رسالة «حزب الله» إلى إسرائيل ماثيو ليفيت
في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ولأول مرة منذ حرب تموز/يوليو 2006 بين إسرائيل و «حزب الله»، ادعت الجماعة الشيعية علناً مسؤوليتها عن هجوم استهدف إسرائيل وأسفر عن جرح جنديين جرّاء انفجار قنبلة زُرعت على الحدود اللبنانية. وفي بيان إعلامي، اعتبر نائب الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، أن الحادث يشكل رسالة، بقوله “على الرغم من انشغالنا في الواقع السوري [للدفاع عن نظام الأسد] وعلى الجبهة الشرقية للبنان [لمقاتلة المسلحين السنة] فإن أعيننا مفتوحة ومقاومتنا جاهزة في مواجهة العدو الاسرائيلي”. وفي الواقع، لم يأتِ توقيت هذا الإعلان بمحض الصدفة، إذ وقع الهجوم في الذكرى الرابعة عشرة لاختطاف ثلاثة جنود إسرائيليين من قبل عناصر من «حزب الله» في المنطقة نفسها عام 2000.
ومع ذلك، لا يشكل التفجير سوى أحدث “رسالة” يبعثها «حزب الله» في السنوات الأخيرة، كما كان عليه الحال في العديد من المؤامرات التي استهدفت إسرائيليين داخل بلادهم وخارجها والتي لم تتبناها الجماعة. ويقيناً، يحرص الحزب على إيصال استيائه من أحداث أخيرة وقعت في المنطقة ويحمّل إسرائيل مسؤوليتها، بما فيها مقتل ناشط في «حزب الله» كان يحاول تفكيك جهاز تنصت إسرائيلي في لبنان في 5 أيلول/ سبتمبر، وإعاقة عمليات نقل الأسلحة من سوريا إلى لبنان، فضلاً عن حركة الجهاديين السنّة التي كانت تبدو طليقة في المناطق المحاذية للحدود الإسرائيلية. بيد، من المحتمل أن يكون تحمل مسؤولية الهجوم علناً أمراً يتعلق أكثر بصقل صورة “المقاومة” التي يتحلى بها «حزب الله» في عيون الناخبين الشيعة المحليين.
مؤامرات دولية
على مدى السنوات القليلة الماضية عملت عناصر «حزب الله» على استهداف الإسرائيليين في جميع أنحاء العالم، وأحياناً من أجل الانتقام لمقتل العقل الإرهابي المدبر عماد مغنية، وأحياناً أخرى لأن عناصر الحزب كانوا بمثابة عملاء لحرب إيران السرية مع الغرب حول البرنامج النووي الإيراني. ولحسن الحظ، كان الهجوم الوحيد الناجح الذي قام به «حزب الله» في الخارج هو تفجير حافلة سياحية في بورغاس، بلغاريا، في تموز/يوليو 2012، مما أودى بحياة خمسة إسرائيليين وسائق الحافلة البلغاري. وفي الوقت نفسه تقريباً، اعتُقل ناشط سويدي من الحزب في قبرص يُدعى حسام يعقوب بتهمة مراقبة أهداف يهودية في الجزيرة؛ وفي وقت لاحق قال هذا الأخير للشرطة المحلية إن “هذا ما تقوم به منظمتي في جميع أنحاء العالم“.
أما مؤامرات «حزب الله» الأخرى فإما قد باءت بالفشل أو تم إحباطها في أماكن بعيدة جداً مثل جنوب أفريقيا وأذربيجان والهند وتركيا. ويُذكر أن المؤامرة الأخيرة لهذه الجماعة كانت قد وقعت في تايلاند في نيسان/أبريل، عندما اعتقلت السلطات في تلك البلاد عنصرين من «حزب الله» – أحدهما يحمل جنسية مزدوجة من لبنان وفرنسا، والآخر يحمل الجنسيتين اللبنانية والفلبينية – كانا يخططان لمهاجمة سياح إسرائيليين في بانكوك.
عمليات في الشرق الأوسط
لقد كان «حزب الله» يستهدف أيضاً المصالح الإسرائيلية الأقرب إلى تلك البلاد. ففي آب/أغسطس، اتهم المدعون العسكريون في عمان سبعة أردنيين وسوري بالتخطيط لمهاجمة السفارة الإسرائيلية وجنود أمريكيين. وشملت التهم الإنتماء “إلى جمعية غير مشروعة [حزب الله»] بقصد ارتكاب أعمال إرهابية في المملكة الأردنية الهاشمية وضد المصالح الأردنية في الخارج، بالإضافة إلى حيازة أسلحة أوتوماتيكية بهدف استعمالها بطريقة غير مشروعة لتنفيذ أعمال إرهابية“.
ومع ذلك، فإن معظم عمليات الجماعة الأخرى في الشرق الأوسط لا تشمل إسرائيل على الإطلاق، الأمر الذي قد يفسر سبب شعور «حزب الله» بضرورة التأكيد على التزامه المستمر بـ “المقاومة”، عندما أعلن ذلك في 7 تشرين الأول/أكتوبر. فمع نشر تقارير تكشف عن نطاق نشاطاته ضد السنّة في جميع أنحاء المنطقة، يخاطر الحزب بأن يُنظر إليه على أنه يشكل قوة قتالية طائفية على نحو متزايد تعمل بإيعاز من إيران بدلاً من كونه طرفاً لبنانياً يركز على محاربة إسرائيل.
وفي اليمن، على سبيل المثال، تم إطلاق سراح اثنين من عناصر «حزب الله» المشتبه بهم في 25 أيلول/سبتمبر بعد استيلاء المتمردين الحوثيين الشيعة على العاصمة. وأفادت التقاربر أنه تم الإفراج في اليوم التالي عن ثلاثة إيرانيين يُعتقد أنهم أعضاء في “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني. ويُشار إلى أنه تم سجن عناصر «حزب الله» لنحو ثلاث سنوات في مدينة عدن الساحلية الجنوبية، حيث تم القبض عليهم للاشتباه بأنهم يخططون لتوفير التدريب العسكري للحوثيين. ووفقاً لبيان من قبل وزارة الخزانة الأمريكية صدر في آب/أغسطس 2013، نسّق أفراد من «حزب الله» و«فيلق القدس» الإيراني عملياتهم في اليمن، حيث تولّى «حزب الله» مهمة تحويل الأموال وتدريب المتمردين الشيعة، فيما تولى «فيلق القدس» مسؤولية نقل الأسلحة المتطورة مثل الصواريخ المضادة للطائرات.
وإلى جانب ذلك، فإن «حزب الله» نشط أيضاً في العراق – وفقاً لما تعهد به الأمين العام للحزب حسن نصر الله في حزيران/يونيو عندما قال: “نحن مستعدون أن نقدم شهداء في العراق خمس مرات على ما قد قدمنا بسوريا فداء للمقدسات لأنهم أهم بكثير من أجل حماية الأضرحة [الشيعية]”. وفي البداية بدأ أفراد العمليات الخاصة في «حزب الله» بتدريب الميليشيات الشيعية العراقية ودعمها في عام 2003، وذلك بمساعدة مالية ومادية من قبل “الحرس الثوري الإسلامي”. وعلى الرغم من أن عمليات الحزب خفّت بعد مغادرة القوات الأمريكية العراق، إلا أنها استؤنفت منذ أن بدأ تنظيم «الدولة الإسلامية»/«الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)، بشن هجماته في حزيران/ يونيو (انظر المرصد السياسي 2277، “«حزب الله» اللبناني في العراق: القليل من المساعدة قد تنفع كثيراً)”.
اختراق المناطق المركزية في إسرائيل
في الوقت نفسه، يواصل «حزب الله» السعي وراء الوسائل التي جرى اختبارها وبرهنت نجاحها لاستهداف المناطق الحيوية في إسرائيل، كما هو مبين في التقارير الأخيرة بشأن النشاط في مرتفعات الجولان وتجنيد عرب إسرائيليين. وكان قد تم اتهام خمسة عرب إسرائيليين على الأقل بالتجسس لصالح «حزب الله» على مدى السنوات الخمس الماضية. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2010، أقر المشتبه به أمير مخول بأنه مذنب في الإتصال مع عميل أجنبي، والتآمر لمساعدة العدو، والتجسس لصالح «حزب الله».
وفي آب/أغسطس 2009، تم اعتقال عربي إسرائيلي شاب يدعى راوي سلطاني بتهمة التجسس على رئيس هيئة أركان “جيش الدفاع الإسرائيلي” في ذلك الحين الجنرال غابي أشكنازي. فخلال مشاركته في مخيم صيفي للشباب القومي العربي في المغرب في العام الذي سبق، أبلغ سلطاني أحد عناصر «حزب الله» بأنه كان قد ذهب إلى نفس الصالة الرياضية التي تمرّن فيها أشكنازي. وعندما عاد إلى إسرائيل، بدأ بنقل معلومات عن تحركات الجنرال لمسؤوليه في «حزب الله».
وفي حزيران/يونيو 2012، اعتقلت السلطات الإسرائيلية أحد عشر رجلاً كانوا يحاولون تهريب عشرين كيلوغراماً من متفجرات C4 من لبنان، بمساعدة من مشتبه عربي إسرائيلي يدعى عبد زعبي، الذي هو مهرب مخدرات معروف مرتبط بـ «حزب الله». ووفقاً للتقارير كان الهدف من المتفجرات شن هجمات على مسؤولين إسرائيليين.
وفي أيلول/سبتمبر من ذلك العام، تم القبض على المتهم العربي الإسرائيلي ميلاد خطيب قبل وقت قليل من إعطائه معلومات لـ «حزب الله» تتعلق باستهداف الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز. وكان قد جمع أيضاً معلومات استخباراتية عن شخصيات رسمية أخرى، وقواعد للجيش، ومرافق للصناعات الدفاعية، ومنشآت لتخزين الأسلحة.
وفي حزيران/ يونيو 2013، وُجهت العديد من التهم إلى عربي إسرائيلي آخر هو زاهر عمر يوسفين، من بينها الاتصال مع عميل أجنبي، وتسليم معلومات قد تكون ذات قيمة للعدو، ومساعدة جمعية غير مشروعة. وقيل أنه التقى مع عناصر من «حزب الله» بينما كان يقوم بفريضة الحج في المملكة العربية السعودية.
وفي الآونة الأخيرة، في نيسان/أبريل، تم اعتقال صحفي عربي إسرائيلي لارتباطه بعلاقات مع «حزب الله»، كما أُلقي القبض على ستة عشر شخصاً آخر من العرب الإسرائيليين في تموز/يوليو لعلاقتهم بتجارة المخدرات في عملية مرتبطة بـ «حزب الله». ووفقاً لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، كانت المجموعة الأخيرة تحاول أيضاً استيراد أسلحة، “ربما لشن هجوم برعاية «حزب الله» خلال عملية الحافة الواقية“.
وفي الوقت نفسه، ألهبت نشاطات «حزب الله» الحدود الإسرائيلية مع لبنان وسوريا. إذ وفقاً للجيش الإسرائيلي، أتى الحادث الذي وقع في 7 تشرين الأول/أكتوبر بعد يومين فقط من قيام دورية إسرائيلية بمنع عملية توغل عبر الحدود من لبنان. وفي آذار/مارس استهدفت قنبلتان دوريات للجيش الإسرائيلي في غضون أربعة أيام فقط، وذلك داخل الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل؛ وقد انفجرت القنبلة الأولى على الحدود مع لبنان ولم تسفر عن وقوع أي إصابات، في حين انفجرت الثانية على الحدود السورية، وأسفرت عن جرح أربعة جنود. وأتى رد الجيش الإسرائيلي عبر إطلاق نيران المدفعية بشكل متتالي على موقع لـ «حزب الله» في لبنان وموقع آخر للجيش السوري. وفي هذا الإطار صنّف مسؤولو الأمن الإسرائيلي القنبلتين على أنهما عبارة عن عمليتي انتقام على الهجوم الذي شنه الجيش الإسرائيلي على قافلة أسلحة مخصصة لـ «حزب الله» في أواخر شباط/فبراير.
رسالة “حزب الله”
بالنظر إلى كل ما سبق، فإنه من الصعب أن نرى بالضبط ما هي الرسالة الجديدة التي قد يكون هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر يهدف إلى إيصالها إلى إسرائيل والتي لم يوصلها «حزب الله» بشكل منتظم منذ بعض الوقت، على الرغم من غضب هذه الجماعة من التطورات الأخيرة. أما السلطات الإسرائيلية فموقفها واضح جداً بشأن التهديد المستمر الذي يشكله «حزب الله» على أراضيها، وفي المنطقة وخارجها. فكما وضّح أحد المسؤولين في الدولة اليهودية، كانت إسرائيل قادرة على ردع «حزب الله» من تنفيذ أي عملية كبيرة على الحدود، من خلال موازنة سياستها تجاه الجماعة على خلفية الحرب السورية. وأضاف قائلاً: “وجد كل منا سبلاً للتواصل من خلال [القيام] بمبادرات” مشيراً إلى طبيعة عمليات الانتقام المحدودة التي نفذها «حزب الله» في الشمال حتى الآن.
بعبارة أخرى، من المرجح أن تكون الرسالة الكامنة وراء الهجوم الأخير موجهة إلى الجمهور المحلي لـ «حزب الله» بقدر توجيهها إلى إسرائيل. فقد يُعذر الجمهور اللبناني إن فكّر بأن اهتمام الحزب ينصب في الوقت الراهن على سوريا فقط. فقد أطلق نصرالله تصريحات عديدة أكد فيها التزام «حزب الله» بالحرب في البلد المجاور، وبينما كان حريصاً على الإشارة إلى أن الحزب “يدافع عن لبنان وفلسطين وسوريا”، من الصعب تصديق الفكرة بأن محاربة السنّة في سوريا تشكل دفاعاً عن فلسطين.
أما الجديد هذه المرة فلا يكمن في استهداف «حزب الله» للإسرائيليين، بل في تحمله المسؤولية علناً عن الهجوم. إذ حافظ الحزب سابقاً على غطاء من الإنكار المقبول لتجنب عملية انتقام إسرائيلية قوية. بيد، يبدو أن «حزب الله» مهتم حالياً بشكل متزايد في إقناع الشيعة اللبنانيين بأنه لم ينسَ الهدف الأساسي من تأسيسه. والمفارقة هنا أنه يبدو أن الحزب يتواصل مع أعدائه بشكل أفضل من تواصله مع أصدقائه.
ماثيو ليفيت هو زميل فرومر- ويكسلر ومدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن، كما أنه مؤلف كتاب “«حزب الله»: البصمة العالمية الواضحة لـ «حزب الله» اللبناني”.