تفاعلات العدوان التركي على سورية
غالب قنديل
يمكن اعتبار العدوان التركي على سورية عملية مستمرة ومتواصلة منذ سنوات بدأت مع انطلاق العدوان الاستعماري الصهيوني الرجعي بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة دول الناتو والحكومات العربية التابعة وكل من تركيا والكيان الصهيوني وليس ما جرى في الأيام القليلة الماضية سوى فصل جديد من تلك الحرب الكبرى التي تستهدف الدولة الوطنية السورية وهويتها التحررية الاستقلالية المقاومة.
منذ سنوات جمعت حكومة أردوغان في تدخلاتها ضمن سياق العدوان بين عمليات الاحتلال المباشر وحرب الوكالة التي لعبت فيها دورا محوريا وقد أقامت على أرضها غرف العمليات التي ضمت ممثلين لجميع من شاركوا في حلف العدوان الدولي والإقليمي بقيادة رئيس الأركان الأميركي مباشرة وأنشات مخازن السلاح التي كدست فيها شحنات ضخمة حملتها طائرات سعودية وقطرية ثم أرسلتها المخابرات التركية عبر الحدود إلى الداخل السوري لحساب فصائل الأخوان والقاعدة وداعش وقد تقاسمت تركيا مع حكومة الأردن بإشراف اميركي صهيوني وبتمويل سعودي وقطري عملية إقامة معسكرات التدريب والإشراف على تأمين حشد القتلة والعملاء إلى سورية لتدميرقلعة المقاومة العربية بجيوش المرتزقة والإرهابيين متعددي الجنسيات.
التوغل التركي الأخير يمثل فصلا جديدا من هذا العدوان المتمادي وقد صحبت فيه القوات الغازية حشود من فصائل الإرهاب التي تشغلها المخابرات التركية منذ سنوات والغاية المعلنة هي منع خطر التواصل بين الوحدات الكردية على مقلبي الحدود بعد فشل محاولات الجمع الأميركي بين القوتين العمليتين أي حكومة أردوغان ووحدات الحماية المحكومتين عمليا بتناقض وجودي رغم وحدة الولاء للمرجعية الاستعمارية الأميركية.
تبلورت بعد قرار اردوغان المجاز من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد طول رفض واعتراض مجموعة من التداعيات والتفاعلات التي تستدعي التوقف وهي تثير أسئلة عديدة حول احتمالات المرحلة المقبلة وسياقها السياسي والميداني وهي تطال مجموعة من التناقضات والخطوط في مناخ الحرب على سورية وفي ظل المقاومة التي تخوضها الدولة الوطنية السورية من اجل استعادة السيادة على كامل التراب الوطني.
اولا ترنح الاحتلال الأميركي بين الإنسحاب التام من سورية الذي رجحه كلام الرئيس الأميركي او احتمال البقاء في مواقع لاتؤثر على الغزو التركي وأهدافه المباشرة الذي تسعى إليه مجموعة ضغط اميركية تضم معارضي ترامب داخل المؤسسة الحاكمة وجنرالات البنتاغون والمخابرات المركزية واللوبي الصهيوني بحيث ستقرر هذه المواجهة الأميركية الداخلية حدود الخطوات العسكرية بين الإبقاء على قوات الاحتلال في بعض النقاط او الانكفاء النهائي من سورية وهذا له حسابات سياسية وعسكرية وانتخابية عند الرئيس الأميركي الذي يريد تظهير موقفه كتنفيذ عملي لوعد انتخابي بالخروج من حروب الشرق التي وصفها بالعبثية وغير المجدية بعدما اعترف باستنادها إلى الأكاذيب وثمة فرق بين الاحتمالين وما يتبع أيا منهما من توازنات وحسابات سياسية.
ثانيا الموقفان الروسي والإيراني من العدوان الذي أربك مسار الاحتواء السياسي للتدخل التركي المتواصل في سورية وما ستقرره كل من موسكو وطهران في هذا المجال سواء في دعم مبادرة الجيش العربي السوري لاستكمال تحرير محافظة إدلب وتقطيع أذرع القاعدة المدعومة من تركيا مما سيؤثر على التوازنات والاحتمالات او تحفيز مساعي التأثير على موقف القيادات الكردية السورية وحثها على التفاهم مع دمشق وانتقالها في توقيت معين إلى طلب انتشار الجيش العربي السوري بكل وضوح بعد مراوغتها واستقوائها الصريح بالمحتل الأميركي الذي عطلت من خلاله عشرات المحاولات السابقة التي تجاوبت معها القيادة السورية وأعطتها كل فرص النجاح فكان التصميم الكردي على التمسك بوهم الانفصال والفدرالية والرهان على الارتباط بالاحتلال الأميركي والاستقواء به على الدولة الوطنية السورية.
ثالثا الحملات الاوروبية ضد العملية التركية تمثل على الصعيد السياسي اداة ضغط على حكومة أردوغان لصالح حماية فصيل مرتبط بالاستعمار الغربي من بطشه وهي ليست معنية بالدفاع عن سيادة سورية الوطنية التي انتهكتها دول الغرب الأوروبي من خلال مشاركتها الرئيسية في حلف العدوان وجرائمه ضد الشعب العربي السوري ولائحة الإثبات طويلة جدا عما فعلته سياسيا ومخابراتيا وعسكريا حكومات فرنسا وبريطانيا وألمانيا في مخطط تمزيق وحدة سورية وتدمير دولتها الوطنية وهي ما تزال شريكة في الحصار الاستعماري المحكم على الاقتصاد السوري.
رابعا إن المواقف الصادرة عن الحكومات العربية التي شاركت في العدوان على سورية ليست سوى واحد من اعراض التناقضات التي عصفت بالحلف المعادي الذي شن العدوان لضرب هوية سورية كقلعة تحررية مقاومة مناوئة للهيمنة الاستعمارية ومن الصعب التعويل على نتائج وتداعيات هذه المواقف بما يتعدى ما قد تنتزعه القيادة السورية من مكاسب سياسية وإعلامية في وجه من استباحوا السيادة وساهموا في سفك دماء السوريين ودعموا اخطر حروب العدوان في تاريخ المنطقة فالموقف السعودي هو مؤشر على حسابات انقسام المعسكر الرجعي الذي تجند لتدمير سورية والنيل منها وهو يتصل بالاستقطاب الذي اعقب المعركة الناشبة بين الرياض والدوحة وانقرة على النفوذ الإقليمي تحت عباءة الهيمنة الأميركية الغربية.
إن فشل الحرب الاستعمارية الصهيونية الرجعية على سورية يضخ في فضاء المنطقة تداعيات كثيرة ومتشابكة وسائر من شاركوا في فصولها يعيشون في حالة ارتباك وقلق بفعل صمود سورية وحلفائها وما حققوه من إنجازات حتى اليوم والغد لناظره قريب بالمزيد الآتي.