حزب الحرب الأميركي مجددا
تتلاحق التكهنات حول السياسات والخطط الأميركية في المنطقة والعالم خلال العامين الأخيرين من ولاية باراك اوباما وتبدو الإدارة الأميركية على مفترق الخيارات الصعبة بين دفع كلفة التسويات والتسليم بفشل مغامراتها العدوانية أومواصلة إعداد مسرح العمليات على القوس الممتد من روسيا والصين إلى إيران وسوريا فالعراق واليمن لوضع القرار بيد الرئيس المقبل فإما ان يقرر توسيع الحروب والغزوات وتصعيد التدخلات أو ان يذهب بنفسه إلى التسويات .
أولا تجمع التعليقات والتحليلات الصحافية الأميركية التي تناولت نتائج الانتخابات النصفية الأميركية على وصف الرئيس الأميركي باراك اوباما بالتعبير التقليدي : البطة العرجاء بعد هيمنة الحزب الجمهوري على مجلسي الكونغرس وهو وضع ليس فريدا فقد تكرر المشمد ذاته مرات عدة في العقود الماضية بحيث خسر الحزب الحاكم الغالبية في الكونغرس مع انقضاء نصف الولاية الثانية للرئيس وثمة من يربط ذلك بتقليد التداول السياسي بين الحزبين الكبيرين وتعاظم نقمة الجمهور على السلطة القائمة بسبب تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية داخل الولايات المتحدة وعجز الإدارات المتعاقبة عن حلها مما يفسح المجال لتقدم آلة الحزب المنافس واكتساحه الانتخابي .
الأكيد أن الرئيس الأميركي سيواجه صعوبات كثيرة في التعامل مع الكونغرس الجمهوري على صعيد السياسات الداخلية والخارجية المتنازع بشأنها وعلى الرغم من الصلاحيات الرئاسية المحصنة دستوريا في رسم السياسات الخارجية الأميركية تشير الوقائع إلى ان الجمهوريين عازمون على تقوية جدران الاعتراض والعرقلة في مجلسي النواب والشيوخ تحضيرا للانتخابات الرئاسية بعد عامين .
ثانيا أبرز المؤشرات التي حملتها الانتخابات النصفية كان انتعاش تجمعات المحافظين الجدد الذين شكلوا القوة المحركة في التخطيط والتنفيذ لولايتي جورج دبليو بوش وأداروا مشاريع الحروب والغزوات العسكرية الاستعمارية التي قادتها الولايات المتحدة وتشير المعلومات الصحافية الأميركية إلى ان هذا الفريق ساهم في قيادة الحملات الانتخابة للجمهوريين بفاعلية قصوى وظهر مجددا رموزه الكبار من امثال كارل روف وريتشارد بيرل وبول وولفوفيتز وسواهم وقد نقلت الصحف الأميركية معلومات عن إدارتهم للحملات الإعلامية الترويجية لعدد من زعماء الكونغرس الجدد خلال الانتخابات في حين شرعوا يعيدون تنظيم صفوفهم عبر وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث التي يتواجدون فيها منذ تسعينيات القرن الماضي .
وقد نشرت مؤخرا تقارير ومعلومات ومقالات في الصحف الأميركية عن مناداة فريق المحافظين الجدد بتبني خطة استراتيجية لتصعيد الحروب والغزوات فقد كتب ماكس بوت، عن الحاجة إلى إرسال عشرة آلاف عسكري اميركي إلى العراق بينما شارك رموز حزب الحرب الأميركي في العديد من حلقات النقاش التي رددوا فيها كلاما مشابها.
ثالثا سعى المحافظون الجدد عبر حملة مسعورة اتهموا بها سياسة اوباما بالصعف في الشرق الأوسط لتسويق الانتقال إلى توسيع نطاق التدخل الأميركي واقترح فريد وكيمبرلي كاغان خطة استراتيجية تنطوي على إرسال خمس وعشرين ألفا من القوات البرية الأمريكية وهو ما ردده آخرون في جوقة ضمت بيل كريستول، جون بودهوريتز، دان سينور، ديفيد بروكس، وجون بولتون وريتشارد بيرل ودانييل بليتكا وتشارلز كروثامر وهذه الجوقة التي خفت بريقها وحضورها خلال السنوات الست الماضية لم تتوقف عن العمل والمتابعة وهي شكلت القوة الشرسة في هيئة أركان الحملة الجمهورية في انتخابات الكونغرس.
يرجح المتابعون ان الخطة المذكورة ستكون محور ضغوط في الكونغرس اعتبارا من الربيع المقبل وحيث يتبنى المحافظون الجدد مبدأ التدخل العسكري في سورية إلى جانب تدعيم قدرات الجماعات العميلة الجاري تدريبها في الأردن والسعودية وتركيا وهم يركزون على اهمية مساندة التوجه الإسرائيلي في الجبهة السورية الجنوبية وتلبية طلبات موشي يعلون المتعلقة بتوسيع نطاق التعاون بين عمان وتل أبيب في تكوين قوة عميلة تخصص لها حصة رئيسية من موازنة النصف مليار دولار التي أقرها الكونغرس بناء على طلب باراك أوباما.
رابعا الأكيد ان الرئيس الأميركي الذي يمثل المؤسسة الحاكمة في البيت الأبيض هو الذي ولد بخياراته المناخ المواتي لإحياء حزب الحرب الأميركي من خلال تصميمه على اختبار جميع السبل الممكنة للتهرب من الاعتراف بالحقائق العالمية والإقليمية العنيدة التي اصطدمت بها حملته لإسقاط الدولة السورية وللتحايل على حقيقة انتهاء الهيمنة الأحادية وهو في ذلك مثل المؤسسة الأميركية الحاكمة منذ تراجعها عن وثيقة بيكر هاملتون وشروعها في اختبار استراتيجيات الحروب بواسطة القاعدة والأخوان المسلمين .
ثمة من يعتقد ان الانجازات المتبقية لأوباما بعد الانتخابات النصفية ستكون في قيادة السير نحو التسويات الممكنة وحيث سيكون التفاوض مع إيران والموقف من سورية هو المحك الفعلي وحتى الساعة تصدر واشنطن إشارات مزدوجة ومتعاكسة كأنها تحضر للمسارين معا : التصعيد والتسويات .
يبقى الأهم في كل ما تقدم ان قوى المقاومة في المنطقة والعالم مدعوة للتعامل بانتباه وحذر شديدين لأن الإمبراطورية المهزومة ما تزال تشحذ سكاكينها رغم ابتسامات جون كيري وكلامه المعسول عن الحل السياسي في سورية خلال لقائه مع سيرغي لافروف ورغم تصريح أوباما صباح اليوم بأنه لا يؤمن بحل عسكري في سورية ولا يعمل عليه ورغم بعض التوقعات المتفائلة بقرب توقيع الاتفاق على النووي الإيراني ورضوخ الولايات المتحدة للتسوية في أوكرانيا الترقب والاستعداد للأسوأ هو القاعدة الأضمن في التعامل مع السياسات الأميركية وليس الرهان الأحادي على قرب التفاهمات.