بقلم ناصر قنديل

مثلث بوتين يُربك ترامب: ناصر قنديل

لا يبدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منزعجاً من إلغاء اللقاء المقرر مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فتعليقات الكرملين عن حاجة بوتين لمزيد من الوقت للقاءاته مع القادة المشاركين في قمة الأرجنتين أو تجاهل الكرملين لبيان البيت الأبيض عن تحميل التحقيقات مع ترامب داخل أميركا مسؤولية تدهور العلاقات الأميركية الروسية، تشير إلى أن توقيت اللقاء الذي بدا محرجاً للرئيس الأميركي بما سيفرضه من تفاهمات وتسويات لا يملك ترامب قدرة السير بمندرجاتها، في ظل تأزم وضعه الداخلي، هو أيضاً توقيت مبكر بالنسبة للرئيس الروسي الذي كان يرغب لإكمال مناوراته الكبرى قبل إنضاج معادلات تتيح تحقيق المزيد من الإنجازات التي يتم ترصيدها في التسويات .

بالتزامن مع تحضيرات قمة الأرجنتين وفرضية اللقاء الروسي الأميركي على هامشها، كانت تتحرّك بسرعة ثلاث مناورات كبرى للرئيس الروسي، بمفهوم المناورة كحركة استراتيجية، وليس كما هو رائج للمفهوم بصفته عملية خداع وتلاعب، فمن جهة كانت رسائل الردع الروسية في التعامل مع أوكرانيا تبلغ ذروتها باحتجاز السفن وتزويد شرق أوكرانيا بمقدرات عسكرية جديدة، ومن جهة مقابلة كانت المفاوضات في أستانة تسير على جبهتين، جبهة تأجيل البت بتكوين اللجنة الدستورية خلافاً للرغبة الأميركية، وجبهة السير بجلب تركيا لتغطية عمل عسكري كبير ضد جبهة النصرة بعدما استنفدت المهل التي طلبها الرئيس التركي لتفكيك النصرة سياسياً وأمنياً، وبالتوازي تثبيت مقدرات سورية الصاروخية ما يجعل أي حركة إسرائيلية معادية لسورية عالية الكلفة. ومن جهة ثالثة مواصلة التجاهل لكل الحملة التي تستهدف ولي العهد السعودي، والإيحاء باستعدادات روسية لاحتضان موقف السعودية في توقيت الضغط الداخلي الأميركي لتخفيض مستوى التعامل مع السعودية.

وصل الرئيس ترامب إلى قمة الأرجنتين منهكاً، تحت ضغوط الكونغرس والإعلام والمخابرات، وقد وصلته رسالة تبلور تكتل من 63 عضواً في مجلس الشيوخ ينقصهم أربعة فقط ليكتمل النصاب المطلوب في أي مساءلة يمكن لمجلس الشيوخ ملاحقة ترامب بها وهو كان قبل أسبوعين يتغنى بفوز الجمهوريين بأغلبية مجلس الشيوخ، ويعتبرها أركان إدارته الضمانة لعدم الدخول في أزمة دستورية في ملاحقة الرئيس ترامب، وفوق ذلك يحمل ترامب أثقال مأزق السعودية في حرب اليمن وقضية قتل الخاشقجي، وأعباء الاختناق الاستراتيجي لـ«إسرائيل» بين العجز عن خوض حرب والفشل الكبير لصفقة القرن، بينما يصل الرئيس بوتين إلى بيونس آيرس مرتاحاً لثبات معادلاته الكبرى ففي جبهة أوكرانيا المبادرة بيد روسيا، وفي جبهة سورية الجيش السوري يخرج عشية القمة من مواجهة مظفرة مع سلاح الجو الإسرائيلي الذي فشلت غاراته ببلوغ أي هدف، وعجزت طائراته عن دخول الأجواء السورية، وخرج المفاوضون الروس من اجتماعات أستانة عشية قمة الأرجنتين بإنجاز سياسي بحماية ظهر الدولة السورية في قضية اللجنة الدستورية، والتحضير لإنجاز عسكري تخشاه واشنطن في إدلب. وعلى جبهة ثالثة يصل ولي العهد السعودي إلى قمة الأرجنتين معزولاً ومصاباً بالإحباط بإلغاء مواعيده وخصوصاً فرص اللقاء بالرئيس الأميركي فيصير صيداً روسياً سهلاً، ويصل الرئيس التركي الذي كان راغباً بإظهر مكانته الوسيطة بين موسكو وواشنطن، ويتصيّد فرص وراثة السعودية في الحسابات الأميركية وقد ألغي موعده مع الرئيس ترامب، فيصير الرئيس بوتين سيد اللعبة يصول ويجول متباهياً في قاعات القمة، يضرب كفاً بكف مع إبن سلمان ليصل صوت الفرقعة إلى أذان ترامب، والكرملين يتحدّث عن زيارة بوتين إلى السعودية.

– المضحك هو حال حلفاء السعودية وأميركا في لبنان، وهم في ضياع يسألون: ماذا لو حط بوتين في الرياض وطار إبن سلمان إلى موسكو؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى