سيناء واتفاقية كامب دافيد الياس سحّاب
نشبت في صحراء سيناء ازمة سياسية بالغة التعقيد، ومثلثه الاضلاع. فهي من جهة اولى أزمة امنية بل وجودية عنيفة بين الدولة في مصر ومجموعات الارهابيين. وهي من جهة ثانية أزمة بين مصر وقطاع غزة، وبالذات سلطة حركة «حماس» المسيطرة على القطاع بانتمائها الواضح الى جماعة «الاخوان المسلمين». وهي من جهة ثالثة ازمة بين النظام في مصر والسكان الاصليين في سيناء، الذين يبدو ان ادارة النظام المصري للازمة تتناقض مع مصالحهم كسكان اصليين لهذه البقعة من الوطن المصري.
على السطح الخارجي للأمور، تبدو بداية الازمة وكأنها تعود الى ثورة «30 يونيو» 2013، وما انتجته من تجاوب لقيادة القوات المسلحة المصرية، ادى في النهاية الى اسقاط حكم «الاخوان المسلمين» في القاهرة، وهو يتم عامه الاول فقط.
غير أن التعمق في الابعاد الثلاثية للازمة، وتلازم هذه الابعاد وتكاملها، سرعان ما يكشفان أن جذور الازمة المشتعلة امنيا في السنة الاخيرة، انما تعود الى فترة تتجاوز السنوات الثلاثين، وترتبط بالذات بعهد حكم الرئيس الاسبق السادات، الذي مضى سياسيا الى انهاء تفاعلات الانجاز العسكري في العام 1973، ليتوجه، بعكس ما كانت تمليه المصالح العليا للامن القومي المصري، إلى توقيع معاهدة سلام مشوهة مع دولة اسرائيل، لانها لم تستعد سيناء الى ارض مصر الا منقوصة السيادة الوطنية، خصوصاً لناحية في متطلبات الامن القومي، ولن تؤدي الى حل تاريخي لقضية فلسطين. فالأخيرة، على العكس من ذلك، سارت في تدهور فظيع منذ توقيع الاتفاقية، بعدما خرجت مصر من مسؤوليات الصراع العربي ـ الاسرائيلي، واستكمل على مدى السنوات التالية ذلك بالخروج المتدرج لبقية الانظمة العربية من الصراع، الذي وصل في موازاة ازمة سيناء الى ادنى درجاته التاريخية، باستكمال تهويد الضفة الغربية والقدس، وبالشروع في اقتسام المسجد الاقصى بين المصلين المسلمين واليهود، باعتباره (وقفا للتعبير الاسرائيلي) «يتيح لهؤلاء ان يصلوا في الهيكل».
لقد كان واضحا منذ اليوم الاول لتوقيع اتفاقية «كامب دافيد»، ان صحراء سيناء وقضية فلسطين، ستكونان الضحية الاولى لتلك الاتفاقية، التي بدلا من ان تعبر سياسيا عن الانجاز العسكري العربي في حرب اكتوبر 1973، جاءت تعبيرا عن استسلام سياسي كامل لكل ما كانت تتمناه اسرائيل، بل لاكثر مما كانت تتمناه في اعقاب هزيمة العرب في حرب 1967.
لقد لاحظ معظم السياسيين المصريين الذين كانوا يحيطون بانور السادات في المحادثات التي ادت الى اتفاقية كامب دافيد، ذلك الاقبال الغريب من قبل انور السادات على تقديم التنازلات، بسهولة واندفاع، والى مدى ابعد مما توقعه اكثر المتفائلين في معسكر الاعداء.
ان العودة بازمة سيناء الى جذورها الاساسية، ضرورية لفهم اعماق وابعاد الاجحاف الذي ألحقته الاتفاقية بمنطقة سيناء، حيث لم تكتف باخراجها من نطاق الامن القومي المصري (وهي منه في الصميم) بل حولتها بذلك الى أكثر المحافظات اهمالا في مجالات التنمية، وابعدها عن الحضن الدافئ للدولة المركزية في مصر. فكان لا بد من ان تتحول الى بؤرة لازمات ثنائية وثلاثية الابعاد، خصوصا بعدما جاء الانتماء الاخواني لحركة «حماس» المسيطرة على قطاع غزة، ليزيد الازمة اشتعالا، ويضاعف من اعماقها وابعادها.
ان الاكتفاء باختصار الازمة في سيناء على انها ازمة ارهابيين، تساندهم حركة «حماس» وسواها من الحركات الاسلامية، لا يعالج إلا الشكل الخارجي للمشكلة، التي تعود جذورها الى اتفاقية كامب دافيد، والتي لم يعد هناك بد من تعديلها، وتصحيح كل شوائبها، اذا لم تكن الظروف الدولية تسمح بالغائها من الاساس.
انها ازمة النظام الجديد في مصر، الذي ما زال حائرا: هل هو استكمال للعهد الساداتي أم العهد الناصري، والنظام يحاول عبثا التوفيق المستحيل بينهما.
(السفير)