بقلم ناصر قنديل

هل تقبل سورية إذا طلب لبنان؟

nasser

 

يواجه لبنان جدول أولويات مختلف عن الجدول السوري، في ملف المواجهة مع المجموعات الإرهابية التي تتمركز بصورة رئيسية في جرود عرسال ضمن الحدود اللبنانية، وفي ظل وجود عدد من العسكريين المخطوفين لدى هذه الجماعات، وحجم الضغط الذي يولّده تعقيد عملية التفاوض على الداخل اللبناني.

الأولويات السورية تتصل في المرحلة الراهنة كما يراها المسؤولون السوريون بتأمين الاحتياجات لثلاث معارك تأتي القلمون في ترتيب الرابع بعدها، فمعركة حصار المجموعات المسلحة في حلب على خلفية الإنجازات التي حققها الجيش في الاقتراب من إكمال الطوق، وبسبب التجاذب الدولي والإقليمي الكبير الناشئ حول مستقبل حلب مع تصريحات رئيس الوزراء التركي ووزير خارجية فرنسا، وبعد الضربات التي تلقتها المجموعات المدعومة من الغرب على يد «جبهة النصرة»، تهتمّ القيادة العسكرية السورية بتوفير شروط إكمال مقتضيات تحقيق نجاحات حاسمة في هذه الجبهة.

الجبهة الثانية هي الغوطة الشرقية حيث مكّنت النجاحات التي حققها الجيش السوري في كلّ من جوبر وعدرا وعين ترما، من التقدم نحو قلعة المسلحين في دوما، ويرتب حسم الغوطة الشرقية وتنظيفها إضافة إلى تأمين راحة سكان العاصمة وأمانهم من جولات القذائف المتقطعة والعشوائية التي تربك الحركة في العاصمة، ما يعنيه الحسم لوضع الغوطة الشرقية لجهة توجيه ضربة قاصمة لما تبقى من مكونات تحمل اسم «الجيش الحر» ويضع الغرب رهاناته عليها.

الجبهة الثالثة هي الجبهة الجنوبية الممتدّة من معابر الحدود الأردنية ـ السورية حتى القنيطرة وجبل الشيخ في الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة والجولان، وفي هذه الجبهة تقتضي الضرورات العسكرية عمليات تنظيف وحصار تدريجية لدفع المجموعات المسلحة نحو الحدود، وانطلاقاً من غلبة حضور «جبهة النصرة» في هذه المنطقة، التي يسعى الكثير من حلفاء واشنطن وفي طليعتهم «إسرائيل» وقطر وبعض الدوائر السعودية لتسويقها كطرف مقبول، ودعوة واشنطن إلى اعتمادها بديلاً لـ«الجيش الحر» يترجم مفهوم المعارضة المعتدلة، على رغم كونها الفرع الرسمي لتنظيم «القاعدة»، تصبح للمعركة ضرورة سياسية أيضاً.

ترتيب إنهاء الوضع في منطقة القلمون إلى المرتبة الرابعة ينطلق من كونها مستقرّة نسبياً، والجيش يقيم بالتعاون مع حزب الله سداً نجح في منع أيّ اختراق، في منطقة ستتكفل الثلوج الآتية قريباً بجعل الحياة فيها وبالاً على المسلحين، ويحافظ الجيش السوري فيها على جاهزية دائمة بسدّ ناري جاهز أرضاً وجواً، يُضاف إلى ذلك أنّ القوة الضاربة للمسلحين تلتجئ داخل الأراضي اللبنانية ويستدعي التنظيف تنسيقاً عسكرياً لبنانياً سورياً، لا يبدو لبنان الحكومي جاهزاً له بعد بسبب خضوع حكومته لتوازنات وحسابات وضغوط.

في جدول الأعمال اللبناني أولوية واحدة هي القلمون، حيث القوة الوازنة لـ«داعش» و«النصرة»، التي يمكن أن يراهن عليها كلّ أتباعهما الموجودين بالعشرات فقط في مناطق لبنانية أخرى، ومن دونها تسقط أوهام هذه المجموعات وأحلامها، وهناك أيضاً المخطوفون اللبنانيون من العسكريين، الذين يدور حولهم تفاوض صعب وشاق، لا يبدو أنّ أفق الحلول فيه قريبة بلا قبول لبناني بما يهدر هيبة الدولة.

لبنان في التفاوض مع «النصرة» و«داعش» يحتاج سورية لأنه يجابَه بطلبات تتصل بموقوفين لدى الدولة السورية، وفي حاجته إلى الضغط العسكري التفاوضي، أو التخطيط العسكري للحسم، لا بدّ من سورية.

لبنان بحكومته ورئيسها ووزيري الدفاع والداخلية فيها المعنيون بالتواصل لأيّ من الفرضيات التي يفرضها القلمون، يتهرّبون من استحقاق التحدث مع سورية، بل يستخدم بعض الحكومة لسانه الطويل في التحدث عن الدولة السورية بلغة ميليشياوية لا تمتّ إلى منطق الدولة بصلة، وسيكون السؤال مع نهاية الوقت الضائع، وبلوغ لحظة القرارات الحاسمة، نحو التفاوض أو المواجهة، أو الجمع الضروري بينهما، من سيتحدث مع سورية؟

هل يقبل مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم المكلف بملف المخطوفين فتح قناة أمنية مع سورية على عاتقه، أم ينتظر تفويضاً حكومياً علنياً تترجمه شراكة الوزراء المعنيين على الأقلّ، وهل تقبل الحكومة السورية القناة الأمنية التي فرضت قبولها في الماضي خصوصية مخطوفي أعزاز الذين حمل حزب الله الحليف الأقرب لسورية بشراكة الدم عبء حلها بعدما سحبت الدولة اللبنانية يدها، بينما عندما اتصل الأمر بدول غربية كبرى رفضت سورية القناة الأمنية وأصرّت على التعامل السياسي، لا بل إنها رفضت شكلاً سياسياً ملتبساً كمثل إقامة سفير دولة أوروبية في أحد الفنادق بدلاً من سفارته، بعدما قبلت هذه الدولة الأوروبية العودة إلى القناة الديبلوماسية، فلماذا تقبل سورية من حكومة لبنانية تدير لها ظهرها وترميها بالشوك وتتصرف بعنجهية لا تشبه طبيعة العلاقات التي قامت ويجب أن تقوم بين بلدين جارين وتوأمين مثل سورية ولبنان، ما لم تقبله من دول غريبة وغربية وكبرى وتبدي اهتماماً بتصحيح العلاقات؟

وزير العدل اللبناني يصف «جبهة النصرة» بالثوار، ووزير الداخلية يكيل كلاماً من العيار الثقيل للدولة السورية، وغيرهما في الحكومة لا يقلّ إساءة لسورية عنهما، فلماذا لا تنتظر سورية حتى يتصرّف المسؤولون اللبنانيون بمسؤولية، ولماذا عليها أن تفرج عن عشرات بل ومئات الموقوفين لديها من الإرهابيين نساء أو رجالاً فقط لأنّ الحكومة اللبنانية تريد ذلك، ولماذا لا تعرض الحكومة اللبنانية التي لا تريد التحدث علناً ورسمياً وبالاحترام اللازم مع الحكومة السورية، أنها قادرة على الطلب ممّن تمتدحهم وتتحدث معهم ويحرّضونها على سورية من السعودية ودول الخليج إلى الحكومات الغربية أو ربما مصر، لمقايضة من لديها من موقوفين يهمّ أمرهم المجموعات المسلحة لمواصلة التفاوض حول العسكريين المخطوفين، وتطلب من التحالف الدولي مؤازرتها في جرود عرسال لتأمين الضغط العسكري على جماعة «داعش» و«النصرة» إذا رأت ذلك مفيداً أو ضرورياً في توقيت مناسب؟

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى