خصوم المقاومة يجترون منطقهم
غالب قنديل
الاجترار فعل سياسي وثقافي متواصل تمارسه جهات لبنانية تقلص حجمها نسبيا لكنها طفت على سطح الأحداث مؤخرا في بعض الزوايا المعتمة احيانا وبعد العدوان الصهيوني بالذات سواء في بعض التصريحات الصحافية او في مقالات وآراء عبر بعض الصحف والمواقع الإلكترونية والوسائل المرئية والمسموعة … إنه الاجترار نفسه الذي تعرفنا على مفرداته من زمن بعيد والمفارقة ان جوقة الاجترار تأنس لفعلها وتلقى أصداءا يتقلص مداها وفعلها في الرأي العام لكنها تطرب مستمعيها وقراءها في بعض السفارات العربية والأجنبية التي تمدها فروعها بالمال كما بات معلوما منذ بيان جيفري فيلتمان امام الكونغرس عن إنفاق نصف مليار دولار في سنوات قليلة لشيطنة حزب الله وتقليض رقعة مناصريه في لبنان عبر شراء وسائل إعلام معينة وبعض الإعلاميين.
أولا في التجربة التاريخية كانت المقاومة هي التي حررت الأرض وطردت الاحتلال وليست القرارات الأممية التي ظلت معلقة لصالح العدو وممنوعة من التطبيق ولا الضمانات الدولية التي يشيع الأوهام عنها أتباع الغرب في لبنان منذ خروج جيش الاحتلال الفرنسي.
تلك حقيقة ثابتة وراسخة في وعي الناس ولم يعد يجرؤ أي من جراميز الغرب وعملائه على إنكارها بل إن مدربيهم وملقنيهم نصحوهم بمباشرة مقالاتهم ومداخلاتهم بالاعتراف بها ولذلك لا ينتابنا الشعور بالمفاجاة امام عبارات الاعتراف بدور المقاومة عموما وحزب الله بالذات في تحقيق إنجاز التحرير واقتلاع الغزاة الصهاينة من معظم الأرض اللبنانية ليتبعها دائما استدراك مستهل ب”لكن ” كبيرة. طبعا منذ الاجتياح الصهوني عام 1982 انكر هذا الطابور نفسه بأركانه وقواه الرئيسية مشروعية المقاومة ورفض الإقرار بدورها في التحرير وبكونها الخيار الوحيد امام اللبنانيين للتخلص من الاحتلال كما لم يوفر جهدا في التآمر عليها ومحاولة التخلص منها.
ثانيا اللغة البلهاء لطابور المتحاملين تجتر وضع المقاومة في تناقض افتراضي مع السيادة الوطنية والواقع الفعلي يشهد لها بإنشاء تلك السيادة والدفاع عها عندما تآمرت السلطة السياسية عليها بخضوعها للهيمنة الاستعمارية ولمشيئتها المبنية على خدمة الخطط الصيهونية المعادية للبنان وهنا ينحدر خطاب الاجترار العدائي في انحطاطه إلى ما دون مستوى رموز فكرية وسياسية بارزة في تاريخ الكيان وبعضهم كانوا أصدقاء بارزين للغرب وهكذا يناقض هؤلاء ويسقطون كل ما قاله او كتبه أشخاص مثل ميشال شيحا وموريس الجميل وريمون إده وسليمان فرنجية مجيد إرسلان ومعروف سعد ورشيد كرامي وعبدالله اليافي والإمام موسى الصدر ورعيلهم السياسي والصحافي من سائر المشارب اللبنانية حول الأطماع الصهيونية في لبنان وعن الصراع العربي الصهيوني وموقع لبنان المستهدف.
ثالثا من أتفه المجادلات السؤال عن قرار الحرب والسلم وكأن ذلك خيار لبناني فعلي فالبلد في حالة حرب منذ اغتصاب فلسطين وهو معتدى عليه ومطموع فيه وبأرضه ومياهه وقطاعه المصرفي ودوره الاقتصادي وكلما جاء رئيس وزراء اسرائيلي طامح لإثبات قوته شن عدوانا على لبنان او كرر عبارة التبجح الشهيرة باحتلاله بفرقة موسيقية وهذه الصفحة القاتمة المذلة من تاريخ لبنان مزقتها المقاومة بقدراتها المتعاظمة وهي في ردعها للعدو ومن خلال تناغمها مع الجيش الوطني تحصن السيادة الوطنية التي انشأتها بطرد الاحتلال الصهيوني ورسختها بسحق الخطر التكفيري المدبر وليس معبرا عن جوهر هذا الدور اكثر من المشهد الوطني الأصيل الذي صنعه أبطال حزب الله ورفاقهم يوم التحرير الكبير بوضع ما حرروه بالدماء من تراب الوطن في عهدة الجيش اللبناني والسلطة السياسية والدستورية اللبنانية وهذا ما تكرر بعد ثمانية عشر عاما في التحرير الثاني من عصابات التكفير التي دعمها طابور الدجالين المجترين وروجوا لها بكل صفاقة.
رابعا من الحقائق الصارخة ان الهدوء والاستقرار النسبيين بين العامين 2000 و2006 ومن حرب تموز حتى العدوان الأخير كان ثمرة تراكم القوة لدى المقاومة وبفعل قدراتها الدفاعية الرادعة وتناغمها المتواصل مع الجيش الذي تطالب المقاومة بتعزيز سلاحه وتجهيزه وتنويع مصادره وبتحريره من قبضة الارتهان الأميركي .
لقد وقع التحول الكبير بنتيجة التجربة التي انضجت المواقف الصلبة التي عبرت عنها مؤسسات السلطة منذ انتخاب الرئيس العماد ميشال عون وبفعل ما استخلصه الرئيس سعد الحريري من التجربة كما قال في حواره التلفزيوني الأخير وخلال اتصالاته بالمسؤولين الغربيين الذين رد على مطالباتهم بان أي جهة لبنانية محلية لا تملك القدرة على التصدي لحزب الله في مقاومته لعدوان صهيوني واضح مطالبا بوقف الاعتداءات التي لم تنقطع خلال ثلاثة عشر عاما بينما كان رئيس الجمهورية حازما في تاكيد حق الرد على العدوان في حين التزم رئيس المجلس النيابي بعهد الشراكة الوجودية والمصيرية وبعهد المقاومة بين حركة امل وحزب الله.
في هذا المناخ كان اللبنانيون العاديون يشعرون بالعزة والكرامة ويتضامنون مع المقاومة وقائدها ومع خطابه المنطقي والواقعي بينما حشرج طابور الاجترار وغص مطوقا بغالبية ساحقة تضعه في قفص اتهام خطير اللهم لا تخوين ! ولا إبراء !….