عبد الناصر والخميني والأخوة العربية – الإيرانية
غالب قنديل
كتب آية الله السيد علي الخامنئي مرشد الجمهورية الإسلامية ” كنت معتقلا في سجون الشاه، الذي كان يكنّ لعبد الناصر كراهية شديدة، ولاحظت،في اليوم الحزين لوفاته، حالة ابتهاج في السجن بين الضباط والحراس، وعندما سألت عن السبب علمت بوفاة الرئيس عبد الناصر. وأقسم بالله أنني بكيت عليه كما لم أبك على أبي وأمي، لقد كان الزعيم الوحيد الذى ساعد الإمام الخميني، وأمدّ الثورة بالمال والسلاح وقواعد التدريب“. وللأسف ثمة القليل من المعلومات المتداولة عن حقبة الستينيات حول تلك العلاقة الخاصة والوثيقة،التي قامت على الثقة والتعاون بين هذين الزعيمين الخالدين. وكانت مصر الناصرية يومها، حاضنة الخمينية وراعية بذرتها الأولى، كما ترعى إيران منذ انتصار الثورة قوى المقاومة والتحرّر العربية، التي تجد فيها حليفا وسندا صادقا ضد الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي. وكان بديهيا أن يدرك الزعيم العربي الراحل مبكرا القيمة التاريخية للثورة العظيمة، التي كان يتحضّر الإمام الخميني لقيادتها، وللأسف كان يومها الرئيس عبد الناصر قد رحل عن هذا العالم.
أولا: تحتاج الثقافة العربية المعاصرة لنبش الأرشيفات المنسية، وتقليب الوثائق القديمة عن هذه الصفحة المشرقة من تاريخ الأخوة العربية – الإيرانية، وهو ما لم يعطَ، حتى اليوم، القليل مما يستحق من الجهد التوثيقي والتاريخي لإعادة بناء مشهد تاريخي فاصل من مخاض الشرق المعاصر. وبكل تأكيد، من البديهي أن تسعى الرجعية العربية بكل إمكاناتها وجهدها لطمس هذه الصفحة الحية والمشرّفة من تاريخ نهوض حركة التحرّر في الشرق بجسر عربي – إيراني وثيق، ربط الزعيمين الخالدين، وكان أول دعائم الأخوة بين إيران الثورة وأحرار العرب. وكم يتساءل من يتقصّى الوقائع القليلة، المتوافرة عن مساندة الزعيم عبد الناصر للإمام الخميني، عن سبب التعتيم الثقافي والإعلامي القوي على هذا الموضوع المفصلي. والجواب محقّق في نزعة الكراهية، التي تبثها القوى والأبواق الرجعية في الفضاء العربي ضد إيران، التي باتت قلعة للتحرّر والمقاومة، وسندا لكل عربي يناهض الاستعمار والصهيونية بين المحيط والخليج.
ثانيا: أدرك الزعيم الخالد الرئيس جمال عبد الناصر مبكرا، من موقعه، أن انتصار الثورة الخمينية سيكون رافدا تاريخيا لنزعة التحرّر العربي، وسندا للقوى الوطنية والتحرّرية العربية وكفاحها ضد الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية، وأن هذه الثورة ستشكل بشارة سعيدة لدعاة التحرّر في البلاد العربية. وقد كان تفاعل الوجدان الشعبي العربي مع بشارة انتصار الثورة مصداقا لتوقّعات الزعيم الخالد، ولكن بعد رحيله للأسف.
أدرك القادة الإيرانيون، بعد قيام الجمهورية الإسلامية، عمق الترابط، في إطار الأخوة، بين شعوب الشرق، ووحدة الصراع ضد الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي. وهم جعلوا من تحرير فلسطين عنوانا استراتيجيا في تعريف الثورة وأهدافها العليا. كما وضعوا الكيان الصهيوني في مقدمة التحالف المعادي لمصالح إيران وتوجهاتها الاستقلالية التحرّرية وكفاحها لتوثيق علاقات الأخوة والشراكة في المشرق. وما اكتسبته قضية فلسطين ونضالات شعبها وفصائلها المقاومة من احتضان ومساندة كبيرة في طهران كان محفزا لتحولات نوعية في مسار الصراع العربي – الصهيوني، وهو ما يلمس الأشقاء الفلسطينيون ثماره ونتائجه بقوة في جميع المجالات والميادين.
ثالثا: تؤكد لنا التطورات حيوية الأخوة العربية – الإيرانية، وأهمية العمل لبناء وعي وثقافة عربيين حول طبيعة هذه الشراكة وضرورة الارتقاء بها، وتبنّي الخطط المؤهلة لرعايتها، بوصفها مدماكا استراتيجيا، ورافعة لا غنى عنها، في أي نهضة تحرّرية عربية بمستوى التصدي لمعضلات التطوّر والتنمية على قاعدة التحرّر من نير الهيمنة اللصوصية الغربية، وتحصين مرتكزات الاستقلال والتنمية بشراكات، تنطلق من أخوة المصير الطبيعية مع الشعب الإيراني الشقيق، التي وضعتها أفكار الإمام الخميني، منذ المراحل الأولى، على خطّ الالتزام بقضية فلسطين، وبروح الأخوة العربية الإيرانية وميثاقها، الذي عمّدته، بعد قيام الجمهورية الإسلامية، وخلال العقود والسنوات الأخيرة، دماء ضباط ومحاربين ومدربين من صفوف قوات الحرس الثوري، انتُدبوا باسم شعبهم وجمهوريتهم لمساعدة ودعم طلائع المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
نحتاج إلى عمل ثقافي وإعلامي منهجي، يرسّخ روح الأخوة العربية – الإيرانية، وميثاق التحرّر الذي عمّدته الأرواح الزكية في ساحات المقاومة والشرف، التي تشهد بصفحات خالدة وعظيمة، وتضحيات جليلة، بذلها الأشقاء الإيرانيون في مبادرات التضامن والمساعدة النزيهة، التي دعموا بها جميع المقاومين والأحرار في الشرق العربي. وقد تعمّدت بدماء زكية للعديد من الأشقاء الإيرانيين، وآخرهم القائد العظيم والشقيق الوفي والمخلص الفريق قاسم سليماني، الذي عرفته أرض سورية ولبنان والعراق وذرى فلسطين. وهو قائد بارز للمحور ولجميع فصائل المقاومة المشرقية، وينبغي أن تحفظه الذاكرة بطلا تاريخيا لأخوة عربية – إيرانية راسخة ومتجدّدة.