حسابات نتنياهو الانتخابية وشبح الخلافة ديفيد ماكوفسكي
6 آب/أغسطس
2019
عندما لم يتمكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من تشكيل حكومة ائتلافية جديدة عقب الانتخابات التي جرت في إسرائيل خلال نيسان/أبريل، اضطرت البلاد إلى تحديد موعد لإعادة غير مسبوقة للانتخابات في أيلول/سبتمبر. وفي الأول من آب/أغسطس، قدّمت كافة الأحزاب الساعية إلى خوض المعركة الانتخابية المقبلة لوائحها البرلمانية. ووفقاً لمجموعة كبيرة من استطلاعات الرأي المبكرة، قد يواجه نتنياهو وحلفاؤه في اليمين حسابات سياسية أكثر صرامة للفوز في انتخابات 17 أيلول/سبتمبر وتشكيل ائتلاف حتى من تلك التي اختبروها في نيسان/أبريل.
ليبرمان – صانع الملوك أم قاتل الملوك؟
يتمثّل التحوّل الأكبر في الانتخابات المعاد إجراؤها في الانقسام الناتج عن غضب نتنياهو من حليفه منذ زمن طويل، وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان الذي أصبح منافساً له. وقبل انتخابات نيسان/أبريل، أعلن ليبرمان أن حزبه “إسرائيل بيتنا” سيدعم نتنياهو باعتباره رئيس الوزراء المقبل. لكن بعد أن فاز ليبرمان بخمسة مقاعد، أوضح أنه لن ينضمّ إلى ائتلاف نتنياهو المقترح، وعزى ذلك إلى حد كبير إلى أن هذا الإئتلاف سيضمّ أحزاباً عازمة على عرقلة جهود تشريعية تسعى إلى ضمّ المزيد من اليهود المتشددين إلى الخدمة العسكرية الإلزامية لكافة المواطنين اليهود الآخرين. ونتيجةً لذلك، خسر نتنياهو مقعداً من الأغلبية اللازمة التي تبلغ 61 مقعداً من مجموع عدد أعضاء الكنيست البالغ 120 عضواً.
ومن خلال التصدّي لاستثناءات قانونية لا تحظى بشعبية – الممنوحة إلى مجتمع اليهود المتشددين، يعيد ليبرمان هيكلة حزبه. ففي السابق، ركّز “إسرائيل بيتنا” على قضايا تهمّ قاعدته الانتخابية الرئيسية المؤلفة من المهاجرين الروس الذين وصلوا إلى البلاد في تسعينيات القرن الماضي. ومع ذلك، احتاج الحزب إلى تركيز جديد نظراً إلى التغييرات التي شهدتها الأجيال خلال العقدين منذ تأسيسه. وبإدراكه استياء الشعب من إجراء دورتين انتخابيتين لا تفصل بينهما فترة طويلة، تعهّد ليبرمان بذكاء بالدفع نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية تنقسم بين الفائزين بأكبر عدد من الأصوات في انتخابات نيسان/أبريل، أي حزب “الليكود” وحزب “أزرق أبيض”، مما يحدّ بالتالي من النفوذ غير المتكافئ للأحزاب الصغيرة – باستثناء حزبه.
فضلاً عن ذلك، تعزّزت ميّزة ليبرمان بفضل حلّ حزب “كولانو” الذي تحالف مع نتنياهو في الآونة الأخيرة. ورغم أن زعيم الحزب اليميني غير المتطرف، وزير المالية موشيه كحلون، انضمّ من جديد إلى حزب “الليكود”، إلّا أن القرار يلغي مقاعد “كولانو” الأربعة من ائتلاف نتنياهو المحتمل (ناهيك عن حقيقة أن كحلون يقدّم نفسه كمرشح في سباق الخلافة بعد نتنياهو، والذي تتم مناقشته أدناه).
وفي خضم هذه التطورات، تشير أحدث استطلاعات الرأي إلى أن حزبي “الليكود” و”أزرق أبيض” سيفوزان بحوالي ثلاثين مقعداً لكل منهما، مما يقرّبهما من المقاعد الإحدى والستين الضرورية لتشكيل حكومة إذا ما تعاونا في ذلك. وفي الوقت نفسه، ضاعف ليبرمان على ما يبدو أصواته المتوقعة، في وقت يبدو فيه أن الأحزاب الأصغر حجماً المنقسمة بين اليمين واليسار تفتقر إلى ما يكفي من المقاعد لمنح “الليكود” أو “أزرق أبيض” أغلبية بحدّ ذاتهما. باختصار، قد تصطف الأعداد لجعل ليبرمان صانع الملوك، حيث ستتاح له الفرصة لتحديد ما إذا كانت الكنيست القادمة ستخضع لسيطرة حكومة وحدة وطنية، أو كتلة يمينية، أو كتلة وسطية.
ولعدة أسباب، يعتقد نتنياهو أن تحركات ليبرمان ترمي إلى إلحاق الضرر به. أولاً، لقد فقد ثقته بحليفه السابق منذ رفض حزب “إسرائيل بيتنا” الانضمام إلى ائتلافه في حزيران/يونيو. وتعمّقت العداوة بين الاثنين عندما ضمّ نتنياهو شخصيات من حزب ليبرمان بغية اكتساب دعم الناخبين المهاجرين لحزب “الليكود“.
ثانياً، إن خطوات ليبرمان تجعل من الصعب تشكيل حكومة يمينية بحتة، وهو ما يعتبره نتنياهو أكثر موثوقية من حكومة وحدة وطنية فيما يتعلق بعزل نفسه عن اتهامات الفساد التي قد تتمخض عن جلسة الاستماع القانونية المتعلقة به في تشرين الأول/أكتوبر. ومن بين عوامل أخرى، تشير استطلاعات الرأي إلى أن حزبيْن من اليمين، “زيهوت” (“هوية”) و “عوتصما يهوديت” (“عظمة يهودية”)، بعيدان كل البعد عن الفوز بالمقاعد الأربعة الضرورية لتخطي العتبة الانتخابية ودخول البرلمان، مما يجعل المحللين يتساءلون عما إذا كان التصويت لمرشحيهما سيذهب “هباء” فيما يتعلق بمساعدة نتنياهو على تشكيل ائتلاف.
ثالثاً، كان ليبرمان قد أعلن أنه لن ينضم إلى حكومة وحدة وطنية إلا إذا استثنت حلفاء نتنياهو الدينيين – ولا سيما الأحزاب المتشددة والفصائل اليمينية التي تتعاطف مع حركة المستوطنين، الذين اعتاد ليبرمان على تسميتهم بـ”المسيانيين”. ولطالما كانت استراتيجية نتنياهو السياسية قائمة على هؤلاء “الشركاء الطبيعيين”، لذلك لن يرغب في التخلي عنهم.
رابعاً، يصرّ حزب “أزرق أبيض” على عدم الانضمام إلى حكومة وحدة وطنية مع “الليكود” طالما يرزح نتنياهو تحت سحابة قانونية. وبعيداً عن انتقاد “أزرق أبيض” على هذا الطلب، استخدمه ليبرمان لإثارة المسألة الحساسة المتمثلة بخلافة “الليكود”، وحث الحزب على النظر في مرشح آخر وجاء على ذكر اسم رئيس الكنيست يولي إدلشتاين.
الخلافة كأداة للحملة الانتخابية
أدّى ذكر ليبرمان لأدلشتاين خلال ظهور تلفزيوني له في 3 آب/أغسطس إلى إشعال فتيل الحراك في صفوف “الليكود”. ففي غضون ساعات من تصريحاته، وقّع جميع الأعضاء في القائمة الانتخابية للحزب – بمن فيهم إدلشتاين نفسه – كتاباً تبرأوا فيه من الفكرة وأكدوا على أن نتنياهو هو مرشحهم الوحيد لرئاسة الوزراء. وهذا النوع من إعلان الولاء لم يسبق له مثيل في تاريخ السياسة الإسرائيلية.
وتردّد أن نتنياهو شجّع هذا التعهد، ولكن هل كان ذلك مؤشراً على القوة أم الذعر؟ ففي وقت سابق من العام الحالي، سعى إلى تمرير قانون يحظر على الرئيس رؤوفين ريفلين – وهو منافس آخر له والمسؤول عن اختيار رئيس الوزراء رسمياً في أعقاب أي انتخابات – من اختيار أي مرشح لا يرأس لائحة برلمانية. وتمّ سحب الفكرة، الأمر الذي يُحتمل أن يترك نتنياهو عرضةً لتحديات داخلية (خاصة وأن جمهور [الناخبين] لن يتحمل قيام جولة ثالثة من الانتخابات إذا فشل نتنياهو في الفوز في الجولة الثانية). لذلك من المهم النظر في النتائج الانتخابية التي قد تدفع حزب “الليكود” إلى التفكير في الانضمام إلى حكومة وحدة وطنية من دون نتنياهو.
لكن في الوقت الحالي، تبدو سيطرته على الحزب مطلقة. فهو لم يواجه منافساً رئيسياً منذ عام 2012، وحتى في ذلك الحين كان التحدي رمزياً. وخلال المحادثات الأخيرة مع كاتب هذا المقال، أظهر كبار المسؤولين في الحزب احترامهم له أو خشيتهم منه، ولم يظهروا أي تمرّد. وفي كثير من الحالات، لم يعرفوا حتى أسماء المستشارين المهنيين أو شركات الاستطلاع الذين لجأ نتنياهو إلى خدماتهم، واثقين من سجله الحافل في النجاحات خلال الانتخابات باعتباره سبباً كافياً للحفاظ على السلام داخل الحزب وسط سيطرته المركزية المفرطة على الحملة الانتخابية لـ “الليكود” .
كما بدا أن بعض أعضاء الحزب يخشون زوجة نتنياهو، سارة، وسلوكها “الخالي من الرحمة”. على سبيل المثال، تمّ إقالة وزيرة العدل السابقة اييليت شاكيد في حزيران/يونيو على الرغم من أنها لا تزال تُعتبر من الأصول الانتخابية المهمة لحزب “الليكود”، مما دفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأن سارة كانت مسؤولة عن هذه الخطوة نظراً لاتهاماتها بأن شاكيد كانت غير وفية لزوجها. وحتى بصرف النظر عن المصالح الشخصية للغاية في الانتخابات بالنسبة لنتنياهو، فإن الولاء غير المشروط هو من خصال حزبه؛ ففي النهاية، كان لـ “الليكود” وسلفه أربعة زعماء فقط منذ عام 1949.
وبالفعل، قد ينتهي المطاف بشبح الخلافة لصالح نتنياهو في الشهر المقبل. فقد عمل جاهداً لجعل نفسه شخصاً لا يُستغنى عنه سياسياً بالنسبة لحزب “الليكود”، وفي غياب أي خلف واضح له، يبدو أن أعضاء الحزب يفضلون إبقاءه في منصبه خلال الدورة المقبلة. حتى أن العديد من كبار المسؤولين في الحزب يعتقدون أن ليبرمان قد يحاول دمج “إسرائيل بيتنا” مع حزب “الليكود” في فترة ما بعد الانتخابات، وربما حتى يخطط لرئاسة حكومة دورية قد تجعل منه خلفاً على الرغم من تنكره لهذه الاستراتيجية. وتبعاً لذلك، يتوقع بعض المسؤولين أنه من الأفضل أن يحاول “الليكود” تفكيك قيادة “أزرق أبيض” بعد الانتخابات على أمل منع ليبرمان من إثارة مسألة الخلافة الداخلية. ويجدر بالذكر أن نتنياهو سبق أن حاول إبعاد بيني غانتس عن زملائه من قادة حزب “أزرق أبيض” بعد انتخابات نيسان/أبريل، ولكن دون جدوى.
الخاتمة
يكمن الجزء الأكبر من النجاح الذي حققه نتنياهو في الماضي في قدرته على الحفاظ على الولاء في أوساط قاعدته اليمينية والأحزاب المتحالفة معها خلال الحملات الانتخابية، ومن ثم التعاون مع الفصائل الوسطية بعد ذلك من أجل تشكيل ائتلافات قد تنجح. لكن الظروف تبدو مختلفة هذا العام. ففي نيسان/أبريل، كان مطوّقاً بتحدياته القانونية. وحالياً، إن الميزة الحسابية لليبرمان المتنامية على ما يبدو ستزيد من صعوبة تشكيل ائتلاف يميني محض، كما فعل نتنياهو في عام 2015. أما بالنسبة لاحتمال المشاركة في حكومة وحدة وطنية معه، فقد أعرب ليبرمان وحزب “أزرق أبيض” على السواء بأنهما لم يقوما بذلك في ظل الظروف الحالية.
ومع ذلك، يحقق نتنياهو النجاح عندما يعتقد أنه في موقف صعب للغاية، ويبدو أن مسؤولي “الليكود” يتقبّلون فكرة حشد قاعدتهم الانتخابية في ظل تقلّص المجال أمام زعيمهم للمناورة. وكبديل على ذلك، توقّع بعض المراقبين بأن نتنياهو قد يحاول توحيد الصفوف والتعاون مع زعيم “حزب العمل” الجديد عمير بيرتز (بيرتس) الذي كان يحاول استمالة الناخبين الشرقيين الذين يدعمون عادةً “الليكود”. وينفي بيرتز هذه التكهنات، لكن مثل هذه الشائعات تشير إلى أن نتنياهو قد يلعب أي عدد من الأوراق الحاسمة قبل الانتخابات وبعدها.
– ديفيد ماكوفسكي هو مدير “برنامج العلاقات العربية – الإسرائيلية” في معهد واشنطن.