مقالات مختارة

حتى لا تضيع تضحيات الجيش في الشمال …!؟ أمين محمد حطيط

 

مع سكوت رصاص المواجهة المباشرة بين الجيش والإرهابيين وسقوط خطوط التماس والمربعات الأمنية في طرابلس ومحيطها علت أصوات متعددة الخلفيات والمقاصد حاملة الأسئلة التي تستفسر عما حصل وتبحث بشكل أساسي عن مستقبل الأيام وهل أن النار ستضرم مجددا في جسم المدينة التي كانت آمنة وادعة يضرب المثل في مجتمعها المتعدد المتآلف المتآخي، حتى دخلت اليها أمراض المال والطائفية فأفسدت نسيجها وحولت نعيمها إلى جحيم وقلبت اقتصادها إلى أسوأ ما يمكن يكون عليه وضع مدينة من طبيعتها وهويتها.

ومن حق المواطن اللبناني عامة والطرابلسي خاصة أن يطرح الأسئلة المتعلقة بأمنه وبدورة الحياة التي تعنيه، لذلك، ومن اجل فهم ما جرى نرى أن نتصدى للأمر من جهة المسببات والخلفية، ثم الأهداف والنوايا ربطا بما يجري في محيطنا من حريق تديره جهات اجنبيه بقيادة أميركية وتستثمر فيه دول إقليمية عربية وغير وعربية.

و لنبدأ بتحديد طبيعة النار التي أضرمت في طرابلس منذ أن اندلعت الشرارة الأولى في الجسم السوري ، فنرى أن طرابلس أسندت لها وظيفة أساسية في العدوان على سورية ( المسمى زورا ثورة ) و اتخذت بموجبها ميناء و جسر عبور لإمداد الجماعات الخارجة على القانون في سورية لإمدادهم بالسلاح و الذخيرة و شتى أصناف العتاد و التجهيزات العسكرية التي تلزم العصابات الإرهابية في عملها لتقويض الأمن و الاستقرار و إسقاط الدولة من موقعها الاستراتيجي الذي هي فيه في قلب محور المقاومة و جعلها خندقا يفصل بين مكونات ذاك المحور و خنجرا في قلبه يمنعه من أداء أي دور في مناهضة المشروع الصهيو أميركي .

لأداء هذا الدور قام تيار المستقبل مع أخرين برعاية حركة التسليح في طرابلس مستعملا الأموال العامة و المؤسسات الأمنية الرسمية التي يسيطر عليها سيطرة تامة جعلت منها مؤسسات حزبية اكثر منها مؤسسات وطنية ، و بعد أن اكتمل نصاب الجماعات المسلحة بالرعاية تلك اقتدحت حرب ضد العلويين في المدينة من اجل إضفاء الطابع الطائفي على المواجهة و تحقيق أهداف عدة أولها التغطية على عمليات تفريغ بواخر الأسلحة و الذخيرة المرسلة إلى سورية و لتحميل الحكومة السورية و حزب الله مسؤولية المعارك من اجل تبرير طلب نزع سلاح المقاومة كما تريد إسرائيل (باعتباره كما يدعون سلاح غير شرعي)، إضافة لسعي سعد الحريري للانتقام من الحكومة التي اخرج منها ما أقصاه عن السلطة . لذلك كانت الجولات الحربية أل 20 على مدى سنوات ثلاث بين جبل محسن حيث الطائفة العلوية وباب التبانة حيث الطائفة السنية.

وعندما عاد تيار المستقبل إلى السلطة وتولى مسؤولية الوزارات الأمنية، ظن البعض أن مسألة طرابلس قد انتهت خاصة وأن العودة ترافقت مع سيطرة الحكومة السورية على كامل المناطق اللصيقة بلبنان من العريضة إلى القلمون ما أفقد طرابلس دورها كمرفأ للإرهابيين وقاعدة لوجستية لهم. وساعد في التفاؤل قبول فريق تيار المستقبل في الحكومة بتنفيذ خطة أمنية لفرض الاستقرار في لبنان عامة وفي طرابلس خاصة وهي المكتوية بنار “قادة المحاور” الذين كان يراهم المدير العام السابق للأمن الداخلي الذي اضحى وزيرا للعدل ممثلا لتيار المستقبل في الحكومة، كان يراهم “حماة طرابلس والمدافعين عن شرفها وكرامتها “ويصفهم بقوله “أبناءنا”. ومع الخطة الأمنية تلك تغيرت معطيات وخلفيات وأودع جزء من مشعلي محاور طرابلس في السجن وظن الجميع أن المدينة ارتاحت خاصة وأن المسؤولين الرئيسيين عن جبل محسن تركوا المسرح إلى خارج لبنا وعطلوا موضوعيا الورقة الطائفية في النزاع بدخول الجيش إلى كامل الحي.

لكن التفاؤل لم يكن في محله، والسبب هو أن الجماعات الإرهابية ومن يغطيها سياسيا حددت لطرابلس وظيفة جديدة بعد المتغيرات التي طالت الميدان السوري ومنه إلى العراق والقرار الإرهابي بالدخول إلى لبنان عامة وإلى الشمال بشكل خاص لامتلاك مرفأ وجسر يربط القلمون السورية بالبحر، ومن اجل ذلك بدأ الإرهابيون بإعادة تكوين جماعاتهم في طرابلس والشمال وتكوين الخلايا التي يسند اليها مهام استقبال الإرهابيين القادمين من الشرق عبر عرسال وعكار.

و مرة جديدة وجدت طرابلس نفسها في أتون صراع إقليمي ، محلي ، و حزبي ، صراع بين السعودية و قطر و صراع بين سياسيي طرابلس المتنافرين ، و صراع داخل تيار المستقبل الذي يرى فرصته في الاستثمار في الإرهاب بما يمكنه من إعادة إثاره موضوع سلاح حزب الله لمساواته بسلاح الإرهابيين و الإصرار على نزعه بالموازاة مع سلاح الإرهاب الذي عولوا عليه أيضا من اجل مسك الأرض عبر احتضان بعض مسؤولي الجماعات المسلحة ، و هنا كان تنافس داخل تيار المستقبل ذاته خاصة بين وزيريه ايهما يمالئ الشارع و الجماعات الإرهابية اكثر و تبارى الوزيران في المواقف الطاعنة بالخطة الأمنية و المحرضة على الجيش و القضاء العسكري تماما كما يشتهي الإرهابيون .

لقد بلغ سلوك مسؤولي تيار المستقبل في هذه المرحلة حدا بالغ السوء بحق الجيش و الأمن الوطني بشكل عام ، لكن الجيش لم يتوقف عند التحريض عليه لابتزازه ، بل كان رده ذكيا و عمليا فاستثمر ما لديه من معطيات ومعلومات جمعها عن الإرهابيين الذين هم بشكل أو بآخر بحماية مسؤولين من تيار المستقبل و يحضرون لفتنة كبرى ، و عالجهم بضربة أمنية استباقية أدت إلى تكذيب ادعاءات المستقبليين و إفشال مخطط إرهابي كبير كان سيؤدي لو قيض له النجاح إلى إحداث خرق واسع في البنية الأمنية اللبنانية في الشمال ، خرق كان يمكن أن يتوسع بعمل إرهابي حضر لمدينة طرابلس و محيطها من اجل وصول الإرهابيين إلى البحر و السيطرة على مرفأ طرابلس كما يشتهون .

لكن الجيش و مستثمرا ما وقف عليه من معلومات حصل عليها أثناء التحقيق مع الإرهابيين و مستفيدا من ردة الفعل الهستيرية للخلايا الإرهابية التي بايعت داعش و النصرة في سورية، قام بالضربة العسكرية الملائمة و المتوجبة لإنقاذ طرابلس و إجهاض الخطة، و قد نجح الجيش اللبناني في عملياته بنوعيها الأمنية و العسكرية نجاحا يؤكد مرة جديدة حرفية الجيش و علو كعبه في الميدان و شجاعة ضباطه وعنصره ، وهو رغم الثمن الباهظ الذي دفعه فانه حقق للبنان مكسبا يتعدى التوقع، و افشل إرهابيين في خطتهم إلى حد قد يقال فيه انه خسروا ميدانا كاملا، كما خسر تيار المستقبل ما كان يحلم به من عمليات ابتزاز خاصة بعد أن وضع أمام الخيارات الصعبة التي تجرعها.

لقد فاجأ الجيش بمبادراته تجار السياسة في طرابلس من شتى الفئات و العناوين و كانت المفاجأة الأكبر عندما وضعت قيادة الجيش السلطة السياسية أمام احد خيارين : إما اطلاق يد الجيش في العمل الميداني أو سحب الجيش من مدينة طرابلس ، هذا الموقف فرض على تيار المستقبل بشكل خاص و على غيره من سياسيي طرابلس الذين اعتادوا الاستثمار بالإرهاب و اتخاذ المواقف الشعبوية ، فرض عليهم خفض الصوت و بلع السنتهم – على الأقل مؤقتا – لان أحدا منهم لا يستطيع تحمل نتائج خروج الجيش من طرابلس و تسييبها للإرهاب ، لكن هؤلاء السياسيين لم يتخلوا عن مناوراتهم الخداعية و المتاجرة بدماء الطرابلسيين و أموالهم ، فسارعوا إلى إنقاذ أدواتهم الإرهابية بطريقة تقترب من خدعة عرسال دون أن تتطابق معها ، فطرحوا “تنفيذ الخطة الأمنية سلميا” ( الأمن بالتراضي ) و”الدخول الهادئ إلى باب التبانة “، وفتح الممرات الأمنية للمدنيين حسب قولهم و للإرهابيين وفقا للحقيقة .. ورغم أن قيادة الجيش لم تدخل طرفا في التفاوض حول خطة إنقاذ الإرهابيين، فان النتيجة التي انتهت اليها الأمور كانت مركبة من عنصرين الأول لمصلحة الإرهابيين وأدى إلى اختفاء من لم بتم توقيفه أو يصاب في المعارك، والثاني لمصلحة الأمن ومعنويات الجيش وتمثل بمواصلة الجيش الدخول إلى كل أحياء طرابلس الساخنة بما فيها باب التبانة والاستمرار بعمليات التعقب والمداهمة.

إننا نعتبر ما حصل في طرابلس إنجاز امني و عسكري هام حققه الجيش بدم أبطال من ضباطه و جنوده ، لكن هذا الإنجاز و بالشكل الذي انتهت اليه الأمور عرضة للهدر أن لم يتحقق ما يحصنه ، إذ أن قادة الإرهابيين الذين افلتوا من يد الجيش و تخفوا في طرابلس و محيطها و برعاية سياسييه واضحة ، قد يعودون إلى الميدان بعد إعادة تنظيم خلاياهم و سيجدوا سياسي طرابلس حاضرين للتنافس على حمايتهم كما هو دأبهم خاصة و انهم مكلفون بذلك من اجل إبقاء الربط بينهم و بين سلاح حزب الله ، لذلك نرى تثبيت الإنجاز العسكري حتى لا تضيع دماء الشهداء هدرا و يكون ذلك عبر :

–         استمرار الجيش في عملياته الأمنية والعسكرية في طرابلس وكامل الشمال والسير بها وفقا لمقتضيات الأمن وليس على إيقاع مصالح سياسيي المدينة. وذلك لمنع الإرهابيين من العودة أو من تشكيل بناهم مرة أخرى.

–         تعاون الأهالي مع الجيش بالإرشاد إلى الإرهابيين، من جهة وعدم تشكيل أي بيئة حاضنة لهم لتمكين الجيش من استكمال مهامه كما يجب.

–         ملاحقة المحرضين على الجيش لكف ضررهم وشرهم عنه وصيانة معنويات العسكريين ودماءهم.

–         الإسراع في توفير احتياجات الجيش من الأسلحة والذخيرة مع تسريع برامج التطويع فيه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى