الجيش حقّق إنجازات كبرى في الشمال وَضْعُ الإرهاب بعدها لن يكون كما قبلها ابراهيم بيرم
هل نجح الجيش في عمليته النوعية الاخيرة في الشمال في ازالة تداعيات سقطة 2 آب في عرسال، ام ان الانجاز الميداني الذي تحقق ظل منقوصا استنادا الى اعتبارات ومعايير معينة؟
هذا السؤال تداولته بإلحاح في الساعات الماضية اوساط سياسية واعلامية انطلاقا من حسابات عدة، اولها ان قادة المسلحين ورموزهم، ولا سيما شادي المولوي واسامة منصور وخالد حبلص، قد نجحوا في التواري والفرار مما اعاد الى اذهان البعض تجربتي شاكر العبسي في مخيم نهر البارد والشيخ احمد الاسير في شرق صيدا. فضلا عن ذلك فان تضحيات الجيش منذ مواجهات عرسال الاولى حتى الامس القريب كانت كبيرة جدا اذ سقط بحسب احصاءات اولية اكثر من 60 شهيدا بينهم 7 ضباط ونحو 150 جريحا، في حين ان الخسائر التي مني بها المسلحون كانت وفق المعلومات والتقارير متواضعة وظل اكثر من 150 مقاتلا طلقاء يشكّلون قنابل موقوتة.
هذه الوقائع أكلت ولا ريب من رصيد الانجاز العسكري الذي بدأ منذ عملية عاصون في الضنية وأثارت علامات استفهام وتساؤلات لا سيما بعدما راجت قناعة فحواها ان ما حصل ليس كسرا لشوكة المسلحين انما هو معركة في حرب مواجهة ليست بالقصيرة، فتحها الارهاب الساعي بدأب الى التمدد والتجذر انفاذا لامر عمليات ظاهر، وهو بالتالي لن تردعه خسارات موضعية وضربات غير ساحقة، خصوصا أن هناك من يتحدث ولو همسا عن تسوية سياسية على غرار تسويات سابقة كانت سيدة الموقف في طرابلس في الساعات الاخيرة من المعركة.
والى هذه الخلاصة الجانحة في طياتها نحو التشاؤم، ثمة خلاصة اخرى مضادة جوهرها ان ما حققه الجيش انجاز لا يستهان به بكل المعايير والمقاييس.
ولعل البلاغة الميدانية الاولى لهذا الانجاز تتجسد في ان وحدات الجيش التي شاركت في المعركة التي استمرت ثلاثة ايام احبطت الهدفين الاساسيين لهذه المجموعات الارهابية وهما:
– القيام بعمليات ارهابية نوعية وفق ما اظهرته اعترافات الارهابي المخضرم احمد سليم ميقاتي تفتح الباب امام امساك الارهاب ببقع جغرافية شمالية معينة يسهل التحكم بها والدفاع عنها طويلا باعتبارها نقاط ضعف للجيش والقوى الامنية ويسهل تحويلها لاحقا الى قاعدة انطلاق تجعل الارهاب المرتبط مباشرة بتنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” في القلمون السورية وفي جرود عرسال اللبنانية رقما صعبا في المعادلة الداخلية اللبنانية، اي تكريس ما سماه البعض “امارة اسلامية” تشكل مادة جذب لمجموعات اصولية ما برحت في حال تذبذب وحيرة، وعامل احراج لقوى وتيارات سنية اخرى، وعامل انهاك وتشتيت للجيش. الامر ليس طارئا او مستجدا في منهجية عمل القوى الارهابية، فهو نسج على منوال سابق بدأ عمليا في اواخر عام 1999 في احداث الضنية ثم تكرر بشكل اكثر دقة في مخيم نهر البارد بعد نحو 6 سنوات وصولا الى شرق صيدا وعرسال، وهو النهج الذي اتبعه الارهاب في مناطق عراقية وسورية.
– محاولة احتلال احياء داخلية معينة في طرابلس، وهو الخيار الثاني الذي لجأت اليه هذه المجموعات الارهابية بعد الضربة النوعية التي تلقتها على يد الجيش اللبناني في عاصون في منطقة الضنية. ولم يكن مستغربا اختيار الارهاب احياء طرابلسية داخلية لتكون البؤرة الملاذ البديل، فهي تقيم على اعتقاد فحواه ان ثمة بيئات حاضنة، فضلا عن الجيش لن يجرؤ على المضي قدما في خيار الدخول اليها لان اقتحامها هو بمثابة عملية استنزاف عسكري وسياسي له. وهكذا، ومن خلال كثافة النيران التي استخدمتها وحدات الجيش المهاجمة ومن خلال رفضه الدخول في مفاوضات معهم، على رغم خطف المعاون من باب التبانة، اقتنع المسلحون بأن الجيش ليس في وارد التراجع، وان الذين كانوا يوفرون لهم بالعادة الغطاء السياسي باتوا قاصرين عن لعب هذا الدور، لان الجيش كان حريصا منذ البداية على عدم الوقوع في فخ عرسال وتكرار التجربة المرة. فكان ان دخلت وحدات الجيش الى عمق باب التبانة وكل الاحياء الداخلية التي كانت خطوط تماس وهو امر نادر الحصول منذ سنوات. وعليه اذا كان هدف الجيش الاساسي انهاء الملاذات الحصينة للمجموعات الارهابية، فهو نجح في بلوغها. اما اذا كان الهدف هو القضاء على هذه المجموعات واستئصال خطرها توطئة لمنعها من الظهور مجددا كلما سنحت لها الظروف، فلهذا الامر في رأي المصادر القريبة حسابات اخرى، اذ يمكن القول ان المطلوب اولا اشعار هؤلاء بأن الارض صارت تميد تحتهم وان كل محاولاتهم للتحصن في ملاذ ما، مقدمة للابتزاز والمساومة وتحقيق الصفقات، صارت في خبر كان.
اما مسألة ملاحقتهم فالجميع يعلمون ان ما من معتد على الجيش الا ونال لاحقا نصيبه من العقاب، فهو اما قتل او صار وراء القضبان او ظل طريد العدالة، لذا كانت فكرة توجيه انذار الى المسلحين بالاستسلام. وقيادة الجيش على يقين من انهم سيفعلون ذلك عاجلا ام آجلا.
إذاً الهدف الاساسي الذي كانت بداية ترجمته عمليا في عملية عاصون وهو فكفكة هذه المجموعات وجعلها في حالة عدم توازن وحالة دفاع عن النفس وعدم قدرة على اي فعل مؤثر، قد تحقق.
وثمة نتيجة اخرى لما حصل ستتبدى لاحقا وهي ان ضرب الارهاب في الشمال سيعكس نفسه على عمل كل الخلايا والمجموعات الارهابية الموجودة بشكل او بآخر في بقية المناطق لاعتبارات عدة، ابرزها ان الارهاب في الشمال كان دوما هو الرأس والمثال لسواه. اضافة الى ذلك فان ضرب ملاذاته في هذه المنطقة هو بمثابة رسالة الى من يعنيهم الامر بأن وضعهم صار اكثر صعوبة وقدرتهم على الحركة والفعل، اذا كانوا خلايا نائمة، صارت شبه معدومة او بالغة الصعوبة، والدليل على ذلك اكتشاف خلية صيدا.
وفي كل الاحوال انها الضربة الاكبر التي يتعرض لها الارهاب المختبئ هنا وهناك، وان الجيش برهن انه صار جزءا اساسيا في الحرب على الارهاب اينما حل.
(النهار)