيري عن الحل السياسي وما يدور من اتصالات في موسكو يحكى عنها الكثير.
الكرة هي في ملعب واشنطن وشركائها في العالم والمنطقة ممن تورطوا في دعم الإرهاب، وهم المسؤولون عن تجفيف موارده البشرية والعسكرية والمالية بموجب قراري مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، وعلى حلفاء سورية التصرف بحزم هذه المرة لأن الجيش العربي السوري الذي يتقدم في الميدان ويدفع الكلفة مضاعفة دفاعاً عن بلده وشعبه وعن حلفاء سورية وشركائها الصادقين وعن العالم كله يستحق التقدير والتسهيل والدعم وتحصين ودعم الموقف السوري الصلب في وجه تحايل المتآمرين المتشدقين بمكافحة الإرهاب.
أثبتت القيادة السورية في جميع الفصول السابقة للعالم بأسره انفتاحها على التعاون واستعدادها لتسهيل المبادرات بشروطها الوطنية السيادية وبما يخدم مصلحة شعبها ويخفف من معاناته، واليوم بيدها قراران دوليان غير منفذين وتجربة فيها الكثير من العبر منذ بعثة الفريق الدابي التي حجب تقريرها عن مجلس الأمن لأنه ينصف دمشق ويدين الإرهاب وداعميه المتآمرين على سورية ومن بعدها بعثة كوفي أنان والمراقبين الدوليين وبعد كل ما جرى يحق للقيادة السورية اشتراط خطوات والتزامات قبل أن تطلب منها أي تسهيلات.
أما دي ميستورا فعليه أن يحتكم إلى ما أعلنه من نوايا في الغرف المغلقة وأن يتمسك بضرورة تجفيف منابع الإرهاب كمقدمة عملية لأي خطوات مشتركة بالتنسيق مع الدولة الوطنية السورية، إذا كان حريصاً على تحقيق الإنجاز وعدم تكرار فشل سابقيه أنان والإبراهيمي في حال قبل أن يكون مطية لأطماع أردوغان وأحقاد حكومتي السعودية وقطر ولتبرير سياسات أوباما البائسة في دغدغة الإرهاب لاحتوائه بدلاً من القضاء عليه، أما سورية بقيادتها وشعبها وجيشها فليست في ترف التعايش مع أي ميوعة بعد كل ما جرى خلال السنوات الأربع الماضية.