ليست إدارة طوارئ اقتصادية.. بل فلتان؟!: ناصر قنديل
– من الزاوية العلمية البحتة لا وجود لنص قانوني في لبنان أو في غير لبنان يوصف الإجراءات التي تتضمّنها حال الطوارئ الاقتصادية، ولا ماهية وقوام الهيئة التي تشرف عليها وتناط بها كما يوحي الاسم، اتخاذ إجراءات غير عادية في مواجهة تحديات يفترض أنه لا يمكن التصدي لها بالطرق التقليدية، وتستدعي اعتماد إجراءات تبدو مخالفة لنمط النظام الاقتصادي والنقدي المعمول به، بصورة مؤقتة تبقى ما بقيت حالة الطوارئ، وتسقط بتجاوز الحالة التي تسببت إعلان الطوارئ. ومن المفهوم أن مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري للدعوة لحال الطوارئ لم تكن تقديماً لوصفة سحرية بقدر ما كانت إعلاناً عن الحاجة لمثل هذه الإجراءات الاستثنائية التي يفترض بالمسؤولين في القطاعات الاقتصادية والمالية والنقدية تحديد ماهيتها وبلورتها بنصوص، يصدر كل منها وفقاً لطبيعته، بصيغة قوانين أو مراسيم أو قرارات.
– منذ تاريخ إعلان الرئيس بري عن الدعوة لحال الطوارئ الاقتصادية، لم يحدث شيء على صعيد تحديد إجراءات مطلوبة لمواجهة هذه التحديات، وليس مردّ ذلك أن الحال تحسنت، أو أن ما أعلن عنه من إنجاز تفاهمات بين مصرف لبنان والقطاعات المعنية بالسلع الأساسية، قد لمس الناس آثاره في الأسواق. فالذي حصل هو العكس تماماً، حيث تبين أن الأزمات تتفاقم في قطاع المحروقات وفي قطاع الأفران، وعاد الدولار للارتفاع في شبابيك الصرافين، والتطمينات الكلامية تتبعها بدلاً من الإجراءات تطمينات كلامية جديدة، والحال التي تحتاج الطوارئ بمعنى الإجراءات الاستثنائية، تعيش الفلتان، والناس تعيش القلق والخوف من الغد، وهما كافيان للتزاحم على منافذ البيع في السوق السوداء للمحروقات والدولار وكل ما يلحق بهما للأسباب ذاتها.
– لسنا بوارد الدخول في مناقشة الحلول الجذرية للوضع الاقتصادي والمالي، وهي موجودة وممكنة، ويحول دونها أحد مرضين، الجهل أو الجشع، فمن لا يعلمون يريدون الحلول لكنهم يصدقون من يعلمون، ومن يعلمون لا يريدون الحلول، لأنها تصيب المصالح الخفية التي يرتكز عليها نظام المنافع غير الشرعية التي يرعاها. وهي شبكة مصالح ممتدّة بين الداخل والخارج تعتاش من تراكم المديونية وسوق سندات الخزينة، ونتيجتها واضحة، أرباح تتضخم في ضفة وديون تتراكم في ضفة مقابلة، ليس لأن الذين تتراكم أرباحهم يشتغلون ويقومون بعمل منتج، بل لأنهم عاطلون عن العمل، وفقاً لتوصيف مهنتهم الفعلي ويعتاشون على تعميق علل الدولة ومفاقمة مديونيتها، برضا أصحاب الحل والربط فيها وشراكة بعضهم، إن لم يكن أغلبهم.
– ما نحن بصدده حزمة إجراءات تنفيذية يمكن السير بها تحت شعار حال الطوارئ مؤقتاً: أولها، حصر استيراد المشتقات النفطية والقمح باتفاقيات سنوية من دولة إلى دولة، بعقود شفافة وعلنية، وبالمناسبة كذبة استيراد الفيول من دولة الجزائر مفضوحة بأنها عملية شراء من هالك إلى مالك إلى قابض الأرواح وتتم بأسعار لا تشبه ما هو قائم في الأسواق، بما فيها تلك التجارية والخاصة. وثانيها منع البيع لأي سلعة أو خدمة فوق الأراضي اللبنانية بغير الليرة اللبنانية تحت طائلة عقوبات جزائية، وإلزام كل أصحاب الديون والسندات ومصدّري الفواتير بما في ذلك المستند إلى عقود سابقة بتحويل العملة إلى الليرة اللبنانية، وفقاً لسعر الصرف الرسمي الصادر عن مصرف لبنان. وثالثها، فرض رسم بنسبة لا تقل عن 10 لحساب مصرف لبنان يسدد بالدولار على كل عملية شراء للدولار في شبابيك الصرافين، خصوصاً أن التحويلات الجارية للسياحة أو للعاملات الأجنبيات تعادل ستة مليارات دولار سنوياً سيتحقق تخفيضها عبر هذا الإجراء ولجوء اصحاب المال لتأجيل تحولاتهم لظرف أفضل، بينما عمليات الشراء التي تجري لحساب تسديد فواتير الخلوي والمولدات والمحروقات تعادل ستة مليارات دولار أخرى يمكن تلافيها كلياً بالتسعير الإلزامي بالليرة اللبنانية وهو ما تتمرد عليه بقوة قرار سياسي مجهول ومغفل شركات الاتصالات ويتبعها الآخرون. ورابع هذه الإجراءات الطلب إلى المصارف التجارية حجز بدلات اعتمادات زبائنها من التجار والمستوردين لدى مصرف لبنان لمشتريات عام 2020، وفقاً لترتيبات يتفق عليها مع المصرف المركزي.