دعسة ناقصة: ناصر قنديل
– ما من شك بالإجماع اللبناني حول الجيش ومهابته وتقدير تضحياته، ومكانته في حفظ الأمن الوطني، وفي تشكيل الجامع المشترك الأخير الذي يلتقي حوله اللبنانيون، ولذلك فإن النيل من مؤسسة الجيش ومهابتها يُعتبر من الكبائر، وبالمثل يُعتبر تعريض وحدة اللبنانيين حول الجيش لاختبارات القسمة خطأ جسيماً، عبر توظيف الإجماع الشعبي والوطني لتغطية تصرّفات خاطئة، واعتبارها جزءاً من هيبة المؤسسة، واشتراط القبول بها كتعبير عن الإجماع حول الجيش.
– ما جرى مع الزميل رضوان مرتضى هو دعسة ناقصة، يجب أن لا تتردّد قيادة الجيش من موقعها المسؤول، في التراجع عنها، والتراجع عن الخطأ فضيلة، والذين يرفضون ملاحقة الزميل مرتضى أمام المحكمة العسكرية، أو سوقه الى فرع التحقيق في مخابرات الجيش، ليسوا كلهم من مؤيدي كلامه وأوصافه التي أزعجت قيادة الجيش، والتي يتيح القانون ملاحقته على أساسها، لكن أمام محكمة المطبوعات حصراً.
– التعابير التي استعملها الزميل مرتضى ومدى ملاءمتها، أو توصيفها تحت عنوان القدح والذم أمر تستطيع محكمة المطبوعات البتّ به، لكن جوهر دعوة مرتضى وأسئلته حول التحقيق في تفجير المرفأ، واستغراب عدم سماع قيادة الجيش السابقة والحالية حول قضية نترات الأمونيوم، موضوع يلتقي عليه كل متابع لقضية تفجير المرفأ، وجلاء الحقيقة فيه من ضرورات الحرص على سلامة التحقيق وكشف الحقيقة، وقيادة الجيش يجب أن تكون الأشد حرصاً على ذلك، فإثبات وقوع قيادة الجيش تحت سقف القانون وخضوعها للمساءلة القانونيّة يزيد ويعمق الإجماع الوطني حول الجيش.
– ما قالته ملاحقة الأمس من خارج السياق القانونيّ دعسة ناقصة، فهي أوحت أن طلب مساءلة قيادة الجيش من المحرّمات. وهذا يعني تعريض الإجماع حول الجيش لامتحان نحن بغنى عنه، لأن تعلق الناس بالجيش ينبع اولاً من رمزيّته كمؤسسة لفرض القانون، وترفّعه بعيون اللبنانيين عن التصرفات النابعة من العنجهية والشهوة السلطوية التي تحكم سلوك مواقع السلطات الأخرى، وينزّه اللبنانيون قيادة الجيش عنها، ضمن إجماعهم حول الجيش، وبالمقابل أوحت ملاحقة الأمس أن المراجعة القانونية في حال التعرض لقيادة الجيش، أو الظنّ بحدوث هذا التعرّض، يمكن أن تتم من خارج السياق القانونيّ، وكل من الأمرين لا يخدم بأحسن الأحوال حاجة اللبنانيين لتعزيز الإجماع حول الجيش.
– الإجماع حول الجيش ليس معرّضاً للخطر، والتمسك بحرية الإعلام وبتطبيق القانون لا يتعارضان مع حماية مهابة المؤسسة العسكرية، وحق الملاحقة محفوظ لقيادة الجيش بحق أي إعلاميّ تظن أنه أساء للجيش وقياداته خارج حدود المسؤولية المهنية، هو حق قائم وله آليته الواضحة وطريقه الوحيد، ينتهي بمحكمة المطبوعات.
– التراجع عن الخطأ فضيلة، وقيادة الجيش من موقع مسؤوليتها مطالبة بتصحيح الخطأ الذي وقع بالأمس، ورد الاعتبار للمراجعات بالطرق القانونية، وعدم السماح بتسلل دعوات تخيير اللبنانيين بين التمسك بالإجماع حول الجيش، أو التمسك بحرية الإعلام والآليات القانونية، وتقديمها كدعوات حرص وحماس ومحبة للجيش، فهي مجرد ورطة يُراد للجيش أن يقع في فخاخها، ووحدهم الذين يدعون الجيش وقيادته لتقديم المثال كما كل مرّة باتباع السبل القانونية، هم الذي يترجمون حبهم للجيش وحرصهم عليه وعلى قيادته بالدعوة للتراجع عن دعسة ناقصة ما كان من مبرّر لوقوعها.