إيران تطوّر قدرة دفاعاتها الجوية تمهيداً لدور إقليمي محتمل فرزين نديمي
في 22 آب/أغسطس، وبعد سنواتٍ من الضجة الإعلامية، رفعت إيران أخيراً الستارة عن منظومة دفاع جوي من صواريخ بعيدة المدى تعرف باسم “باور 373″، يُزعم أن قوتها توازي أو حتى تتخطى قوة منظومة “أس-300” الروسية أو منظومة “باتريوت” الأمريكية. لكن بغض النظر عمّا إذا كانت منظومة “باور” قادرة فعلاً على مضاهاة المواصفات التي يدّعيها النظام الإيراني على أرض الميدان، يثير هذا الإعلان عدداً من المخاوف الملحّة حول كيفية استعمال هذا النظام داخل إيران وخارجها.
في 22 آب/أغسطس، وبعد سنواتٍ من الضجة الإعلامية، رفعت إيران أخيراً الستارة عن منظومة (نظام) دفاع جوي من صواريخ بعيدة المدى تعرف باسم “باور 373″، يُزعم أن قوتها توازي أو حتى تتخطى قوة منظومة “أس-300” الروسية أو منظومة “باتريوت” الأمريكية. لكن بغض النظر عمّا إذا كانت منظومة “باور” قادرة فعلاً على مضاهاة المواصفات التي يدّعيها النظام الإيراني على أرض الميدان، يثير هذا الإعلان عدداً من المخاوف الملحّة حول كيفية استعمال هذا النظام داخل إيران وخارجها.
القدرات المحتملة
وفقاً لمصادر إيرانية، تستطيع منظومة “باور” اكتشاف ما يصل إلى 300 هدف في آنٍ واحد وعلى مدى 300 كيلومتر، بالتزامن مع تعقّب ستين منها والاشتباك مع ستة منها، سواء أكانت هذه الأهداف عبارة عن طائرات أو صواريخ باليستية. وتستخدم هذه المنظومة رادارين صغيرين مثبتين على شاحنة وعاملين بواسطة مصفوفات طورية، إضافةً إلى شاحنة قيادة وتحكم وراجمات ذي أربع مواسير مثبتة عمودياً ويصل عددها الأقصى إلى ستة في كل بطارية. ويمكن أيضاً تزويدها برادار أكبر لمراقبة المناطق يُدّعى أن مداه يبلغ 450 كلم ويُعتبر على الأرجح ضرورياً لتنفيذ العمليات بفعالية. وهذه المواصفات مشابهة لمواصفات المنظومات الروسية، في حين أن بطارية صواريخ “باتريوت” تستخدم راداراً واحداً فقط لإتمام كل عمليات الكشف والتعقب والاشتباك. في المقابل، ووفقاً لبعض التقارير، يستطيع نظام “باور” استخدام النسخة الأحدث من صاروخ “صياد” الإيراني (“صياد-4”) مما يمنحه مدى اشتباك يصل إلى 200 كلم.
وقبل شهرين، كشفت إيران النقاب عن منظومة دفاع جوي أخرى هي “خرداد 15” التي تشبه المنظومة الجديدة ولكنها أقصر مدى. وتدّعي طهران أن هذه المنظومة قادرة على كشف ستة أهداف تقليدية تقع على مسافة تصل إلى 100 كلم وتعقّبها والاشتباك معها، بينما يتقلص هذا المدى إلى 45 كلم بالنسبة للأهداف الخفية.
ولا توجد معلومات مفتوحة المصدر يمكن التحقق منها فيما يخص قدرات الأداء الفعلية لهاتين المنظومتين، ولكن الهجوم الذي استهدف طائرة الاستطلاع التابعة للبحرية الأمريكية “غلوبال هوك أر كيو-4” فوق مضيق هرمز شمل منظومة مماثلة. إذ تظهر في الفيديو الذي نشرته إيران وحدةٌ تابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني تُطلق ما بدا أنه صاروخ “صياد 2” من منظومة “خرداد 3” المضادة للصواريخ في الليل، أعقبه بعد فترة وجيزة حطام متداعٍ. وقد نُسب الفضل في نجاح العملية إلى “الطاقم الفتي” للبطارية، والتي لم تثر أي رد عسكري ناشط من الولايات المتحدة، علماً بأن الطاقم تلقى لاحقاً مكافأة من المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية. لكن الأمر الذي يتم التغاضي عنه بشكل كبير هو الدور الذي لعبته “قوة الدفاع الجوي” المفرزة مؤخراً والتابعة للجيش الإيراني في كشف الهدف وتعقبه وإصدار الأمر بإطلاق الصاروخ – والأرجح أن مساهمات هذه القوة عزّزت ما تستطيع هذه البطارية فعله إذا ما تم نشرها بمفردها أو خارج شبكة الدفاع الجوي المحلية الإيرانية.
وما يضاف إلى حالة عدم اليقين بشأن الأداء هو أن مصممي الأسلحة ومشغّليها يبالغون عادةً في مستوى فعالية منظوماتهم، وغالباً ما يصفون التعديلات المدخلة على منظومات سابقة بأنها منتجات جديدة. وإيران ميالة بشكل خاص لكلتا العمليّتين.
مخاوف الانتشار وحظر الدخول/منع الوصول
يأتي الإعلان عن منظومة “باور” بعد سنواتٍ عديدة كثّفت خلالها إيران الجهود والاستثمارات على جبهتين ذات صلة هما: تطوير مجموعة من المنظومات الصاروخية الجوالة لصالح شبكة الدفاع الجوي المتعددة المستويات في الجمهورية الإسلامية، والسعي إلى نشرها في الجبهة الأمامية على أراضي القوات الحليفة لها بهدف تقويض التفوق الجوي الغربي والإسرائيلي في حال نشوب نزاع على نطاق أوسع. وتقول طهران إن هذه المنظومات الجديدة خفيفة الوزن ومرنة ويمكن تجهيزها للعمليات في فترة قصيرة كما ويمكن استخدامها بطريقة مبتكرة ولا تحتاج إلّا إلى دعمٍ محدود.
في أوائل عام 2018، على سبيل المثال، عثرت قوات التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن على طلقةٍ صاروخية تابعة لصاروخ “صياد- 2سي” الإيراني من النوع نفسه الذي أسقط طائرة “غلوبال هوك” الأمريكية. ويبدو أن هذا الصاروخ كان يستهدف المتمردين الحوثيين، وكان مرفقاً بجهاز استقبال إلكتروني غير فاعل إيراني الصنع وقادر على تأمين إمكانيات استهداف للصاروخ بصمت بواسطة “نظام تحديد المواقع العالمي” وغير ذلك من إشارات مراقبة الحركة الجوية الصادرة عن الطائرات العسكرية والتجارية. ولو استُخدم هذا الصاروخ بفعالية (سواء من قبل الحوثيين أو عناصر من إيران أو «حزب الله»)، لتمكّن من إسقاط هدفٍ ذي قيمة عالية كطائرة استطلاع كبيرة عاملة بنظام الإنذار والمراقبة المحمول جواً أو طائرة ناقلة، وبذلك يحظى الحوثيون بفرصة دعائية كبيرة.
أما على الأراضي الإيرانية، فيمكن لمنظومة “باور” أن تعطي إيران وسيلة لإنتاج بطاريات دفاع جوي فعالة وبعيدة المدى بأعداد كبيرة، على افتراض أن هذه المنظومة تحقق فعلاً الأداء الذي يسوَّق له. وفي المقابل، حين زودت روسيا إيران بصواريخ “أس-300” في عام 2016، لم ترسل إلا أربع بطاريات وعدد محدود من الصواريخ. ولكن طهران تدرك جيداً أيضاً أن الشبكة المعتمدة على صواريخ “أس- 300” معرّضة على الدوام لتهديدات الدول الأخرى التي إما تملك تلك المنظومة بحد ذاتها (مثل أذربيجان واليونان وأوكرانيا) أو مُطَّلعة على أسرارها بعد سنوات من العمل الاستخباراتي المستهدف للأسلحة السوفياتية/الروسية (مثل إسرائيل والولايات المتحدة). غير أن النظام المُطور محلياً، مثل “باور”، قد لا يكون معرضاً للخطر بالسهولة نفسها.
ولا يُخفى أن التهديدات الاستراتيجية الطويلة الأمد التي تسببها هذه التطورات كبيرة، فإذا تسلحت إيران بعدد أكبر من بطاريات الصواريخ الجديدة التي تتفوق على منظومة “أس-300” في قابلية التنقل والتخفي، فقد تتمكن من نشر منظومة لحظر الدخول/منع الوصول في كافة ممرات الشحن الممتدة من الخليج العربي/الفارسي إلى خليج عمان. بالإضافة إلى ذلك، فإن التكنولوجيا المستخدمة لتطوير هذه المنظومات قادرة على مساعدة النظام الإيراني في تطوير صواريخ بالستية جديدة مع آليات لمعاودة الدخول قابلة للمناورة وبالتالي الصمود إلى درجة أكبر بكثير، مما يجعلها أكثر قدرة على التغلب على الدفاعات الصاروخية. وقد تقوم إيران بتطوير وإطلاق نسخ مضادة للسطح من صاروخها “صياد” المتعدد الاستخدامات، لتزيد بذلك خيارات التهديد الإقليمي المتاحة أمامها.
دفاع جوي منسق مع العراق؟
في أيار/مايو وحزيران/يونيو 2019، قام اثنان من كبار القادة العسكريين العراقيين بزيارةٍ إلى إيران لمناقشة آليات تعزيز التعاون في مجال الدفاع الجوي بين البلدين. وبالإضافة إلى إمكانية إجراء دورات تدريب مشتركة وتقديم/المشاركة في إنتاج منظومات مراقبة ودفاع جوي، من الممكن أن يشمل هذا التعاون وفقاً لبعض التقارير، خطةً مشتركة لمراقبة الحركة الجوية والقطاع الجوي، مع الإشارة إلى أن الخيار الأخير قد يسمح لإيران بالوصول إلى معلومات إلكترونية حساسة خاصة بالعراق، الأمر الذي قد يضر بدوره بالأمن العملياتي للجيش الأمريكي.
وسابقاً، كان رئيس هيئة أركان الجيش الإيراني اللواء محمد باقري قد التقى بنظيره العراقي في 7 نيسان/أبريل وأخبر الصحفيين فيما بعد أنهما اتفقا على دمج شبكات الدفاع الجوي التابعة لبلديهما أو على الأقل التنسيق بينها لمعالجة ما وصفه بـ”التهديد الجوي من اتجاه حدودنا الغربية”. وقد جاءت تصريحاته متماشيةً مع التعبير الذي يصف به النظام الإيراني التعاون مع بغداد بالدفاع المشترك ضد “أعداء مشتركين”، وتعني إيران بذلك الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج. فضلاً عن ذلك، في عام 2017، وقّعت إيران اتفاقيةً لتبادل المعلومات الاستخباراتية مع العراق وتزويده بالسلاح في حربه ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، وقد تمنح هذا الاتفاقية النظامَ الإيراني ذريعةً لتزويد العراق بمعدات عسكرية تعتبر محظورة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2231.
الخاتمة
يجب على الولايات المتحدة أن تراقب عن كثب وبإلحاح أكبر النمو الكمي والتقدم التكنولوجي لأنظمة الدفاع الجوي الإيرانية. فبموجب القرارات الحالية لمجلس الأمن الدولي، سيتم السماح لطهران قانونياً بتصدير مثل هذه الأنظمة أو نشرها في الخارج بعد فترة ليست بعيدة تبدأ في كانون الثاني/يناير 2021، وقد تكون البلدان العدائية أو الجماعات الإرهابية هي المستفيدة. وحتى في الوقت الراهن، هناك مخاوف من احتمال أن ينتهي الأمر بالدفاع الجوي أو الصواريخ المتقدمة بالوصول إلى لبنان أو سوريا أو العراق، مع عواقب غير متوقعة على العمليات الجوية الأمريكية والقوات المتحالفة معها في أي مكان على مقربة منها.
فرزين نديمي هو باحث في معهد واشنطن، ومتخصص في شؤون الأمن والدفاع المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج.