مؤتمر برلين: معركة لتوطين النازحين وفيق قانصوه
مرة جديدة، تحاول الدول الغربية فرض خطوات على لبنان لا نتيجة لها سوى توطين النازحين السوريين، او تحويل إقامتهم إلى إقامة مفتوحة بلا أفق زمني. في العاصمة الألمانية، سعى «المانحون» إلى «دس» شروطهم في أي بند من بنود دعم لبنان.
في اجتماع «مجموعة الدعم الدولية للبنان» و«مؤتمر النازحين السوريين» اللذين استضافتهما برلين أمس، كان لبنان وحيداً، ما خلا دعماً مصرياً، في مهبّ أزمة النازحين. حملة الضغط التي قادتها أنقرة، وتكتّلت فيها كل الدول المشاركة بما فيها الشقيقة، وصلت حدّ مطالبة السلطات اللبنانية بإصدار أوراق ثبوتية للنازحين، حتى أن بعض المشاركين طالب بإعطائهم جوازات سفر! وبلغت الضغوط والمداخلات، الداخلية والخارجية، الى الحد الذي نُقل فيه عن وزير الخارجية جبران باسيل قوله أمام بعض رؤساء الوفود «إنني لن أعود الى لبنان باتفاق قاهرة جديد»، و«إننا لا نريد منكم رفع العبء عنّا، ولكن لا تضعوا أعباء جديدة علينا».
وكانت الحكومة اللبنانية استبقت «ألغام» المؤتمر بالتأكيد على لسان رئيسها تمام سلام بـ «أننا لم ولن نوقع على اتفاقية جنيف» التي تحوّل لبنان إلى بلد لجوء وتدمج اللاجئين في المجتمعات المضيفة، وبأن «هذه الفقرة أزيلت من مشروع ورقة العمل» بعد ملاحظات وضعها الديبلوماسيون اللبنانيون على مسوّدة البيان الختامي في نقاش مع نائب مدير دائرة لبنان وسوريا في وزارة الخارجية الألمانية كليمنس هاخ قبل أيام. ولكن رغم ذلك، فوجئ الوفد اللبناني بضغوط شرسة، عربية وإقليمية ودولية، لحمله على القبول بما كان مطروحاً في المسودة الأولى. كما فوجئت الدبلوماسية اللبنانية بنصوص فاقعة منها إعادة الكلام عن دمج النازحين السوريين في أماكن نزوحهم والسماح باندماجهم ضمن المجتمع اللبناني، وبمحاولات لفرض مواقف سياسية على لبنان مغايرة لسياسة «النأي بالنفس» التي يتبعها، وبإدراج نص صريح يربط بين المساعدات الدولية للنازحين وبين انتخاب رئيس للجمهورية، وربط عودة النازحين السوريين الى بلادهم بالحل السياسي للأزمة السورية. كما حُذفت المقاطع التي طالب لبنان بإدراجها في البيان الختامي، ومنها أخذ المؤتمر العلم بقرار الحكومة وقف استقبال النازحين السوريين وتقليص أعدادهم عبر إعطاء صفة نازح لأولئك الذين تنطبق عليهم هذه الصفة،
والاشارة الى مخاطر النزوح السوري على لبنان، وتأكيد أن عودة النازحين لا يجب أن تكون مرتبطة بالحل السياسي النهائي في سوريا، وأن الحل الأمثل لمشكلة النازحين تكون في عودتهم الى بلادهم وليس في اندماجهم في مجتمعات اللجوء.
مصادر في الوفد اللبناني أكّدت أن الضغوط تواصلت حتى اللحظات الأخيرة لحمل لبنان على السير في المقررات كما هي، «وقد خضنا معركة شرسة، وأكّدنا على خطورة حصر مسألة النازحين بالبعد الانساني الذي نقرّ به، إذ أن له أيضاً أبعاداً سياسية وأمنية تشكل خطراً على البلد كما حصل في عرسال وطرابلس». وشدّدت على أن لبنان لم يوقّع على اتفاقية جنيف «ولا شيء يلزمنا بما يتعارض مع مصلحتنا الوطنية»، ولفتت الى أن المطالبة بدمج النازحين في أماكن النزوح «مخالف لدستورنا ولا يعني سوى التوطين، خصوصاً أنه يصحّ أيضاً، من باب أولى، على اللاجئين الفلسطينيين». كما رفض لبنان ربط عودة النازحين بالحلّ السياسي «لأن هناك إمكانية لعودة بعضهم قبل هذا الحل».
ويسجّل للدبلوماسية اللبنانية نجاحها في تفكيك معظم هذه الألغام بعدما أصرّ الوفد اللبناني على رفض الصيغة المطروحة وخاض معركة دبلوماسية لم ينقذه فيها إلا «سلاح الرفض». إلا أن هذه المعركة عزّزت المخاوف من التعاطي الدولي مع مسألة النازحين السوريين، والتي يبدو أنها تنحصر أساساً في إعادة توطينهم في أماكن نزوحهم، من دون الالتفات الى التبعات الخطرة لمثل هذه السياسة. وهذا ما دفع بمصادر في الوفد اللبناني الى القول «ان المطلوب من المجتمع الدولي ليس مساعدات لن تأتي، وإنما تفهّم مخاطر النزوح على بلد كلبنان».
وكان باسيل شدّد في المؤتمر الصحافي لاعلان المقررات، الى جانب وزير الخارجية الألماني فرانك شتاينماير ووزير الخارجية الأردني ناصر جودة والمفوض الأعلى للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس، على أن «أي حل حقيقي للأزمة السورية يجب أن يؤدي الى عودة جميع النازحين السوريين الى ديارهم»، و«أن الحل السياسي للأزمة السورية يساهم في حل أزمة النزوح، لكنه ليس شرطا لعودة النازحين». وأكّد «ان الإعلان المعتمد لا يلزم لبنان الانضمام الى أي معاهدة أو اتفاق دولي، وهو ليس طرفا في اتفاقية جنيف للاجئين (1951) التي يطبّق بعض بنودها بطريقة طوعية».
(الأخبار)