الحريري الذي تغيّره باكستان: ناصر قنديل
– في عام 1999 وقبل أن يتولّى الرئيس سعد الحريري أي مسؤولية سياسية لبنانية أو يتعاطى بالشأن السياسي اللبناني كان في عداد الوفد الذي ترأسه رئيس المخابرات السعودية آنذاك والذي زار باكستان لإقناع رئيس الوزراء المعتقل في السجن نواز شريف الحليف الموثوق للسعودية في باكستان بعد الانقلاب الذي قاده خصمه الذي تولى رئاسة الحكومة الجنرال برويز مشرف، وانتهت الزيارة ببقاء نواز شريف في المنفى السعودي وفقاً للتسوية التي توصل إليها الوفد آنذاك. والرئيس الحريري الشريك في صناعة هذه التسوية الباكستانية من موقعه كواحد من اهل الثقة في الأسرة المالكة في السعودية، كان يتعاطى السياسة من بابها الواسع خلافاً لما يظنّه بعض اللبنانيين من كونه دخلها مجبراً مع اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري. وبقي الرئيس سعد الحريري بعد توليه مسؤوليات لبنانية معنياً بصيانة هذه التسوية من موقع الأهمية الاستثنائية لباكستان في مكانة السعودية وموقعها، عندما تولى هو والأمير مقرن عام 2007 التدخل لدى نواز شريف بعد نهاية مدة منفاه لثنيه عن العودة إلى باكستان، لكنه لم يظهر كذلك في العام الماضي عندما زار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من موقعه الممسك بالقرار السعودي باكستان وجدّد التحالف مع نواز شريف، وفقاً لقواعده ورؤيته .
– يعلم الرئيس الحريري منذ عشرين عاماً على الأقل أن باكستان هي الرئة التي تتنفس منها السعودية زعامتها في العالم الإسلامي، في ظل عدم استقرار علاقتها بمصر وتركيا كدولتين إقليميتين إسلاميتين تطمحان بين مرحلة وأخرى إلى منافسة السعودية على زعامة العالم الإسلامي، خصوصاً بعد ظهور إيران وتطلعها لمشهد إسلامي جديد، رمت السعودية بثقلها لتعطيله. وبدا لها أن مصر لا تستطيع إقامة توازن بوجهها، وأن تركيا تميل إلى لعب أدوار متعددة في الإقليم ليس بينها المواجهة مع إيران، ما ضاعف من أهمية باكستان كعمق استراتيجي للسياسات السعودية. وباكستان ذات المئتين وخمسين مليون نسمة تبقى الدولة الإسلامية الحاسمة في تحديد مركز ثقل الزعامة في العالم الإسلامي. وهي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تملك سلاحاً نووياً. وكان التعاون السعودي الباكستاني هو الذي استولد حركة المجاهدين التي صارت تنظيم القاعدة لاحقاً بالتعاون مع المخابرات الأميركية لمواجهة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان. ولباكستان جالية تعدّ عشرة ملايين نسمة في السعودية تتوزّع بين الأعمال المدنية والعسكرية وشبه العسكرية.
– منذ الحرب السعودية على اليمن، وتراجع النفوذ السعودي في سورية والعراق، ونمو مكانة إيران الإقليمية، والسعودية تستشعر تغييراً تدريجياً في باكستان، ونزوعاً متنامياً لدور مستقل عن السعودية. ويشكل هذا التغيير تعبيراً عن تحوّلات داخلية باكستانية ومصالح اقتصادية تلعب العلاقات مع الصين وبين الصين وإيران دوراً حاسماً فيه، كما السعي للحد من تأثير الولايات المتحدة ونفوذها على الجيش الباكستاني والسعي لحلول سلمية للحرب في افغانستان عبر حلول إقليمية تتشاركها باكستان مع جيران أفغانستان وجيرانها وهم الصين وإيران والهند وروسيا. ولكل هذه التغييرات عنوان في باكستان هو عمران خان رئيس حزب الإنصاف الذي يصف الوهابية بالوباء، ويدعو لسياسة باكستانية جديدة، ويرى حجم التراجع الأميركي أمام الصين وروسيا من جهة، وحجم التراجع السعودي أمام إيران.
– مع فوز عمران خان وحزبه بالأغلبية النيابية واستعداده لتشكيل الحكومة الجديدة يعلم الرئيس الحريري أكثر من أي أحد آخر أن السعودية قد تغيّرت، ويعلم أن ما يتشارك في قوله مع حلفاء السعودية عن فاعلية العقوبات الأميركية على إيران والرهان على تأثيراتها ليس إلا بروباغندا إعلامية. وقد صار لإيران جارٌ من الغرب هو تركيا لا يقبل تطبيق العقوبات ويجاهر بمواصلة استيراد الغاز منها، ومن الشرق جار آخر سيجاهر برفض العقوبات وشراء النفط منها ومشاركتها أنابيب النفط والغاز عبر أراضيه إلى الصين هو باكستان عمران خان. ويعرف الحريري أن زعامة العالم الإسلامي تنتقل إلى ثلاثي إيران – تركيا – باكستان بعد نصف قرن من تمركزها في ثلاثي السعودية – باكستان – مصر.
– التسريع بحكومة لبنانية جديدة بلا انتظارات ورهانات خير ما يفعله الحريري قبل ظهور هذه التغييرات وآثارها المدوية.