النص الكامل لمقابلة الرئيس الأسد مع صحيفة ازفستيا الروسية
السؤال الأول..
أهم سؤال اليوم ما هو الوضع في سورية وما هي المناطق التي ما زالت تحت سيطرة المتمردين…
الرئيس.. القضية بالنسبة لنا ليست مناطق تحت سيطرة الإرهابيين ومناطق تحت سيطرة الجيش فما نواجهه ليس عدواً يحتل أرضنا لنفكر بهذه الطريقة.
ما نواجهه الآن إرهابيون يدخلون مناطق أو قرى أو أطراف مدن يعيثون فيها فساداً وتخريباً.. يقتلون المدنيين الأبرياء الرافضين لهم ولما يفعلون ويدمرون البنية التحتية… يتحرك الجيش والقوى الأمنية والشرطة لإخراجهم منها والقضاء عليهم.. فينتقل ما تبقى منهم إلى مناطق أخرى وهكذا.. وبالتالي فإن جوهر ما نقوم به هو القضاء على الإرهابيين.. المشكلة التي تواجهنا وهي التي سببت استمرار هذه الأحداث، هي مجيء أعداد كبيرة من الإرهابيين من خارج سورية.. عشرات الآلاف وأكثر.. وإمدادهم بالمال والسلاح مستمر، وضربنا لهم أيضاً مستمر، وأنا أؤكد لك أنه لا يوجد مكان ذهب إليه الجيش إلا وتمكن من دخوله والقضاء على الإرهاب فيه.
من نواجههم الآن هم بنسبتهم الكبرى تكفيريون يحملون فكر القاعدة وقلة معهم من الخارجين عن القانون.. لذلك لا يمكن أن نتحدث عن مناطق تحت سيطرتهم أو تحت سيطرتنا.. في أي مكان يضرب الإرهاب سنقوم بضربه.
السؤال الثاني..
لكن الإعلام الغربي يصور اليوم هؤلاء الإرهابيين المقاتلين بأنهم يسيطرون على 40 بالمئة أو 70 بالمئة من الأراضي السورية… ما حقيقة سيطرة الدولة السورية على أراضيها…
الرئيس..لا يوجد جيش في العالم وفي أي دولة يتواجد بكامل عدته وعتاده على كامل أراضي الدولة.. والإرهابيون يستغلون هذا الأمر فيحاولون الدخول إلى كل مكان لا يتواجد فيه الجيش، هم يتحركون في اتجاهات مختلفة ونحن نطاردهم من مكان إلى آخر، وكل منطقة كنا ندخل إليها كنا ننظفها تماماً منهم. لذلك أعود وأكرر القضية ليست في المساحات التي يوجد فيها الإرهابيون فهي متبدلة في كل ساعة وكل يوم، القضية بالأعداد الكبيرة التي تأتي من الخارج.
التقييم الحقيقي هو هل استطاع الجيش العربي السوري أن يتقدم ويدخل أي منطقة يدخلها الإرهابيون وأن يقضي عليهم… أنا أقول لك نعم وبكل تأكيد وما زال يقوم بذلك.. هذا يستغرق وقتاً أطول لأن هذا النوع من الحروب لا ينتهي فجأة، بل يأخذ وقتاً طويلاً نسبياً وهذا بحد ذاته يجعلنا ندفع ثمناً كبيراً، فحتى عندما نتمكن من القضاء على كل الإرهابيين في سورية سنكون قد دفعنا ثمناً كبيراً جداً.
السؤال الثالث..
أنتم تحدثتم عن مقاتلين إسلاميين متشددين تكفيريين يدخلون إلى سورية.. هل هم مجموعات متفرقة تقاتل هنا وهناك، أم هم جزء من قوة عظمى تحاول أن تنهي الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط بما فيه سورية…
الرئيس..الاثنان معاً بمعنى أن ما يجمعهم هو الفكر ومصادر التمويل.. ففكرهم تكفيري متشدد يتبعون بآرائهم شخصيات محددة كالظواهري مثلاً، ومصادر تمويلهم أيضاً متشابهة ومتطابقة في بعض الأحيان.
ما يفرقهم هو عملهم على الأرض.. فهم مجموعات متفرقة ومشتتة كل مجموعة لها قيادة مستقلة وأوامر مستقلة.. لكن أنت تعلم جيداً أن من يدفع هو من يمسك في النهاية دفة القيادة لهم، بمعنى أنه من السهل توجيههم من الدول الداعمة لهم فكرياً ومالياً كالسعودية مثلاً.
لكن في النهاية حتى وإن كانوا مشتتين متفرقين على الأرض فإن الدول الداعمة لهم فكرياً تستطيع توجيههم عبر رسائل التطرف بشكل مباشر أو غير مباشر، كأن يقولوا لهم مثلاً إن واجب المسلمين التوجه للجهاد في سورية فيتوجه الآلاف للقتال هنا.
ومن يدفع الأموال أيضاً يمكن أن يوجههم كما يشاء، يدفع ويسلح ليقوموا بما يجب عليهم القيام به من أعمال تخريب وإرهاب.
فما بالك لو اجتمعت الحالتان في بعض الأحيان وأعطيك السعودية مثالاً .. فهي توجههم بفكرها الوهابي وتدعمهم بالمال.
من يقول عن التعاون بين إسرائيل والإرهابيين هي إسرائيل نفسها وليس نحن
السؤال الرابع..
تتكلم الحكومة السورية عن علاقة وثيقة بين إسرائيل والإرهابيين.. نريد أن نفهم هذه العلاقة، نعتقد أنه بمجرد ذكر اسم إسرائيل أمام المتشددين الإسلاميين يصيبهم هذا بالهستيريا والكره الشديد…
الرئيس..
إذاً لماذا عندما نضربهم عند الحدود تقوم إسرائيل بالاشتباك مع قواتنا لفك الضغط عنهم…لماذا عندما نحاصرهم تفتح لهم اسرائيل الحواجز كي يمروا ويقوموا بعملية مناورة والتفاف للهجوم من اتجاه آخر…لماذا قامت بالتدخل المباشر عبر الاعتداء على الجيش العربي السوري أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية.
لا طبعاً هذا الكلام غير دقيق.. إن من يقول عن التعاون بين إسرائيل والإرهابيين هي إسرائيل نفسها وليس نحن. حيث أعلنت إسرائيل أكثر من مرة أنها تعالج العشرات من الإرهابيين في مشافيها.
وإن كانت هذه المجموعات تكره إسرائيل ومجرد ذكر اسمها يصيبها بالهستيريا والكره الشديد.. لماذا وعبر تاريخها حاربت هذه المجموعات الإرهابية ذات الفكر المتطرف الاتحاد السوفييتي، وهي تحارب مصر وسورية، بينما وعبر ثلاثة عقود لم تقم على الإطلاق بعملية واحدة ضد إسرائيل، ثم أصلاً من أوجد هذه المجموعات الإرهابية… هؤلاء الإرهابيون تم تجنيدهم ودعمهم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً بتمويل سعودي في بداية الثمانينيات من أجل محاربة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان.
كيف يمكن إذاً لهذه المجموعات التي شكلها الغرب وأميركا أن تضرب إسرائيل.
إذا كان هناك من يحلم بأن سورية ستكون دمية غربية فهذا حلم لن يتحقق
السؤال الخامس..
لقاؤنا معكم سينقل إلى لغات عالمية عديدة، وسيقرؤه قادة عالميون كثر قد يكون بعضهم ممن يعمل الآن ضدكم، ما الكلمة التي توجهونها لهم…
الرئيس.. نحن اليوم نواجه كثيراً من السياسيين ربما.. لكنهم ليسوا رجال دولة.. بعضهم لا يقرأ التاريخ ولا يتعلم منه وبعضهم ليس لديه حتى ذاكرة قصيرة للماضي.. هل تعلم هؤلاء السياسيون دروساً من الـ 50 عاماً الماضية على الأقل، هل قرؤوا فيما فعله السياسيون الذين كانوا قبلهم أن جميع حروبهم فشلت منذ حرب فيتنام حتى اليوم… هل تعلموا أن حروبهم تلك لم تمكنهم من تحقيق أي شيء سوى أنهم دمروا الدول التي حاربوها، وخلقوا حالة من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط ومناطق أخرى في العالم.
هل فهموا أن كل تلك الحروب لم تمكنهم من جعل شعوب المنطقة تحبهم أو تقتنع بسياساتهم.
نقطة أخرى أوجهها لهؤلاء السياسيين.. وهي أن الإرهاب ليس ورقة رابحة تضعها في جيبك تخرجها متى وأينما تريد وتعيدها مرة أخرى.. الإرهاب كالعقرب، يلدغك في أي لحظة، وبالتالي لا يمكن لك أن تكون مع الإرهاب في سورية وضده في مالي مثلاً.. لا يمكن لك أن تدعم الإرهاب في الشيشان وتحاربه في أفغانستان.
ولكي أكون دقيقاً جداً، أنا هنا بالطبع أتحدث عن الغرب ولا أتحدث عن كل قادة العالم.. أتحدث عن بعض القادة الغربيين الذين “إن أرادوا أن تتحقق مصالحهم” فيجب عليهم الاستماع لشعوب المنطقة وشعوبهم، لا أن يبحثوا عن قادة “إمعات” ظناً منهم أن هؤلاء سيحققون لهم مصالحهم.. عندها..ربما.. تتحول السياسة الغربية إلى اتجاه أكثر واقعية.
وإن كنت مصراً على أن أعطيك رسالة سورية للعالم.. فأقول إنه إذا كان هناك من يحلم بأن سورية ستكون دمية غربية، فهذا حلم لن يتحقق.. نحن دولة مستقلة، سنحارب الإرهاب، وسنبني علاقاتنا مع الدول التي نريدها بكل حرية وبما يحقق مصالح الشعب السوري.
الاتهامات حول الكيماوي هي اتهامات مسيسة بالمطلق وتأتي على خلفية التقدم الذي حققه الجيش في مواجهة الإرهابيين
السؤال السادس..
يوم الأربعاء اصطدمت الحكومة السورية باتهامات من قبل المتمردين باستخدام الأسلحة الكيماوية. قام قادة دول غربية عدة بتلقف هذه الاتهامات. ماردكم على ذلك، وهل ستسمحون للجنة التحقيق الدولية بالتحقيق بالحادثة…
الرئيس.. حقيقة.. إن ما قامت به أمريكا والغرب وبعض الدول الأخرى منذ يومين، كان استخفافاً بالعقول وقلة احترام للرأي العام لديها.
ليس هناك جهة في العالم، فما بالك بدولة عظمى تطلق اتهاماً ثم تقوم بجمع الأدلة عليه. الذي حصل أنهم أطلقوا التهمة يوم الأربعاء وبعدها بيومين أعلنت الإدارة الأمريكية أنها ستقوم بجمع الأدلة. ثم أي أدلة ستقوم الإدارة الأمريكية بجمعها عن بعد.
أما بالنسبة للمنطقة التي يتحدثون عنها الآن بأنها تحت سيطرة المسلحين وبأن الجيش العربي السوري استعمل فيها سلاحاً كيماوياً، فهي منطقة تماس وتداخل مع الجيش السوري، فكيف يمكن لأي دولة أن تضرب مكاناً بسلاح كيماوي أو بأي سلاح دمار شامل في منطقة تقع على تماس مع قواتها، هذا يخالف العقل والمنطق، لذلك فإن هذه الاتهامات هي اتهامات مسيسة بالمطلق وتأتي على خلفية التقدم الذي حققه الجيش في مواجهة الإرهابيين.
أما بالنسبة للجنة التحقيق الدولية فنحن أول من طالب بلجنة تحقيق عندما قام الإرهابيون بإطلاق صاروخ فيه غازات سامة على ريف حلب شمال سورية.. وخاصة أن التصريحات الأمريكية والغربية قبل تلك الحادثة وعلى مدى أشهر، كانت تتحدث عن احتمال استخدام أسلحة كيميائية من قبل الدولة.. وهذا ما جعلنا نشك بأن لديهم معلومات حول نية الإرهابيين استخدام هذا السلاح لاتهام الدولة السورية وبعد التنسيق مع روسيا حول ما حصل، قررنا أن نطلب لجنة للتحقيق بالموضوع ، ولكن أمريكا وفرنسا وبريطانيا بشكل أساسي أرادوا استخدام القضية ضد سورية عبر التحقيق بادعاءات وليس بحقائق كما يفعلون الآن.. بينما ما طالبنا به هو التحقيق بحقائق على الأرض وليس شائعات أو ادعاءات.
خلال الأسابيع الماضية حصل هناك حوار بيننا وبين اللجنة، ووضعنا قواعد للتعاون.. خطها الأحمر السيادة الوطنية حيث سيتم كل شيء بالتنسيق معنا.. هذا أولاً.
ثانيا.. الأمر لا يتعلق فقط بالتحقيق بل بنتائجه التي ستعرض على الأمم المتحدة، وهنا أنت تعلم أنه يمكن تفسير النتائج حسب مزاج الدول الكبرى، لذلك ما ننتظره الآن بعد انتهاء التحقيق هو وجود موضوعية في تفسير هذه النتائج، وبالطبع نتوقع من روسيا أن تمنع أي تفسير يهدف لخدمة السياسات الأمريكية والغربية. المهم دائماً هو التفريق بين الاتهامات الغربية المبنية أساساً على ادعاءات وإشاعات وأقاويل وبين ما طالبنا نحن به من تحقيق مبني على أدلة ملموسة بينة.
السؤال السابع..
بالأخذ بعين الاعتبار تصريحات ظهرت في الأيام الماضية للإدارة الأمريكية ودول غربية أخرى، بأن الأمريكيين لا يستبعدون خيار القيام بعملية عسكرية في سورية هل ترجحون أن تتصرف الولايات المتحدة بنفس الطريقة التي تصرفت فيها بالعراق، أي محاولة إيجاد ذرائع للتدخل في سورية عسكرياً…
الرئيس.. هذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها الخيار العسكري ضد سورية فمنذ البدايات سعت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها فرنسا وبريطانيا إلى التدخل العسكري، لسوء حظهم سارت الأمور باتجاه آخر، وجاء التوازن في مجلس الأمن في عكس مصلحتهم، وحاولوا كثيراً مساومة روسيا والصين على موقفهما ولم يتمكنوا من ذلك.
نقطة لم تكن في مصلحتهم على الإطلاق هي الحصاد المر والنتائج السلبية لما جرى في ليبيا ومصر.. كل ذلك جعلهم غير قادرين على إقناع شعوبهم والعالم أن ما قاموا به هناك كان سياسة حكيمة وناجعة.
ما ظهر أيضاً هو أن الوضع في ليبيا يختلف عن مصر ويختلف عن تونس، وسورية تختلف عن كل تلك الدول.. فلكل دولة خصوصية تتميز عن الأخرى، ولم يعد من المقنع تطبيق السيناريو نفسه في كل الدول.
فهم يمكنهم بدء أي حرب لكن لا يمكن لهم أن يعرفوا إلى أين ستمتد أو كيف لها أن تنتهي.. وبالتالي وصلوا لقناعة أن كل السيناريوهات التي وضعوها خرجت عن سيطرتهم في النهاية.
الصورة الواضحة للجميع الآن بأن ما يجري في سورية ليس ثورة شعبية ولا مطالبات بالإصلاح بل إرهاب يحاول ضرب الدولة السورية، فماذا سيقولون لشعوبهم، هل سيقولون بأننا نذهب إلى سورية لندعم الإرهاب ضد الدولة.
الدول العظمى قادرة على شن الحروب، لكن هل هي قادرة على الانتصار
مداخلة السابع..
بماذا ستصطدم أمريكا فيما لو فكرت بتدخل عسكري أو بشن حرب على سورية…
الرئيس.. ستصطدم بما اصطدمت به بكل حروبها من فيتنام حتى الآن… بالفشل.
أمريكا دخلت حروباً عدة لكنها لم تستطع ولا مرة من تحقيق الهدف السياسي الذي أرادته من وراء حروبها تلك ولم تستطع أيضاً لا أن تقنع شعوبها بجدوى هذه الحروب ولا أن تقنع شعوب المنطقة بسياساتها وأفكارها.
الدول العظمى قادرة على شن الحروب نعم، لكن هل هي قادرة على الانتصار.
السؤال الثامن..
هل لديكم علاقة مع الرئيس فلاديمير بوتين، هل تتحدثون معه بالهاتف، وإذا كنتم تتحدثون فما هي الأمور التي تناقشونها…
الرئيس..علاقتي بالرئيس بوتين قوية قبل الأزمة بسنوات طويلة.. وهناك اتصالات بيننا من وقت لآخر.. طبعاً على الهاتف لا يمكن أن تناقش قضية معقدة كالقضية السورية.. العلاقة الآن بيننا هي عبر المسؤولين الروس الذين يزوروننا أو المسؤولين السوريين الذين يذهبون إلى موسكو.. وطبعاً القسم الأكبر من هؤلاء المسؤولين يذهب ويأتي بعيداً عن الإعلام.
السؤال التاسع..
هل تخططون لزيارة روسيا في الوقت الحالي أو دعوة الرئيس بوتين لزيارتكم…
الرئيس..هذا ممكن طبعاً.. ولكن أعتقد أن الأولوية الآن هي للقيام بأعمال من شأنها تخفيف العنف في سورية، فكل يوم يسقط لدينا ضحايا.. ولكن عندما تتحسن الظروف نسبياً لا بد أن تكون هناك زيارة لأحد الجانبين.. أما الآن فزيارات المسؤولين تغطي هذه العلاقة بشكل جيد.
روسيا تدافع عن مبادئ تؤمن بها وعمرها الآن على الأقل مئة عام وفي مقدمتها استقلالية الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية
السؤال العاشر..
متابعة للموضوع الروسي.. أنتم تعلمون بأن روسيا اليوم تواجه السياسة الأمريكية وسياسة الاتحاد الأوروبي خصوصاً فيما يتعلق بالملف السوري.. ماذا سيحدث إذا ما قامت روسيا بتقديم تنازلات حالياً… هل ترجحون مثل هذا السيناريو…
الرئيس.. من المهم اليوم ألا يتم النظر للعلاقة الروسية الأمريكية من خلال الأزمة السورية فقط. يجب أن ننظر بشكل أعم وأكبر.
والموضوع السوري جزء منها.. فالولايات المتحدة ظنت أنه بسقوط الاتحاد السوفييتي قد قضي على روسيا للأبد.. ولكن بعد مجيء الرئيس بوتين في نهاية التسعينيات بدأت روسيا تستعيد عافيتها وموقعها تدريجياً، فبدأت الحرب الباردة بالاشتعال من جديد لكن بشكل هادئ وبطرق مختلفة.
لعبت الولايات المتحدة على أكثر من جبهة، دأبت على تطويق مصالح روسيا في العالم، وحاولت تحويل عقل المواطن الروسي كي يكون عقلاً غربياً بثقافته ومتطلباته، كان هدفها إنهاء الدور الروسي المهم والقوي، عبر اتجاهات عدة، منها الآن الموضوع السوري.
قد تسأل كما يسأل أي مواطن روسي لماذا تقف روسيا مع سورية…
من المهم شرح هذا الأمر للجميع، روسيا اليوم لا تدافع عن الرئيس بشار الأسد أو عن الدولة السورية فالشعب السوري قد يختار أي رئيس وأي شكل دولة يريدها وهذه ليست مشكلة، لكن روسيا تدافع الآن “أولاً” عن مبادئ تؤمن بها وعمرها الآن على الأقل مئة عام وفي مقدمتها استقلالية الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وخاصة أن روسيا عانت من هذا الموضوع وما زالت تعاني “التدخل في شؤونها الداخلية”.
السبب الثاني هو أن روسيا تدافع عن مصالحها في المنطقة “وهذا حقها” وهذه المصالح ليست كما يقول بعض المحللين السطحيين مرفأ في طرطوس مثلا، بل هناك ما هو أعمق وأهم بكثير من ذلك، فالإرهاب عندما يضرب في سورية سيؤثر على استقرار الشرق الأوسط وخاصة أن سورية دولة أساسية هنا، وهذا الاضطراب سيؤثر إذا ما حصل على روسيا بالطبع والقيادة الروسية تعي ذلك تماماً على عكس كثير من قيادات الدول الغربية.. هذا سياسياً.
أما ثقافياً واجتماعياً فلا يجب أن ننسى عشرات الآلاف من العائلات المشتركة بيننا وبينكم.. ما يخلق جسراً اجتماعياً ثقافياً وإنسانياً بين الدولتين.
لو كانت روسيا ستساوم “كما تسأل” لكان حصل ذلك منذ عام أو عامين عندما كانت الصورة غير واضحة تماماً حتى لبعض المسؤولين الروس.. أما اليوم فالصورة واضحة تماماً.. من لم يقم بالمساومة في حينها.. لن يقوم بها الآن.
كل العقود الموقعة مع روسيا هي الآن في طور التنفيذ
السؤال الحادي عشر..
هل هناك مفاوضات اليوم مع روسيا لإيصال شحنات من الوقود أو العتاد العسكري لسورية.. وبالأخص أود أن أسأل حول موضوع العقد المبرم بشأن المنظومة (أس 300).. هل وصلت إليكم…
الرئيس.. طبعاً لا يمكن لدولة أن تعلن عن الأسلحة أو العتاد الموجود لديها أو الذي تتعاقد عليه.. هذا يعتبر جزءاً من أسرار الدولة والقوات المسلحة.. لكن ما أريد قوله هو أن كل العقود الموقعة مع روسيا هي الآن في طور التنفيذ.. ولم تؤثر الأزمة أو الضغوط الأميركية والأوروبية أو الخليجية على تنفيذها.. وروسيا تقوم بإمداد سورية بما تحتاجه للدفاع عن نفسها وعن شعبها.
السؤال الثاني عشر..
ما هي المساعدة التي تحتاجها سورية الآن من روسيا… هل هي مساعدة اقتصادية أم في العتاد العسكري.. هل يمكن أن تطلب سورية من روسيا اليوم قرضاً مثلاً…
الرئيس.. عندما لا يكون هناك أمن لا يكون هناك اقتصاد. فضعف الوضع الأمني يؤدي بالضرورة إلى ضعف الوضع الاقتصادي وما تقدمه روسيا الآن لمساعدة السوريين في الدفاع عن أنفسهم ضمن اتفاقيات عسكرية سيؤدي بالنتيجة إلى تحسن في الوضع الاقتصادي.. هذا أولاً.
في الوضع السياسي.. موقف روسيا الداعم لحقنا في تقرير مصيرنا، وسيادة دولتنا ساعد أصلاً في الوضع الاقتصادي، فالدول التي تقف ضد الشعب السوري ترجمت مواقفها عبر كثير من التحركات أهمها كان الحصار الاقتصادي الذي نعاني منه الآن.. وما قامت به روسيا هو العكس تماماً.
إذاً وجواباً لسؤالك، فالمساعدة السياسية في المواقف، والعسكرية في تنفيذ العقود دون التأثر بالضغوط الأمريكية قد ساهمت بشكل ملموس في الوضع الاقتصادي رغم كل الحصار الذي انعكس سلباً على معيشة وقوت المواطن السوري.
أما اقتصادياً وبشكل مباشر، فهناك عقود مبرمة بيننا وبين عدة جهات روسية متعلقة بمواد وبضائع مختلفة، وأي قرض من دولة صديقة كروسيا هو فائدة متبادلة للطرفين.. بالنسبة للجانب الروسي فهذا يفتح سوقاً أكبر للشركات الروسية ويساعد في دعم هذه الشركات وانتشار بضاعتها إلى أسواق أخرى، وبالنسبة لسورية فهو فرصة لإعادة تأهيل البنية التحتية وتحسين وتنشيط الاقتصاد السوري.
أعود للتأكيد أن موقف روسيا السياسي ودعمها في هذا المجال هو الأساس الذي انعكس وينعكس على جوانب كثيرة في عودة الأمان وتوفير الحاجات الأساسية للمواطن السوري.
السؤال الثالث عشر..
هل نستطيع أن نحدد ماهية هذه العقود الآن… هل هي تخص المحروقات أم المواد الغذائية الأساسية…
الرئيس.. المواطن السوري محاصر بغذائه ودوائه ووقوده، وهي أمور أساسية جداً في حياته.. وبالتالي ما تقوم به الدولة السورية عبر عقودها مع روسيا وغيرها من الدول الصديقة هو تأمين هذه المواد للمواطن السوري.
السؤال الرابع عشر..
نعود إلى الموضوع السوري والمشكلة السورية، نحن نعرف أنكم تصدرون العفو بشكل متتابع. هل هناك من المتمردين من شمله العفو، هل هناك منهم من أصبح يقاتل إلى جانب القوات الحكومية بعد العفو…
الرئيس.. نعم هذا صحيح وكان هناك تحول كبير في هذه النقطة في الفترة الماضية خاصة بعد جلاء الحقيقة ووضوح الصورة أكثر بأن ما يجري في سورية هو إرهاب بحت. فبدأ الكثيرون بالعودة إلى الدولة وتم تطبيق القانون على حالاتهم، وكثيرون استفادوا من العفو وسلموا سلاحهم وعادوا لحياتهم الطبيعية.. لكن التحول الأهم هو تلك المجموعات التي أتت بسلاحها لتقاتل مع الجيش بعد أن كانت تقاتل ضده.. وهؤلاء هم نوعان.. الأول خدع بما كان يطرح في الإعلام والثاني حمل السلاح تحت تهديد الإرهابيين.
لذلك كنا دائماً كدولة نؤمن ومنذ بداية الأحداث أننا يجب أن نترك الباب مفتوحاً لكل من يريد العودة عن الطريق الذي سلكه ضد الوطن.. وكان هناك كثيرون ضد هذه السياسة في سورية لكنها أثبتت أنها سياسة مفيدة وخففت من توتر الأزمة.
بعض الدول التي كانت تقف بشدة ضد سورية بدأت بتغيير موقفها ودول أخرى بدأت فعلياً بفتح علاقات مع سورية
السؤال الخامس عشر..
من تستطيعون اليوم أن تسموهم حلفاءكم الحقيقيين ومن تستطيعون أن تسموه بأنه عدوكم… علاقات سورية مع دول عديدة تتساقط تباعاً مثل قطر، السعودية، تركيا، من هو المخطئ في هذا…
الرئيس.. الدول التي تقف معنا هي دول معروفة بالنسبة للجميع دولياً.. روسيا والصين، وإقليمياً إيران. لكن أستطيع القول إن هناك على الساحة الدولية تحولاً إيجابياً.. فبعض الدول التي كانت تقف بشدة ضد سورية بدأت بتغيير موقفها، ودول أخرى بدأت فعلياً بفتح علاقات مع سورية، لكن لا أستطيع أن أضع كل هذه الدول في إطار الدعم المباشر.
بالمقابل فإن هناك دولاً دعمت الإرهاب وحركته في سورية بشكل مباشر، فكانت قطر وتركيا في السنة الأولى والثانية، قطر تمول وتركيا تدرب وتؤمن الممرات للإرهابيين، الآن حلت السعودية محل قطر في موضوع التمويل.. ولأكون واضحاً وشفافاً معك.. فالسعودية دولة لا تمتلك إلا الأموال.. ومن لا يمتلك إلا المال لا يصنع حضارة ولا يدعمها بل على العكس.. إذاً فالسعودية تنفذ المخططات بقدر ما لديها من مال.
أما تركيا فوضعها مختلف.. المؤسف أن تقاد دولة كتركيا ببضعة دولارات، المؤسف أن دولة كبيرة بموقع استراتيجي ومجتمع منفتح، تقودها دولة خليجية بعقلها المنغلق. كل ذلك بالطبع يتحمل مسؤوليته رئيس الحكومة التركية وليس الشعب التركي الذي يتقاسم معنا كثيراً من الموروثات والعادات والقواسم المشتركة.
السؤال السادس عشر..
ما الذي يجعل العلاقة الروسية السورية قوية لهذه الدرجة… هل هي المصالح الجيوسياسية أم هو تشابه ما تعرض له الشعبان في حربهما مع الإرهاب…
الرئيس..أكثر من نقطة مشتركة تجعل العلاقة السورية الروسية قوية لهذه الدرجة.. أولها.. أن روسيا تعرضت للاحتلال في الحرب العالمية الثانية وسورية ذاقت مرارة الاحتلال أكثر من مرة.
ثانيها.. أن روسيا عانت من محاولات متكررة ومستمرة للتدخل في شؤونها الداخلية منذ عهد الإتحاد السوفييتي وكذلك سورية.
ثالثها مهم جداً وهو الإرهاب… فكما نفهم نحن في سورية ماذا يعني قتل المدنيين من قبل المتطرفين الشيشان، واحتجاز الأطفال في بيسلان واحتجاز الرهائن الأبرياء في مسرح موسكو، يفهم المواطن الروسي عندما نتحدث عن نفس هذا الإرهاب في سورية لأنه ذاق نفس مرارته. لذلك عندما يأتي مسؤول غربي ليقول إن هناك إرهابيا سيئا وإرهابيا معتدلا، فإن المواطن الروسي لا يمكن أن يصدق مثل هذا الكلام.
هناك نقطة أيضاً تتشارك فيها روسيا وسورية وهي العائلات المشتركة كما ذكرت سابقاً، فلولا التقارب الثقافي والاجتماعي والفكري لما كان هناك عائلات تربط بين البلدين.
أضيف إلى كل ذلك، المصالح الجيوسياسية التي تحدثت عنها قبل قليل، فالاضطراب في سورية والمنطقة يؤثر على روسيا بالطبع، فروسيا تعي تماماً ما لا تعيه أوروبا والغرب من خطر الإرهاب الذي لا حدود له.
من كل ما سبق فإن من الخطأ القول إن موقف دولة عظمى كروسيا يقوم على مبدأ أو اثنين، هناك تراكم تاريخي وثقافي وفكري لهذا الموقف.
ما نتوقعه من مؤتمر جنيف هو أن يبدأ بممارسة الضغط على الدول التي تدعم الإرهاب في سورية من خلال وقف تهريب السلاح ووقف إرسال الإرهابيين الأجانب إلينا
السؤال السابع عشر..
نريد أن نسأل حول ما سيحدث في مؤتمر جنيف2، ماذا تنتظرون من هذا المؤتمر…
الرئيس.. مهمة مؤتمر جنيف هي دعم المسار والحل السياسي في سورية، لكن لا يمكن البدء بالمسار السياسي قبل وقف دعم الإرهاب من الخارج، إذاً ما نتوقعه من جنيف هو أن يبدأ بممارسة الضغط على الدول التي تدعم الإرهاب في سورية من خلال وقف تهريب السلاح ووقف إرسال الإرهابيين الأجانب إلينا.
عندما تتم هذه الخطوة يصبح من السهل العمل على الخطوات السياسية وفي مقدمتها الحوار بين الأطراف السورية حول شكل الدولة في المستقبل والدستور والقوانين وغيرها.
نشكركم على الشعور الصادق والحديث الصريح في هذا اللقاء.