الصلابة اللبنانية والوقاحة الأميركية
غالب قنديل
لم يبدل القادة اللبنانيون من مواقفهم ليسايروا الجلف الأميركي الزائر بل تمسكوا برؤية مبدئية منسجمة في جميع الملفات التي اتفق على اعتبارها محاور البحث في الاتصالات التي مهدت للقاءات وزير الخارجية الأميركي الذي بدا مهتما بمخاطبة نتنياهو من بيروت بدلا من المسؤولين الذين التقى بهم او التوجه إلى الرأي العام اللبناني الذي استمع منه إلى خطاب تحريض ضد المقاومة وغالبية اللبنانيين لم تنس بعد ما فعله ويفعله حزب الله في الدفاع عن وجودهم ضد غزوة داعش والقاعدة التي نالت من الولايات المتحدة وحلفائها دعما ومساندة بلا حدود وقد بنى الرئيس دونالد ترامب حملته الانتخابية على اتهام سلفه باراك اوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون بالوقوف خلف داعش وتأسيسها ودعمها.
المواقف التي صدت المسؤول الأميركي كانت هي نفسها في مقر رئاسة المجلس النيابي وفي قصر رئاسة الجمهورية وكذلك في مقر وزارة الخارجية بينما في لقائه مع رئيس الحكومة تقول المعلومات إنه سمع تفسيرا لاضطرار يلزم رئيس الحكومة بالتعايش مع وزن حزب الله الشعبي ودوره في الحياة الوطنية الذي يؤهله بسبب حجمه النيابي والسياسي ليكون ممثلا في الحكومة بينما اكد عون وبري على فكرة حزب الله المقاوم والشعبي الذي يستمد المشروعية من حقيقة الاحتلال والعدوان.
ندب بومبيو في بيانه الجاهز قتلى المارينز الذين لم يقل شيئا عن كون مهمتهم في بيروت كانت مؤازرة الاحتلال الصهيوني الذي ارتكب المجازر وفرض الاستسلام اللبناني لاتفاق 17 أيار وان انتفاضة شعبية واسعة اطاحت بكل ركائز تلك المرحلة واوجبت هروبا أميركيا من الجحيم وهرولة الاحتلال الصهيوني في تراجعه وانحساره عن الأرض التي اجتاحها عام 1982 بمشاركة دول الناتو وقواتها متعددة الجنسيات.
اظهرت المواقف التي نقلت عن القادة اللبنانيين تماسكا وانسجاما ووضوحا في رفض التنازل عن حقوق لبنان السيادية في البر والبحر وتصميما على رفض الربط بين عودة النازحين وما يسمى بالحل السياسي في سورية وإصرارا على مواصلة المسار الذي رسمته مبادرات لبنان بالتنسيق مع السلطات السورية والتي شملت ما يفوق مئة وسبعين ألفا من العائدين السوريين.
خرج بومبيو عن اللياقات الدبلوماسية وتكلم بوقاحة شديدة مستهدفا حزبا لبنانيا مقاوما سمع ما يكفي عن مشروعية دوره وفق النظرة الرسمية اللبنانية ومن الواضح ان ذلك هو الفرض الذي امر بتلاوته على مسامع نتنياهو من بيروت في تصرف صفيق وأرعن لايخرج عن تقاليد هذه الإدارة المتعجرفة.
العصاب الأميركي في الحديث عن حزب الله كان هو الطابع الوحيد لنص بيان بومبيو الذي ألقاه وقد ذكر اسم الحزب ما يفوق العشرين مرة محاولا تحريض اللبنانيين عليه وهم يعلمون بدقة حقيقة تضحيات الحزب ومواقفه ويعرفون كذلك في غالبيتهم ان ما يهم دونالد ترامب وفريقه هو اسرائيل وخطط الصهيونية العالمية للهيمنة على الشرق العربي وبالذات بنيامين نتنياهو ومعركته الانتخابية قبل أي شيء آخر.
الولايات المتحدة غارقة في مستنقع العجز والفشل بعدما حل بغزوتها الاستعمارية في المنطقة وقد فشلت حربها بواسطة داعش والقاعدة على سورية والعراق ولبنان بينما خطتها في اليمن تترنح امام ضراوة المقاومة الشعبية وإسرائيل باتت مردوعة فاقدة لزمام المبادرة وهو ما تعرفه واشنطن بالتجربة منذ رضوخها مع إسرائيل لانتشار الجيش العربي السوري مجددا على جبهة الجولان بينما حسابات الحروب الكبرى في الميزان حاصلها كارثة وخيبة مرجحة لاسيما على جبهة لبنان.
لقد نجح حزب الله في تحويل التهديد إلى فرصة والمستنقع الذي تمناه المخططون الأميركيون والصهاينة للحزب ولقوته في سورية تحول إلى مصدر لتعاظم قدراته وإمكاناته وخبراته بشكل تعبر عنه كوابيس القادة الصهاينة.
لم يبق بيد واشنطن سوى العقوبات المالية والمصرفية التي تطال الاقتصاد اللبناني والشعب اللبناني برمته كما شرح الرئيسان ميشال عون ونبيه بري وهي حقيقة تفرض على لبنان دراسة أفضل السبل للتحرر من استعمارها المالي عبر تنويع الشراكات وطرق التبادل التجاري والمالي أسوة بجميع الدول التي تواجه عقوبات الصلف والتجبر الأميركي.
امام الجدار المسدود الذي صد هجمته على المقاومة انكفأ بومبيو نحوالاجتماع بأيتام فيلتمان عله يعوض الخيبة والمرارة لكن من التقاهم ينتظرون منه ترياقا ليس في جعبته علهم يستنقذون أدوارهم من الوهن والفشل والعجز وهم لم يقصروا في تنفيذ العليمات وكتابة التقارير وإعداد القوائم بأسماء من يتمنون على السيد الأميركي إدراجهم في لوائح العقوبات انتقاما من تمسكهم بالمقاومة والسيادة الوطنية فهؤلاء هم انفسهم كانوا خلف فيلتمان يتمنون انتصار العدوان الصهيوني وسحق حزب الله وتحدثوا مع سيدهم الأميركي عن معسكرات اعتقال اعدت في الجليل المحتل لجميع مناصري المقاومة في لبنان والحصيلة معروفة.