إعادة بناء سورية: الأولويات، مصادر التمويل، الآفاق(7) حميدي العبدالله
ليس ما تقدم هو كل مرافق البنية الأساسية التي تحتل الأولوية في عملية إعادة الإعمار لما تلعبه البنية الأساسية أو التحتية من دورٍ هام في كل عملية إعادة الإعمار، بل إن مرافقَ أخرى هامة تستقطب الأولويات في هذه العملية، مثلاً مقرات الدوائر الحكومية تضررت على نحوٍ كبير. ومعروف أن الدوائر الحكومية في سورية، سواء ما يتبع للحكومة والإدارة المحلية، أو المنظمات الشعبية، مثل النقابات هي كثيرة وتنتشر على كل أنحاء البلاد، ولحق بها ضررٌ كبير، ويحتاج انتظام العمل وتقديم الخدمات لإعادة إعمار الأبنية التي كانت تشكل مقرات للدوائر الرسمية المختلفة المكلّفة تسيير شؤون ذات طبيعة إدارية وأخرى مرتبطة بمرافق اقتصادية وإنتاجية وخدمية.
أيضاً من بين عناصر البنية التحتية التي تحتاج إلى إعادة إعمار المدارس والجامعات، ومعروف أن هذا القطاع لحق به ضررٌ كبيرٌ لأنه ينتشر على امتداد الجغرافية السورية، واستخدمت الجماعات الإرهابية المدارس والجامعات مقرات لعملها وقامت بنهب محتوياتها وتسبب طرد هذه الجماعات بخراب وتهديم آلاف المدارس وعدد من الجامعات أو فروعها لاسيما في المحافظات الشرقية وفي محافظات إدلب ودرعا.
القطاع الصحيّ لحق به هو الآخر ضررٌ فادحٌ جراء الحرب التي شنّت على سورية، وتحتل عملية إعادة بناء هذا القطاع، سواء الأبنية أو المعدات، لأن يكون ضمن أولويات الدولة لتلبية احتياجات المواطنين الملحة والتي لا تقبل التأجيل إلى مراحل لاحقة.
كذلك يحتاج قطاع الاتصالات، سواء الهاتف الأرضي أو شبكات الإنترنت إلى إعادة إعمار، لأنها أولاً جزء لا يتجزأ من البنية التحتية، ولأنها ثانياً تخدم عملية إعادة الإعمار، ومن دون إعادة بناء وإعمار هذا القطاع لن تسير عملية إعادة الإعمار وفق ما تطمح إليه الدولة السورية.
وقبل كلّ ذلك، فإن عملية إعادة بناء وإعمار البنية التحتية سيكون متعذراً إذا لم يتم إزالة الردم والخراب الذي غطى مدناً بكاملها مثل دير الزور والرقة وأكثر من ستين بالمئة من مدن حلب ودرعا وحمص، إضافةً إلى عددٍ غير قليل من المدن المنتشرة في ريف دمشق. فالردم يشكل عائقاً أمام إعادة عمل مرافق البنية التحتية، سواء المياه أو الكهرباء أو المواصلات والاتصالات، وبالتالي يمكن أن يبدأ، ويجب أن يبدأ العمل لإعادة بناء البنية التحتية من عملية إزالة الأنقاض، وهي عملية سوف تستغرق وقتاً وتحتاج إلى آلاف العمال وآلاف الآليات، وتوفير الأماكن الملائمة لترحيل الأنقاض.
لا يمكن في أي حال من الأحوال تجزئة عملية إعادة بناء البنية التحتية، أو تأجيلها إلى وقتٍ لاحق, فالبنية التحتية تعريفاً هي عبارة عن الهياكل المنظّمة اللازمة لتشغيل المجتمع أو المشروع أو الخدمات والمرافق اللازمة لكي يعمل الاقتصاد. ويمكن تعريفها بصفةٍ عامة على أنها مجموعة من العناصر الهيكلية المترابطة التي توفر إطار عمل يدعم الهيكل الكلي للتطوير وإعادة الإعمار، وتشمل الهياكل الفنية التي تدعم المجتمع مثل الطرق والجسور وموارد المياه والصرف الصحي والشبكات الكهربائية والاتصالات، أي جميع ما تم عرضه، والبنية التحتية تعنى المكونات المادية للأنظمة المترابطة التي توفر السلع والخدمات الضرورية اللازمة لتمكين أو استدامة أو تحسين ظروف الحياة المجتمعة، في بلدان تعيش ظروف طبيعية، ولكن تزداد أهميتها في بلدٍ مثل سورية تعرّض لحرب تسببت بخراب ودمار نادر في كل الحروب السابقة. وفي مطلق الأحوال، وسواء كانت ظروف أي بلد عادية أم استثنائية كما هو حال سورية الآن، فإن البنية التحتية من الناحية الوظيفية «تسهل إنتاج البضائع والخدمات، بالإضافة إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية، مثل المدارس والمستشفيات» حيث تتيح الطرق القدرة على نقل المواد الخام إلى المصانع، وحسب التعريف الموسوعي للبنية التحتية فإن «البنية التحتية هي أي شيء يلزم للحياة اليومية، أي كل شيء يستخدم بشكل يومي»، وهذا يعني لا يمكن الاستغناء عنه أو تأجيله.
البنية التحتية كونها «مجموعة الوسائل والأدوات المستخدمة في تصميم وبناء المرافق والأماكن التي تتكون منها الأحياء والقرى والمدن كالطرق والحدائق العامة، أو التمديدات الكهربائية والشبكات المائية والأنفاق والجسور وغيرها»، تشكّل الخطوة الأولى في عملية إعادة الإعمار والتغلب على مخلفات الحرب، وتعافي المجتمع وعودة الخدمات، وإنهاض القطاعات الاقتصادية المختلفة.
وبسبب كل ذلك فإنها وضعت في المرتبة الأولى في أولويات عملية إعادة الإعمار. وحتى داخل عملية إعادة البنية التحتية، فإن الشروع في العمل على هذا الصعيد يحتاج إلى تنظيم الأولويات لأنه سيكون من الصعب انطلاق عملية ناجحة وسلسة من دون وضع سلم أولويات، فمثلاً عملية إزالة الأنقاض تأتي في المرتبة الأولى، لأنه من دون ذلك يصعب على الجهات المعنية الشروع في إعادة إعمار وبناء عناصر البنية التحتية الأخرى. ربما تستطيع أجهزة الدولة جزئياً الانطلاق في عملية إعادة بناء لمرافق البنية التحتية, ولكنها لا تستطيع إنجاز هذا العمل بنجاح وسرعة من دون تنظيم الأولويات داخل هذه العملية.