مغامرة أردوغان في المنزلق
غالب قنديل
مع انتشار الجيش العربي السوري في منبج وريفها وتبلور موقف كردي جديد عبرت عنه نداءات المطالبة بهذه الخطوة لصد التهديد التركي انتصر الصبر السوري وثبت رسوخ معادلات القوة والتماسك المبدئي في مواقف الحليفين الروسي والإيراني الملتزمين باستقلال سورية وسيادتها الوطنية وبمنع المساس بها فقد كانت تلك المباديء حاضرة في جميع التفاهمات التي عقدتها كل من موسكو وطهران مع انقرة وثبت في اول اختبار بعد الهروب الأميركي ان أي تفاهم محتمل مع رجب طيب أردوغان لن يكون على حساب سورية وسيادتها بل إن ثقل البلدين السياسي والاقتصادي والاستراتيجي مكرس لدعم الدولة الوطنية السورية ولمؤازرتها في مساعيها لاسترجاع السيطرة على كامل التراب الوطني السوري.
صدم أردوغان ودخل في هذيان وارتباك من عودة وحدات الجيش العربي السوري إلى منطقة منبج السورية التي كان يستعد لاجتياحها بنتيجة النداء المتأخر الصادر عن القوى الكردية التي ناورت وترددت طويلا في ذلك إلى ان بات الهروب الأميركي امرا واقعا ولاحت نذر الاجتياح التركي العدواني.
لم يعر بعض القادة الأكراد في سورية اهتماما لتحذيرات السفير السابق روبرت فورد الذي صحت نبوءته بهروب اميركي مستعجل مع فارق ان قرار ترامب بدا تجنبا استباقيا لمجابهة ضربات موجعة وضخمة كالتي استهدفت مقر المارينز ومقر السفارة الأميركية في بيروت عام 1983 بينما تبلورت مقدمات مثل ذلك الاحتمال بإرهاصات مكتومة لأنوية مقاومة شعبية سورية كانت اهم عملياتها قبل أيام من قرار الرئيس الأميركي في هجوم شنه المقاومون على مستشفى الرقة حيث يعالج ضباط وجنود اميركيون وجرى التكتم على الخسائر وعلى تلك العملية برمتها فلم تذكرها وكالات الأنباء العالمية لكن مصادر سورية محلية تحدثت عنها وأكدت وقوعها.
بدا أردوغان مربكا منذ الهروب الأميركي لكنه راهن على عدم استجابة القيادات الكردية للفرصة السورية او للنصائح الروسية والإيرانية وقد أعد العدة لنشر قوات الاحتلال التركية تحت شعار ملء الفراغ وسعى لبيع موقف لفظي لايحجب اطماعه بالحديث المتكرر عن الحفاظ على وحدة التراب السوري التي تهددها عصابت عميلة لنظامه ووحدات من جيشه المعتدي تحولت من مهمة لضمان وقف العمليات القتالية وفقا لتفاهمات أستانة إلى قوة احتلال غاصبة للسيادة السورية ووسيلة ابتزاز خطيرة في وجه الدولة الوطنية السورية.
أسقط في يد أردوغان بعد اختبار منبج لدرجة الهذيان السياسي عندما صرح بكل غطرسة واستعلاء انه لايحق للقوى الكردية ان تطالب الجيش العربي السوري بالانتشار في أرضه وبين مواطنيه لمنع الاحتلال الذي هو مزمع على مده اغتصابا وانتهاكا لجميع الأعراف والأصول الناظمة لعلاقات الدول المتجاورة وهو الذي لم يوفر جهدا في مخطط تمزيق سورية وتدميرها منذ بداية العدوان الاستعماري والدور التركي المشهود في جميع الفصول السابقة وحيث ظل أردوغان يتشاطر حتى وقوع التدابير الروسية الرادعة التي اوجبت عليه التقدم باعتذار مهين إلى الرئيس فلاديمير بوتين الذي ينظر بكامل الإعجاب والاحترام والالتزام إلى قائد سورية الصلب والفذ الذي وفر بصموده وبصلابته ورؤيته الاستراتيجية فرصة استراتيجية متينة لروسيا لاسترجاع مكانتها الحاسمة في العالم المتحول.
بعد انتشار الجيش العربي السوري في منطقة منبج خرج سكان جميع المناطق الشرقية الشمالية في سورية بمطالبات ونداءات وتظاهرات وتجمعات رفعت شعار مناشدة الجيش العربي السوري لتوسيع انتشاره صوب هذه المناطق التي كانت تحت الاحتلال الأميركي قبل هروب ترامب .
الطبيعي ان تكون كل منطقة يهرب منها الغزاة تحت سلطة الدولة الوطنية السورية وهو ما يعبر عنه الشعب السوري بجميع قطاعاته ومكوناته ورغم اعتقادنا بأن القيادات الكردية السورية تأخرت في التعبير عن هذه الإرادة فهي انصتت في نهاية المطاف لصوت الناس الصارخ وتكيفت مع لغة العقل والمنطق واستجابت لنصائح روسية وإيرانية واضحة في التعامل مع احتمالات ما بعد الهرب الأميركي لأنها كانت ستحمل امام السوريين وفي حكم التاريخ مسؤولية إتاحة الاحتلال التركي الغاشم مكان قوات الغزو الأميركية وسوف تحمل بذلك كل تبعات الجرائم العثمانية المتوقعة ضد المواطنين السوريين من العرب والأكراد على السواءعلى يد انكشارية أردوغان من العصابات السورية التابعة لاسطنبول والوحدات العثمانية المعتدية.
مرة جديدة تكشف التجربة عن ان أسلم الخيارات الكردية هو في حضن الدولة الوطنية السورية التي يعود لها فضل إبقاء الباب مفتوحا للتفاهمات الممكنة رغم العناد والتمترس والوهم الذي استغرق فيه قادة وحدات الحماية ولم يقيموا حسابا للغدر الاستعماري الصهيوني الذي خبره سائر الأكراد في المنطقة طيلة ما يزيد على قرن من تاريخ الشرق الحافل بالغزوات والمذابح.