ما زال يراوغ ويحتال
غالب قنديل
أظهرت قمة طهران الثلاثية بدقة طباع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونهجه السياسي الابتزازي ويبدو واضحا من سلوكه في القمة انه أراد شراء وقت للعصابات الإرهابية العميلة التي كانت استثماره الشخصي في الحرب على سورية وهو يفتش في الفصل الأخير لمغامرته العدوانية الفاشلة في الشمال السوري عن ترضية معنوية بعدما اضطر إلى الرضوخ بإدراج جبهة النصرة على لوائح الإرهاب.
اختبأ الرئيس التركي خلف احتياله الإنساني المزعوم وتخفى خلف المطالبة بهدنة وعاد سنوات إلى الوراء باسترجاع ما تضمنه بيان جون كيري وسيرغي لافروف عام 2012 عن الفك بين عصابات الإرهاب والجماعات المسلحة المعتدلة المزعومة وهوالبيان الذي انقلبت عليه واشنطن في زمن حكم اوباما وتنصلت حكومة أردوغان بعد ذلك من التزاماتها المشابهة عشية تحرير حلب وعندما دقت الساعة كانت العصابات والزمر العميلة تقاتل معا في حزمة واحدة بدعم اميركي تركي سعودي صهيوني وقطري خليجي إلا ما تم فكه عنها من المجموعات التي التزمت دفاتر شروط المصالحات السورية ولاقت مبادرات دمشق عند فرص العفو وإلقاء السلاح او الانضمام إلى الجيش العربي السوري والقوات الرديفة.
جميع التزامات أردوغان السابقة في قلب مجموعة ضامني مقررات أستانة لم تنفذ وجرى تمييعها وهو ما خبرته القيادة السورية منذ ابتكار موسكو لفكرة مناطق خفض التصعيد وموافقة تركيا على لوائح التزامات موازية بينما أبقت المخابرات التركية على جماعاتها المسلحة في جوار الفصائل القاعدية والداعشية التي يرغب أردوغان في تنفيذ التعليمات الأميركية بالإبقاء عليها وتدويرها لتستخدم في ساحات اخرى منها روسيا والصين وإيران وخصوصا في الأقاليم العثمانية السابقة التي تتميز بجذور تركية متشابكة في وسط آسيا على رغم ما يربط الاقتصاد التركي من علاقات وثيقة بالدول الثلاث فذاك هو أردوغان المراوغ والمنافق كما وصفه الرئيس بشار الأسد غير مرة.
في ظل انطلاق العد التنازلي لتحرير إدلب مارس أردوغان مواهبه في الابتزاز خلال القمة الثلاثية مستذكرا المصالحات التي ساهم شخصيا في تعطيلها وتخريبها وفي ترهيب المعولين عليها من الجماعات المسلحة ولكنه لاقى صدا صارما وحازما من الرئيسين بوتين وروحاني فاللعب ممنوع وقرار الرئيس بشار الأسد سينفذ وأي عدوان اميركي اطلسي لن يعيق عمليات الجيش العربي السوري الذي سيرد بقسوة ومعه كامل قدرات الحلفاء من روسيا وإيران ومن قوى المقاومة فلن تترك سورية لوحدها وجميع الحلفاء يتصرفون باعتبار أي عدوان عليها استهدافا لهم بالمفرد والجمع.
أردوغان صاحب خيار عدواني في سورية تحفزه اطماع الهيمنة النافرة والظاهرة وقد اعطت القيادة السورية كل الفرص لاختبار القدرة على احتوائه في مبادرات روسية إيرانية استندت إلى كتلة كبيرة من المصالح الثنائية المشتركة التي تجمع كلا من روسيا وإيران بتركيا وقد تم توظيف ثقلها لتجميد الفاعلية العدوانية التركية التي تآكلت نتيجة ميزان القوى المتغير في الميدان السوري.
انها نهاية اللعبة التي مارسها الرئيس التركي لسنوات من الابتزاز والمناورة والكذب عملت خلالها كل من طهران وموسكو على ترك الباب مفتوحا لانضمام تركيا إلى تكتل الشرق في ظل معاملتها من قبل معسكر الغرب كدولة مارقة منبوذة ومرذولة يجري تلبيسها ثوب الإرهاب بعدما احتضنت القاعدة وداعش بتكليف اميركي اطلسي وعندما انكشفت خيوط اللعبة في سورية بفضل صمود الدولة والجيش والشعب والرئيس حملت عواصم الغرب تركيا المسؤولية والتبعات وتنصل مشغلو أردوغان الكبار من أي مسؤولية وهذا دأب الغرب مع عملائه دائما.
شاعت اوهام كثيرة وفرضيات متعددة حول خيارات أردوغان وفي قلب مجمعات الأبحاث وتخطيط السياسات الأميركية ظهرت آراء ووجهات نظر اعتبر أصحابها ان أردوغان يبدي ميلا للالتحاق بالمحور الروسي الإيراني السوري ولفك ارتباطه التاريخي بالناتو لكن قمة طهران اثبتت ان الرئيس التركي ثابت عند اطماعه الإقليمية ولم يبلغ درجة الانقلاب على مشغليه في الولايات المتحدة والحلف الأطلسي وهو يناورعلى الجميع ويماس الابتزاز لتحصيل مكاسب إضافية.
لاشك إن لطباع اردوغان أثرها الكبير في مواقفه لكنها فاعلة في مناخ مصلحي محدد فالنظام التركي الذي يقوده الأخوان المسلمون يرتبط بعلاقات اقتصادية وامنية وثيقة مع الولايات المتحدة والناتو وهو خاضع للهيمنة ولو أراد أردوغان ان ينقلب لن يستطيع وربما تجري تصفيته بذات الأيدي التي رعاها بأمر أميركي.