هجمات تكشف أصحابها
غالب قنديل
ما إن طرح احتمال استبدال حاكم مصرف لبنان حتى ثارت حملة سياسية وإعلامية شرسة ضد الرئيس حسان دياب والحكومة رافقتها موجة ترهيب مالية واسعة تحذر من العواقب الخارجية والداخلية لتنحية السيد رياض سلامة عن المنصب الذي شغله منذ استقدامه بطلب من الرئيس الراحل رفيق الحريري من وظيفته في شركة مضاربات مالية ليتسلم أرفع منصب مالي في لبنان.
اولا من أدوات الحملة دس خطير روجته دراسة اميركية تنسج خرافة سعي المقاومة لضرب النظام المصرفي بينما تولى بعض حلفاء الحاكم الذين يقال إنهم استفادوا من عطاءاته وهندساته ومن عقود أبرمتها معهم الحاكمية بذرائع وتغطيات عديدة منها الاستشارة المالية كما هي حال أحد القادة الكبار في ساحات “الثورة ” وجحافلها ومنها الخدمات الإعلامية وغيرها ومن البعض القليل الذي نعرفه مؤسسات إعلامية مرئية ومسموعة نالت قروضا سخية بفوائد مدعومة بذريعة تمويل الإنتاج الذي لم يظهر منه شيء وبعض الكتاب الذين لم يوفروا وصفا لتمجيد دور الحاكم و”حكمته” وقد تبارت جوقة المريدين في ترويج صورة المنقذ والبطل المطعون لاستدراج العطف واستعملت التلاعب بالعصبيات الطائفية بكل صفاقة وخسة.
ثانيا من الأحجيات التي تثير الاشمئزاز ان يقول رئيس حكومة سابق مجرب جدا بكل وقاحة أن الحكومات هي التي سنت السياسات المالية والحاكم مجرد منفذ وان يعرض لنا بعض الكسبة لائحة أسئلة من نوع هل حاكم المصرف هو الذي فعل كذا وكذا وكذا للبرهنة على أن السلطة السياسية هي التي تحمل المسؤولية وهذا صحيح بكل أسف لكن نسأل هؤلاء على الأقل ألم يكن حاكم المصرف يعلم من هم الذين حولوا ودائعهم في الزمن المريب عشية الانهيار وأليس هو اول العارفين بأن احتياط العملات الصعبة لديه ينزف ولن يصمد طويلا فماذا فعل؟ طبعا لا شيء بل كان يخترع الكذبة تلو الكذبة لينفي احتمال الدخول في مأزق.
ثالثا طبعا إن السلطة السياسية برمتها هي المسؤولة عن الإذعان للوصاية الأميركية والخضوع للعقوبات وقد كانت تملك القدرة على سن قانون سيادي ضد الخضوع للعقوبات وإصدار تعليمات تنفيذية معاكسة للمشيئة الأميركية وامتنعت إما بفعل التواطؤ أو الرهبة وهي هكذا لم تضع الحاكم في دائرة الاختبار والاختيار لأنها انطلقت من قاعدة الرضوخ والاستجابة وصحيح أيضا ان الريعية والنموذج الريعي هي حصيلة نهج اقتصادي سياسي لم يسنه الحاكم بل فرضه الحكم السياسي الذي شارك فيه سائر الأطراف وكان الحاكم حلقة في سلسلة القرار.
لكن هذا الحاكم هو الذي كتم معلومات قبل الانهيار وبعده وحجب معطيات مالية ونقدية كثيرة كما يتردد على ألسنة رؤساء ووزراء بينما تبخرت بياناته وتصريحاته التي طمأنت اللبنانيين إلى وضعية الليرة قبل أسابيع وانجلت عن أكثر من سعر للصرف وعن عمليات ملتوية لسحب الدولارات من أيدي الناس ومن خزائن بيوتهم بعد مسح بلاط خزائن البنوك ونقل حمولاتها إلى الخارج.
رابعا يكفي الرئيس حسان دياب شهادة أن من يشنون الهجمات عليه اليوم هم في موضع الشك والاتهام في نظر الناس لأنهم حصدوا أرباحا وراكموا ثروات في فقاعة الديون والقروض كما في التنفع من الوظائف والمناصب بصرف النفوذ في صيغة حكم تحت الوصاية الأميركية استنزفت البلد فدمرت الإنتاج وأدارت ألعاب المضاربة والسطو المالي وتنعم شركاؤها بالمليارات من الصفقات العمومية واتفاقاتها الرضائية وتقاسموا عقود النفايات والكهرباء والطرق بأكلاف خيالية وبالشراكة مع سلسلة متعهدي الباطن المعششين في الصفقات العمومية والمناقصات وهي المنظومة التي تساندت وتبادلت الدعم مع حاكم المصرف ونهجه بالجمع والمفرد.
خامسا لم يفعل الرئيس حسان دياب شيئا غير اعلان اعتزامه الدفع باتجاه تدبيرين من موقعه الدستوري والسياسي فأقلق مجموعة من القوى السياسية والمالية والهياكل البيروقراطية دفعة واحدة الأول هو تدقيق حسابات المصرف المركزي وفقا لاتفاق وتفاهم مع رئيس الجمهورية وهذه عملية قد تتكشف عن مخالفات وملفات كثيرة أبرزها لوائح المستفيدين من الهندسات المالية والمنح والقروض والعقود والثاني هو التقدم بمشروع قانون يحدد آليات ومهلا ملزمة لإعادة الأرصدة المحولة إلى الخارج من حسابات مصرفية لشخصيات تولت او تتولى المسؤولية العامة في الإدارة او السلطة السياسية وهذا التدبير هو استدراك لخلل خطير كشف تساهل حاكم المصرف المركزي مع أصحاب الثروات الذين هربوا اموالهم من المصارف وبينهم بعض مالكي البنوك والمساهمين فيها وقد كشف الأمر بعد حدوثه بأسابيع بينما كان الحاكم بفضل موقعه وصلاحياته عارفا بالأمر فور وقوعه ولم يحرك ساكنا وكان يستطيع منع التحويلات ورفض إجازتها بينما كان يعترض عمليات مالية تخص المودعين غير المحظيين فيما هو يجود ببيانات الطمأنة والثقة.