عن عجز الطبقة السياسية وانسداد الحلول. د. غسان غوشة
حتى قبل ان تخرج تركيا وقواتها العسكرية من لبنان في نهاية الحرب العالمية الاولى ، كانت الزعامات اللبنانية المرتبطة بها تاريخيا
قد سارعت الى تغيير ولائها ولباسها.
اتجه القسم الأكبر من اتباع تركيا الى موالاة فرنسا وقلة منهم اتجهت نحو التاج البريطاني.
غير ان هزيمة فرنسا في بدايةالحرب العالمية الثانية ودخول الجيش النازي الى باريس وقيام حكومة فيشي أعطى حجة للجيش الإنكليزي الموجود في فلسطين للدخول الى لبنان خوفا من ان تنقلب القوات الفرنسية لصالح حكومة فيشي والألمان .وللتذكير فقط ان بريطانيا العظمى كانت تنتظر الفرصة المناسبة لتنقلب على اتفاقية سايكس بيكو سازانوف
لكي تقتنص حصة اكبر وكانت عينها دائما على لبنان وسوريا.وقد حرضت بريطانيا القيادات اللبنانية على طلب الاستقلال .وقد رضخت فرنسا الضعيفة يومها وارتضت ان تعطي لبنان استقلاله عل قاعدة تقاسم النفوذ مع بريطانيا فكانت حصة الفرنسيين رأسة الجمهورية
“بشارة الخوري” ورئإسة الوزارة من حصة الإنكليز.
هذه التسوية لم تدم غير تسع سنوات حيث شعرت بريطانيا ان وضعها العام في العالم يسمح لها بالتفوق على فرنسا
وفرضت كميل شمعون رئيسا للجمهورية وهو المعروف بانه فتى الإنكليز المدلل.
بعد سنوات لمع نجم عبدالناصر واصبح بعد تأميم القناة سنة ١٩٥٦ الزعيم العربي الاول.
ولما حاولت بريطانيا الثأر منه بالتفاهم مع فرنسا والعدو الصهيوني وشنوا مجتمعين العدوان الثلاثي على مصر
اثارت عندها غضب امريكا والاتحاد السوفياتي الذين استغلوا الغلطة التي ارتكبتها الدول الاستعمارية القديمة وانذروهم بالانسحاب وكان لهم ما أرادوا.
بعدها قامت الوحدة بين مصر وسوريا وقامت ثورة ١٩٥٨ في لبنان واطاحت بحلم كميل شمعون بالتمديد.
وقام تفاهم جديد بين عبدالناصر وأمريكا أتى بفوأد شهاب رءيسا للبنان برضى فرنسي وتململ إنكليزي.
لكن هزيمة عبدالناصر في حرب حزيران ١٩٦٧ دفعت الحلف الثلاثي الذي تشكل في لبنان الى الانقلاب على التسوية وقد شارك الرئيس شارل حلو بالانقلاب وهكذا دخل لبنان مرحلة الاهتزاز والحرب الأهلية التي امتدت من سنة ١٩٦٨ لغاية سنة١٩٨٩ التي عقد فيها موءتمر الطاءف الذي فرض تسوية خارجية جديدة على لبنان اساسها ال س -س
وبرضى دولي .
استمرت تسوية الطاءف حتى سنة ٢٠٠٤.
حيث انقلب الغرب من جديد على المعادلة الداخلية
وعاد لبنان الى وضعية العدم استقرار والاهتزاز.
وانقلبت الطبقة السياسية التي كانت تتغذى وتتنعم من الدعم السوري وتحارب بسيفه الى قوى تضرب بسيف الغرب رافعة شعار السيادة، والاستقلال.
هذه القوى كعادتها تتلون حسب مصالحها ولا يوجد عندها لا ثوابت وطنية ولا إخلاص لقضايا الأمة .
مثال هذه الشخصيات والزعامات ورمزها اللبناني الاول هو الامير فخرالدين
الذي وقف على التلة يراقب سير المعركة بين المماليك الذين طلبوا دعمه باعتباره كان مواليا لهم وبين العثمانيين،
وعندما تأكد ان الكفة مالت لصالح السلطان العثماني اندفع بقواته لنصرة السلطان
اما في العصور القريبة فان الصراع اللسياسي الحديث يمكن ان نعتبر بدايته مع سنة ١٨٤٠ التي يمكن اعتبارها السنة التي اصبح التدخل الخارجي أساسياً في الحياة السياسية اللبنانية
كما بات الساسة بحاجة ماسة للدعم الخارجي، كيف لا والأساطيل تسرح وتمرح في المياه اللبنانية
اصبح العداء للسلطنة العثمانية يوصف بالوطنية والانتماء للغرب الحضاري الاستعماري
فخرا واعتزازا
وحتى يومنا هذا اصبح لبنان قطعة سما غربية وسط الصحراء والمجاهل العربية.
الطبقة السياسية اللبنانية رضعت حليبا وثقافة من الغرب والوطنية تعني لها بكل فخر واعتزاز انتماءا وتبعية للغرب وهي مستعدة ان تنفذ كل مطالب الغرب حتى لو طالبها بالانتحار
لا ادري ان كانت هذه الطبقة تدرك ان الغرب يستغلها بل هو يحتقرها
هل يعلم هؤلاء ان الفكر السياسي الغربي يقوم على المصالح وليس المبادئ وان لكل سياسي تاريخ انتهاء صلاحية كما علبة السردين.
باختصار. حكامنا الاشاوس همهم دائما الحفاظ على زعامتهم ومكاسبهم وليسوا مستعدين ابدا ان يتنازلوا او يضحوا بأملاكهم وأموالهم الموجودة في الخارج بينما طائراتهم الخاصة تنتظر على ارض المطار.
المعادلة بسيطة :ارضاء الخارج والسيطرة والنهب في الداخل
هذه الزعامات لا تفكر ابدا في بلسمة جروح الناس او ايجاد حلول لها
من يظن ان العلة في لبنان هي في الحكومة وأنه يمكن حل المشاكل والأزمة الاقتصادية بتغيير الحكومات فعليه التعمق اكثر بتاريخ لبنان . ان العلة الأساسية في لبنان موجودة في تركيبة البلد وفِي نوعية الطبقة السياسية التي تداولت السلطة.
هل تتذكرون اعلان لبنان الكبير منذ قرن تماما.
لم يعلنه اللبنانيون ، بل أعلنه المندوب السامي الفرنسي متوسطا البطريرك الماروني ومفتي الجمهورية
وحتى يومنا هذا لا يجد احد حرجاً في اخراج الإعلان وطريقة إخراجه في ظل الانتداب الذي استمر عشرات السنين من بعده.
لبنان الذي نعرفه انتهى
والمشكل ان الغرب هو من اطلق عليه رصاصة الرحمةونحن لا نصدق ولا نعترف بالواقع.فالعالم كله يتغير.
لكي نحل أزمتنا ونحتل مكانةمرموقة بين الامم علينا ان نعرف ان بداية الطريق هي عودة الوعي والفكر التحرري المستنير وازالة هذه الطغمة الجاثمة على أعناقنا.