صدق أو لا تصدق… ترامب يتبع نصًا مألوفًا في روسيا: روبرت كاغان
روبرت كاغان من رموز المحافظين الجدد في الولايات المتحدة وهو من مروجي فكرة العداء لروسيا والصين والدفاع عن الهيمنة الأميركية الأحادية في العالم وكان من منظري الحروب الأميركية بالواسطة عبر اعتماد عصابات الأخوان والقاعدة وداعش وتصويرها جماعات ثورية ويشارك كاغان منذ الانتخابات الأميركية في الحملة على الرئيس دونالد ترامب بفعل تمرده على المؤسسة الجمهورية التقليدية.
يطمس كاغان في روايته عن الحرب الروسية الجورجية في هذا المقال نقطة انطلاق معروفة لما سمي بالأزمة الجورجية وهي مؤامرة انقلاب دبرته الولايات المتحدة وتورط فيها فريق من الخارجية الأميركية وفقا لما كشفته اتصالات هاتفية نشرت وقائعها لاحقا بين العاصمتين الأميركية والجورجية تناولت تسمية الانقلابيين لمناصبهم الجديدة بقرار أميركي سافر فما جرى في جورجيا كانت بدايته تنفيذ انقلاب دبرته الولايات المتحدة لصالح مجموعات يمينية معادية لروسيا.
قبل عشر سنوات وجه فلاديمير بوتين إحدى الضربات الرئيسية للغرب عند إرساله القوات الروسية إلى أوسيتيا الجنوبية في جورجيا المجاورة دعما للانفصاليين المدعومين من روسيا. وأمر الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي، خوفا من الغزو الشامل، قواته بالمهاجمة، وهكذا اوقعهم بوتين بالفخ، من خلال استخدام الهجوم الجورجي كذريعة، لإطلاقه الغزو الكامل، مع عشرات الآلاف من القوات، والطائرات المقاتلة والاسطول في البحر الأسود كلهم كانوا متمركزين في مواقع مسبقة وجاهزين للتحرك الفوري.
كانت الحرب الروسية الجورجية التي دامت خمسة أيام في الظاهر تستهدف بعض المناطق المتنازع عليها، لكن هدف بوتين الحقيقي كان جيوسياسي. فجورجيا مثل الجمهوريات السوفيتية السابقة الأخرى، كانت تسعى للاندماج في الغرب اقتصاديا وسياسيا، وكسب الحماية الغربية من موسكو. وخوفا من ردة فعل بوتين، رفض حلف شمال الأطلنطي ذلك الربيع أن يعرض حتى خريطة طريق للعضوية في الحلف، لكن بوتين تحرك على أي حال – لمعاقبة الجورجيين وتحذير الآخرين وإرسال رسالة واضحة إلى الغرب. كانت روسيا ستعيد تأكيد هيمنتها بالقوة.
كان رد الغرب معبرا عن شيء من اللامبالاة. إدارة جورج دبليو بوش، التي دافعت عن نداء جورجيا للحصول على عضوية حلف شمال الأطلنطي، لم تكن ترغب كثيراً في الأزمة. ومثلما اعتقد الرئيس باراك أوباما بوضوح فإن أوكرانيا لم تكن تستحق حربًا مع روسيا، فقد أنهى مستشار بوش للأمن القومي كل الحديث عن معاقبة عدوان موسكو بالسؤال: “هل نحن مستعدون لخوض الحرب مع روسيا حول جورجيا؟“.
لم يفرض بوش حتى العقوبات. قدمت الولايات المتحدة مساعدات إنسانية لكنها رفضت طلبات جورجيا باستخدام المعدات العسكرية. لقد سمح بوش للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بالتفاوض على وقف إطلاق النار، وساركوزي (الذي وافق لاحقاً على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم) توصل إلى اتفاق ترك القوات الروسية في الأراضي الجورجية، وهي باقية الى اليوم. مثلما ألقت بريطانيا وفرنسا اللوم على التشيكيين في استفزاز هتلر في الثلاثينيات، ألقت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس باللوم على ساكاشفيلي لأنه “ترك الروس يستفزونه”، حتى مع الإقرار بأن الهجوم كان “مع سبق الإصرار”.
في النهاية تمت مكافأة بوتين. وأشار سفير الولايات المتحدة السابق في روسيا مايكل ماكفول في روايته البارزة عن هذه الفترة “من الحرب الباردة إلى السلام الحار” فإن المفاهيم الأساسية لسياسة “إعادة ضبط” أوباما قد اتخذت شكلًا اخر.
في موضوع جورجيا كان الدرس المستفاد لأوباما وفريقه هو أن الولايات المتحدة بحاجة إلى علاقات أفضل مع موسكو لتجنب المواجهات المستقبلية. بعد أقل من عام على الغزو الروسي عقد أوباما أول قمة له مع الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف، وأطلق جهودًا لتهدئة الأمور مع روسيا.
أسست الحرب الروسية الجورجية لطريقة عمل بوتين ضد أوكرانيا بعد ستة أعوام بالضبط. وفي كلتي الحالتين، كان الهجوم الروسي مسبوقًا وصاحبته حرب سيبرانية واسعة و “أخبار مزيفة”.
في الحالتين، تحركت القوات الروسية بشكل سري قبل الهجوم الرئيسي. وكانت الغزوات غارقة في الغموض والارتباك، مما دفع الكثيرين في الغرب إلى إلقاء اللوم على الضحايا. في كلتا الحالتين، ادعت موسكو أنها تدافع عن السكان المؤيدين لروسيا بسبب سوء المعاملة المزعوم. لكن الهدف الحقيقي هو استعادة الهيمنة الروسية على الجمهوريات السوفياتية السابقة التي تسعى للاندماج في النظام العالمي الليبرالي – كما في حالة أوكرانيا- من خلال التفاوض على صفقة تجارية مع الاتحاد الأوروبي.
كما أظهر الهجوم الروسي على جورجيا فعالية سرد بوتين للشكوى. رغم أن روسيا ارتكبت العدوان، إلا أن الكثيرين في الغرب ألقوا باللوم على الآخرين – ساكاشفيلي ، وبوش، وحلف شمال الأطلسي–. واليوم يلوم “الواقعيون” واليسار الولايات المتحدة والغرب على استفزاز بوتين في أوكرانيا. ويقولون إن توسيع منظمة حلف شمال الأطلسي جعل بوتين والروس يشعرون بعدم الأمان. ودفع الغرب بعيدا جدا.
إنه أحد أعظم انتصارات بوتين أن هذه الرواية مقبولة على نطاق واسع اليوم في الأكاديمية الأمريكية وقطاعات كبيرة من كلا الحزبين السياسيين. وكما يوضح ماكفول ، فإنها في الغالب أسطورة، صممها بوتين لتبرير حكمه الأوتوقراطي والشخصي بشكل متزايد على شعبه. لم تمنع الأعمال الأمريكية والأوروبية بعد الحرب الباردة التعاون مع روسيا خلال تسعينات القرن الماضي، بعد 11 سبتمبر أو خلال أول سنتين من إدارة أوباما. قدمت الولايات المتحدة وأوروبا مليارات الدولارات كمساعدات لروسيا وسعت إلى المساعدة في دمج روسيا في الاقتصاد العالمي. أنشأت الولايات المتحدة ترتيبات أمنية واقتصادية ما بعد الحرب الباردة مثل مجلس الناتو وروسيا ومجموعة الثماني والمنظمة الموسعة للأمن والتعاون في أوروبا لتعزيز العلاقات مع موسكو وإعطائها صوتًا أكبر في المجالس العالمية. . وتفاوضت الدولتان وصدقتا على اتفاقيات الحد من التسلح وتعاونتا في أفغانستان وإيران.
بدأ كل هذا يتغير مع اقتراب بوتين من قبضته على السلطة في موسكو. لقد انزعج من الثورات الديمقراطية في جورجيا وأوكرانيا في عامي 2003 و 2004. لكن كما تلاحظ ماكفول، الانتخابات البرلمانية الروسية الكارثية لعام 2011 هي التي كان لها الأثر الأكبر. أدت الاحتجاجات الواسعة النطاق ضد المخالفات الانتخابية وضد عودة بوتين المخطط لها إلى الرئاسة لولاية ثالثة إلى إحياء “حجة العهد السوفييتي القديم كمصدر جديد للشرعية – الدفاع عن الوطن الأم ضد الغرب الشرير، وخاصة الإمبريالية، “إن تصوير إدارة أوباما كتهديد للأمن الروسي كان أمراً شائعاً، ولكن مع استعداد المستهلكين في الولايات المتحدة وأوروبا، نجح بوتين.
إن اتصال ترامب ببوتين ليس مستغربا. قد يكون لديه أسبابه الخاصة للبحث عن “إعادة ضبط” مع روسيا، وبالتأكيد لديه أهداف مشتركة مع بوتين على عكس أي رئيس أمريكي سابق. لكنه يتبع أيضًا نصًا مألوفًا. بعد عشر سنوات، ما زالت الدروس الحقيقية للعدوان الروسي تفلت من أيدينا.
ترجمة: وكالة اخبار الشرق الجديد-ناديا حمدان