بقلم غالب قنديل

في الشرق بوابات الفرج

غالب قنديل

جميع الوصفات المتداولة حول الوضع الاقتصادي والمالي المتأزم في لبنان تدور في حلقة المزيد من الشيء نفسه كما تبين سلة قروض سيدر التي ستخضع في آلية تنفيذها إلى وصاية اجنبية من خلال فريق للمراقبة والتحقق تديره فرنسا ليشرف على تفاصيل إنفاق اموال القروض وهو سيكون عمليا مشرفا على ضمان حصة أساسية للشركات الأجنبية من كعكة الخصخصة الشاملة التي تضمنتها توصيات “المانحين” وصندوق النقد الدولي تحت شعاري “التشركة” و”ترشيق القطاع العام ” أي خفض عديد الموظفين في المؤسسات العامة وتلزيم الخدمات التي تؤديها لشركات اجنبية ومحلية بعد قرار منع التوظيف لثلاث سنوات ومع ذلك سلسلة من التدابير التي وصفت بالقاسية والمؤلمة لأنها تتضمن اعباء جديدة على الناس بعضها معلن مسبقا.

 

ليس في لبنان أي معامل او مزارع او فنادق أو مطاعم تملكها الدولة والتشركة الجاري ترويجها تقوم على تلزيم الشركات الوافدة ووكلائها المحليين إدارة الطرقات والكهرباء والهاتف الثابت والمرافيء دون مراجعة دروس التجربة المريرة وعلى الرغم من انكشاف نهج الاقتراض المتضخم  الذي اهدرت امواله في مجالات لم تساعد على لجم الخلل المتضخم في عجز الخزينة وأرقام الدين العام لأنها لم توظف في تنمية قطاعات الإنتاج التي جرى تدميرها بأيدي سلطان الريعية المتحكم بالنموذج الاقتصادي القائم منذ حوالي ثلاثين عاما وحيث استهلكت في خرافة تثبيت سعر الصرف مدخرات كبيرة وتحويلات ضخمة اكتنزها القطاع المصرفي وراكم أرباحا فاحشة في توظيفها بشراء سندات الدين العام .

العقوبات الأميركية ونتائج الركود العالمي تحد من تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج التي كانت تساعد في ترميم ميزان المدفوعات المحكوم بعجز تكويني يفسره حجم الاستيراد المتضخم وتقلص الصادرات بفعل الضمور الخانق في الصناعة والزراعة والسياحة التي لم تحظى برعاية منهجية ولا بخطة تنمية جدية طيلة عقود من ازدهار القطاعين المصرفي والعقاري والفقاعة المالية المتضخمة.

يسهم في المأزق المالي وعجز ميزان المدفوعات تراجع المال السياسي الوافد إلى لبنان خلال السنوات الأخيرة بفعل تحولات سياسية واقتصادية اقليمية ودولية ليست طارئة اومؤقتة وقد ترافق ذلك مع خطة سياسية أميركية معلنة لخنق لبنان بقصد إضعاف المقاومة التي أثبتت قدرة متزايدة على المساهمة في اعتراض المشاريع والخطط الاستعمارية في المنطقة بدورها النشط والطليعي في التصدي لغزوة داعش والقاعدة وفي تصاعد قدرتها الدفاعية الرادعة على شل الفاعلية العسكرية الصهيونية التي مثلت القاعدة المركزية للهيمنة الاستعمارية الغربية منذ اغتصاب فلسطين.

لايمكن التصدي لهذا المسار الانحداري بنهج الخضوع للهيمنة الغربية والوصاية الغربية ولا باستدراج مزيد من القروض غير المناسبة للمصالح الوطنية اقتصاديا وسياسيا ولا يمكن منع المزيد من التدهور بمواصلة لعبة شراء الوقت التي ميزت أسلوب الحكومات المتعاقبة في إدارة الأزمة.إن التوجه شرقا هو بوابة التحول الذي يمكن ان يسعف الاقتصاد اللبناني في الخروج من المازق وانطلاقا من الشراكة مع سورية والعراق وإيران وصولا إلى الصين وروسيا وهذا خيار تعترضه الوصاية الأميركية الغربية وتسعى إلى منعه بأي ثمن لأن فيه ما يعزز قدرة لبنان على مقاومة الضغوط الاقتصادية والسياسية الغربية والتفلت من براثن الهيمنة التي ستراكم المزيد من الاستنزاف والمتاعب طالما ظلت العقلية السائدة مبنية على الخضوع لمترتباتها واحكامها في كل شاردة وواردة رغم الفرص الهائلة المتاحة للاقتصاد اللبناني بكل فروعه الحية بما فيها المصارف والخدمات.

مع سورية والعراق وإيران والصين وروسيا تتوافر فرص شراكة متكافئة دون إملاءات تعاكس السيادة الوطنية ونطاقات تبادل تجاري ومالي أقل تأثرا بالعقوبات الأميركية وموارد مالية ومتنفس رحب للصادرات الزراعية والصناعية وللسياحة بجميع فروعها الطبية والدينية والترفيهية والتعليمية ومع طرق أبواب الشرق وفتح مسارات التوجه شرقا تصبح معادلة العلاقة بالغرب أشد حصانة وقوة بتوافر البدائل المنافسة الداعمة لإرادة الاستقلال بدلا من الإذعان للمستعمر الأميركي.

إنها قضية إرادة سياسية للتحرر الوطني من الهيمنة الاستعمارية فمن يبادر؟… أيها اللبنانيون بوابات الفرج في الشرق الواسع والغني بالفرص الكريمة والضخمة والبداية من دمشق شرقنا الشقيق واللصيق ومن يعترض ينصاع للمشيئة الأميركية القاضية بخنق لبنان وسحقه وتكريسه كمستعمرة مسلوبة الإرادة والكرامة.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى