كلام مباشر لدولة الرئيس المكلف: ناصر قنديل
– يدرك دولة الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري أن ما أنتج الصيغة الفضفاضة المقترحة في تأليف الحكومة، الذي يتحمل وحده مسؤوليته، كصاحب صلاحيات دستورية «حصرية» لا ينازعه عليها أحد ولا يتحمل عنه تبعاتها أحد. نتجت عن الصيغ الفضفاضة التي اعتمدها عندما منحه الإضافات الوزارية بغير وجه حق لتياره وحلفائه بينما مارس الإجحاف بحق خصمه السياسي الرئيسي المتمثل بقوى الثامن من آذار، في لعبة تذاكٍ لا تُخفى على أحد، فمنح مقاعد وزراية غير مستحقة لمن يهمه أمرهم وحرم مقاعد وزارية مستحقة لمن يخالفهم الرأي، فنالت الكتل حقها ونالت أشلاء بعضها حصصاً إضافية للمستوزرين. وهذا يكفي لتبيانه الخروج من تذاكي توزيع الكتل وإعادة تدويرها للإيحاء بتمثيل مزدوج مخادع تتم المطالبة به، ففي البلد ثلاث كتل كبرى، واحدة يمثلها رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر نالت حقها بـ11 وزيراً في صيغة صاحب الصلاحية «الحصرية» بتأليف الحكومة، هي 7 وزراء للتيار وفق معادلة وزير لكل 4 نواب و4 وزراء للرئيس، وتكتل قوى الرابع عشر من آذار وقد نال 12 وزيراً لقاء حجمه المتمثل بـ 44 نائباً وفق معادلة وزير لكل 4 نواب أما تكتل الثامن من آذار الممثل نيابياً بـ 45 نائباً أي المساوي لتكتل الرابع عشر من آذار، فقد منح ظلماً وعدواناً فقط 7 مقاعد وزارية، اي أقل بخمسة وزراء عن نظيره وخصمه السياسي وهما متساويان في الحجم النيابي، والخمسة الزائدة و»الفضفاضة» التي حازتها قوى الرابع عشر من آذار هي المقاعد الإضافية للمستوزرين من أشلاء الكتل، وليس المقعد الذي تطلبه قوى الثامن من آذار لأحد مكوناتها، بدلاً من خمسة تستحقها زيادة أسوة بنظيرتها قوى الرابع عشر من آذار .
– يعلم الرئيس المكلف أن كل البحث عن مساعي تسويات بالصيغ التي يسمّيها بـ «الفضفاضة» أو بسواها ليس نابعاً من البحث عن مقاعد لمستوزرين، لأن من حق قوى الثامن من آذار وليس طلباً لصدقة أو منة من دولته، أن تتمثل وفقاً لمعادلته بتمثيل كل القوى ما عداها، أي وزير لكل 4 نواب، أن تكون حصتها 11 وزيراً إذا اعتبرنا الوزير الثاني عشر في تمثيل قوى الرابع عشر من آذار حصة لرئيس الحكومة أو منصبه الواقع خارج توزيع المقاعد، كما يعلم أن تطبيق قاعدة وزير لكل 5 نواب سيتيح نيل كل من قوى 14 و8 آذار 9 وزراء وعليه بذلك شطب وزيرين من حصته وحصص حلفائه، ويمكن له تعويضهما بالتفاهم مع رئيس الجمهورية كحصة له كرئيس للحكومة، لكن تبقى حصة 8 آذار 9 وزراء تغنيها عن الحديث بتمثيل اللقاء التشاوري منفرداً، فالـ 9 وزراء هم 6 شيعة و2 مسيحيين و1 سني كتحصيل حاصل لتكوينها، ويعلم دولته أن قوى الثامن من آذار لم تفعل ذلك مراعاة لدولته، فاكتفت بطب مقعد واحد إضافي لحصتها المجحفة بـ 7 وزراء.
– يعلم دولة الرئيس أن الصيغ التي أحب تسميتها بـ «الفضفاضة» تم التداول فيها بحثاً عن مخارج تراعي مزاجه الانفعالي وعناده غير المبرر والذي لا يستقيم مع كون الأزمة ناتجة عن سوء تدبيره في إدارة صلاحياته «الحصرية» في مساعي تأليف الحكومة، ومنعاً للوقوع في «جاهلية» دستورية أخرى في تشكيل الحكومة، وبمراجعة بسيطة لما جرى في الجاهلية يعلم دولته أن أحداً لم يكن متضامناً مع كلام الوزير السابق وئام وهاب، بمن في ذلك الوزير وهاب نفسه، لكن أحداً لم يكن يتوقع أن يكون في مقام رئاسة الحكومة من يجرّد حملة عسكرية لسوق شخصية سياسية مخفورة وذليلة، لمجرد أن دولته قد غضب، من دون مراعاة الأصول القانونية والمعايير القضائية، ولا الحسابات السياسية والأعراف التي راكمتها تجارب مماثلة لدولته مع حالات أشدّ إلحاقاً للأذى بشخصيات ومرجعيات لا تقلّ عنه مكانة، ومن مواقع واضحة الخلفية المعادية للسلم الأهلي والوفاق الوطني، وطلب دولته التريث سنوات في التعامل معها خارج المعادلات القانونية والقضائية ومذكرات الإحضار، وقاد السعي للحوار معها والبحث عن تسويات ترضى بها، كحالة أحمد الأسير أو حالة مسلحي عرسال، حتى اقتنع دولته بخلاف ذلك، ولم يعارضه أحد ولم يضغط عليه أحد ولم ينازعه في صلاحياته «الحصرية « أحد بينما الحالة هنا واضحة ومحددة قانوناً، وما تم ليس إلا إستعمالا غير موفق وغير محق للصلاحية «الحصرية» لدولته، والنتائج كارثية، وكانت ستصير كارثية أكثر لولا اللجوء لصيغ يمكن تسميتها هي الأخرى بالفضفاضة، لكن ليس لحجز مقاعد للمستوزرين من أشلاء الكتل، بل لمنحه طريقاً للتراجع يناسب شخصيته الانفعالية وغضبه وعناده، ولعل هذا هو الحال أيضاً في ما يسمّيه بالصيغ «الفضفاضة» حكومياً ولأهداف طرحها، فليجنّبنا دولته جاهلية حكومية مستمرة تجلب الكارثة المتمادية على البلاد بغياب الحكومة، وليستعمل صلاحياته «الحصرية» ويُنهي العقدة بأحد الحلول غير «الفضفاضة».