لماذا يستهدفون إيران منذ أربعين عاما ؟
غالب قنديل
شكلت إيران قبل الثورة ركيزة رئيسية لمنظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية في المنطقة واعطيت لقب شرطي الخليج في خدمة الهيمنة الأميركية ووضعت في ركابها وبإمرتها حكومات ودول الخليج العربية فتزعمتها وقادتها خلف المعسكر الغربي وفي خدمة الكيان الصهيوني الذي عاونته إيران استخباراتيا ونفطيا في جميع حروبه الخفية والمعلنة ضد مصر وسورية والأردن ولبنان وضد جميع فصائل المقاومة والتحرر العربية من فلسطين إلى ظفار خلال عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي وكانت إيران الشاه شريكا رئيسيا في أحلاف الحروب الأميركية والغربية التي شنت لحماية إسرائيل ولتثبيت الهمينة على الشرق العربي منذ مبدأ أيزنهاور وحلف بغداد في خمسينيات القرن الماضي.
بمزاياها الجغرافية الحساسة والمهمة وبثرواتها الطائلة في باطن الأرض وفوقها وبموقعها الاستراتيجي تحولت إيران بعد الثورة إلى قلعة تحرر واستقلال “مزعجة ” لأنها ونتيجة بعد نظر قيادتها لم تغلق على نفسها واتخذت خيار التصدي للهيمنة ولمنظومتها الإقليمية بدءا بالكيان الصهيوني والتزمت عمليا بتقديم دعم متواصل للدول الحرة والمستقلة ولحركات التحرر والاستقلال وهو خيار ينسجم مع حجم إيران ومقدراتها وطموحاتها مما عرضها لأشرس الحملات الغربية والصهيونية على الرغم من التزامها الحذر في سلوكها وخطابها السياسي وعلاقاتها الدولية ومن حملها في سياستها الخارجية لروح إيجابية بناءة واستعداد للتعاون المتكافيء على قاعدة عدم الاعتداء ورفض الهيمنة وترسيخ المصالح المشتركة مع جميع الدول المجاورة وهي شروط تمسكت بها مع سائرالدول الكبيرة والصغيرة في العالم.
طيلة أربعين عاما لم تظهر إيران في موقع الافتراء على أي كان ولا في موقع العدوان على أي بلد وهي في أقصى الحالات وأقساها تتخذ مواقفها السياسية وتعلنها وتقدم تصوراتها في فهم وتقييم مواقع الآخرين ومواقفهم من مشاريع الهيمنة الاستعمارية الصهيونية ورغم نهجها المسالم تعرضت طوال أربعين عاما للحصار والعقوبات الغربية وشنت عليها بالواسطة حرب تدمير وعدوان قادها الأميركيون مباشرة.
خطر العدوى هو ما يخشاه الاستعماريون تاريخيا عبر تطور أي قلعة حرة إلى منارة إشعاع تنشر خياراتها من حولها فتدعم نزعة التحرر والاستقلال في الجوار فكيف إن سخرت مقدرات وإمكانات هائلة لديها لدعم شركائها في الخيار التحرري الاستقلالي على مستوى المنطقة كما فعلت إيران بصدق ونزاهة من خلال ما عرف بالمحور السوري الإيراني وباتت تسميته الراهنة محور المقاومة وبهذه العين تعامل الأميركيون والصهاينة مع الشراكة السورية الإيرانية منذ أربعين عاما وعبثا راهنوا على محاولات النيل منها بالغواية والدسائس وبالتهديدات المتواصلة التي كشفتها دمشق وطهران فأحبطتاها جميعا وعاد موفدو الغرب ورسل الرجعية العربية خائبين على امتداد العقود الأربعة الماضية وعندما بلغ التهديد حد تفجير حرب تدمير شاملة ضد سورية بالواسطة كانت إيران سندا حقيقيا للشريك السوري ولصموده على خيار المقاومة والاستقلال .
اليوم ترتبط إيران بشراكة عميقة مع سورية وتقدم دعما كبيرا لجميع حركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق وكذلك في اليمن وتجد فيها الإمبراطورية الأميركية ركيزة رئيسية لحلف الشرق الصاعد من خلال شراكتها الوثيقة المتزايدة الاتساع مع كل من الهند وروسيا والصين وهذا الحلف الدولي برهن في مخاض الاتفاق النووي عن تناغم كبير ودقيق في إدارة الصراع وفي محاولاته المتكررة لجذب الدول الأوروبية بعيدا عن القبضة الأميركية بسلة من الحوافز التي تحاكي مصالحها الخاصة وهو يصطدم بمتانة شبكة راسخة من المصالح والبنى الاقتصادية والمالية والأمنية والسياسية بين الولايات المتحدة والقارة العجوز.
أربعون عاما من استهداف إيران بالضغوط والتهديدات والعقوبات المالية والاقتصادية لم ينجح خلالها الغرب بإخضاعها نتيجة تماسك الشعب والقيادة في الدفاع عن المصالح الإيرانية القريبة والبعيدة وبفعل إرادة التحرر والاستقلال الثابتة في صفوف الشعب الإيراني على اختلاف تياراته.
الشراسة الاستعمارية في التعامل مع إيران ناتجة عن فاعلية القوة الإيرانية وعن جذرية استهدافها للكيان الصهيوني وقدراتها الموضوعة في تصرف محور المقاومة ولذلك باتت دوائر الحلف الاستعماري الصهيوني مسكونة بما يدعى بالرهاب الإيراني عبر مبالغة دعائية دائمة تنسب كل فعل يؤذي قوى الهيمنة الاستعمارية وادواتها إلى تخطيط وتدبير وتدخل إيراني مفترض حتى حين يكون الحدث حاصل مبادرة محلية صرفة لقوى التحرر الحليفة لإيران وهذا يمثل احد مستويات تنفيذ استراتيجية الشيطنة لإحكام تعبئة عدائية داخل دول الغرب تعزز فرص العدوان والتدخل.
طورت إيران إمكاناتها وتحالفاتها في الأربعين عاما الماضية وبالتأكيد وكما يعترف معظم الخبراء والمخططين الأميركيين والصهاينة ستكون أي حرب ضدها مواجهة على أبواب جحيم مفتوح يصعب توقع ما سيخلفه من الكوارث في انعكاسه على الوجود العسكري الغربي وعلى قواعد الهيمنة الغربية واولها الكيان الصهيوني الغاصب الذي سيكون مطوقا داخل حلقة النار التي قد تكسرها مبادرات لفصائل المقاومة من داخل فلسطين المحتلة ومن الجبهة الشمالية على تخوم خطوط القتال مع لبنان وسورية اما نصيب المصالح الأميركية في الخليج فسيكون كبيرا وعصيا على التوقع وهذه المسألة هي التي حفزت الرئيس المتغطرس دونالد ترامب لتسول الوساطة مع إيران بأي ثمن خلال الأيام القليلة الماضية.