تركيا والوصاية على عين العرب حميدي العبدالله
هل تحققت أهداف تركيا من وراء دخول قوات من البيشمركة ومجموعات «الجيش الحر» إلى مدينة عين العرب، وهي فرض وصايتها على عين العرب وتحجيم حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الشعبية وإخضاعها للهيمنة التركية؟
من الصعب الاستنتاج أنّ دخول 150 مقاتلاً من قوات البيشمركة، وعدد غير معروف من «الجيش الحر»، قد أمّن السيطرة والوصاية التركية على المدينة وعلى الحامية التي دافعت عنها وصمدت في وجه هجمات «داعش» لفترة تزيد عن الشهر حتى قبل وصول أيّ دعم من أيّ جهة باستثناء الدعم الجوي الذي قدّمه التحالف الأميركي الدولي.
كان يمكن الاستنتاج أنّ المنطقة أصحبت تحت الوصاية التركية لو أنّ تركيا استجابت لضغوط ومناشدات سكان المنطقة وأكراد تركيا وقدّمت الدعم اللازم لصدّ هجوم «داعش»، إذ في هذه الحال يمكن القول إنّ الحكومة التركية باتت تحظى بدعم وتأييد سكان عين العرب، إضافةً إلى أكراد تركيا، وبالتالي أدّت هذه الخطوة إلى تصاعد نفوذ أنقرة شعبياً وسياسياً وربما ميدانياً جراء سماحها بدخول معدات عسكرية، ومتطوّعين أكراد من تركيا قد تكون لهم صلات وارتباطات مع الحكومة التركية، إذ في مثل هذه الظروف يصعب على حزب الاتحاد ووحدات الحماية الحدّ من تأثير تركيا السياسي المعنوي بوصفها الجهة التي ساهمت في إنقاذ سكان المنطقة من مذبحة مؤكدة على أيدي إرهابيّي «داعش».
لكن بعد أن عارضت تركيا تقديم أيّ دعم لوحدات الحماية، وعرقلت وصول أيّ متطوّعين إلى داخل المدينة، وأطلقت الرصاص على المتظاهرين الأكراد داخل تركيا وسقط جراء ذلك عشرات القتلى، من الصعب الاستنتاج بأنّ سماح تركيا لاحقاً لـ150 من مقاتلي البيشمركة وعدد غير محدّد من مقاتلي «الجيش الحر» أن يغيّر الموقف لمصلحة تركيا، لا سيما أنّ ما حدث لاحقاً بدا وكأنه جاء رغماً عن تركيا وليس بإرادتها وحصيلة لضغوط متعدّدة منها التحركات الشعبية داخل تركيا، إضافة إلى الضغوط الدولية، ولا سيما من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبعد إلقاء السلاح والذخيرة والأدوية ومعدات الاتصال عبر الجو إلى المدافعين عن المدينة.
لا شك أنّ صمود عين العرب كان له دور كبير في تحجيم الطموحات والتطلعات التركية، وجاءت الضغوط الشعبية من داخل تركيا، وخطر انتكاس تفاهمات حزب العمال الكردستاني مع الحكومة التركية، واحتمال عودة المواجهة المفتوحة بينهما، لخلق توازن قوى يصعب معه على أنقرة توظيف دخول البيشمركة لمصلحتها وفرض وصايتها على عين العرب.
(البناء)