باكستان: طهران تنتصر وواشنطن والرياض تخسران: ناصر قنديل
– ربما لم ينتبه المعنيون في العالم والمنطقة إلى أن زلزالاً جيواستراتيجياً يبدأ للتوّ. عنوانه انتبهوا إنّها باكستان، الدولة الإسلامية العظمى بعدد سكانها الذي يزيد عن مئتي مليون نسمة، والتي تمتلك وحدها بين الدول الإسلامية سلاحاً نووياً. وهي الشريك التقليدي لواشنطن والرياض في حصار التحوّلات المناوئة في العالم الإسلامي، من أيام جمال عبد الناصر إلى قيادة الحرب في أفغانستان بوجه الاتحاد السوفياتي، وتصدير الجهاديين كجيش رديف، حيث تفشل الجيوش الغربية. ولباكستان ما يسمّى بالجيش السري الضامن للاقتصاد والأمن في الخليج، بعدد من العاملين يُقدَّر بخمسة عشر مليوناً يتوزّعون العمالة المنزلية والوظائف المهنية المتنوّعة وصولاً للكثير من الأعمال في المؤسسات الأمنية والعسكرية. وباكستان دولة جوار لكل من إيران وأفغانستان والهند والصين، ولواشنطن مع كل منها حكاية. وكانت باكستان بيضة القبان الأميركية للسياسات تجاه الجيران الأربعة .
– فاز بعد عشرين عاماً من الكفاح المتواصل ضد المشاريع الأميركية والهيمنة السعودية. عمران خان الحائز على دعم قيادات الجيش والنخب الثقافية، بأغلبية نيابية تخوّله تشكيل الحكومة وقيادة البلاد. وهو صاحب مواقف معلنة رفضت مشاركة بلاده في الحرب السعودية على اليمن. ومواقفه معلنة من رفض السياسات الأميركية في المنطقة، ودعواته لتعاون باكستاني إيراني، وحلّ إقليمي للحرب في أفغانستان، من ضمن هذا التعاون. وعمران خان الوطني الباكستاني الذي يدعو لسياسة تنطلق من مصالح بلده الذي يعاني فيه ملايين الأطفال من الأمية، وخطر الموت المبكر، وتعاني أكثرية شعبه من الفقر، يسأل لماذا لا نكون المستفيد الأول في مرور أنابيب النفط والغاز الإيرانية إلى الصين ونحن بلد غير نفطي نحتاج لموارد الطاقة وعائدات المرور؟ ويجيب أن التعاون الإقليمي في جنوب شرق آسيا سيجلب الكثير من العائدات لباكستان مع مشروع الحزام والطريق الذي تقوده الصين ويلحظ لباكستان محطات برية وبحرية مهمة.
– سقوط السياسة الأميركية والسعودية في باكستان هو أحد ثمار الفشل الاستراتيجي العام للمشروع الكبير الذي كانت الحرب على سورية ومساعي عزل إيران ومحاصرتها عنوانه. وباكستان الدولة المتعددة مذهبياً، حيث ربع سكانها من الشيعة، وثلاثة الأرباع من السنة تجد في وصفات خان فرصتها لمنع الفتن من تفتيتها وإدخالها الحروب الأهلية. وهو لا يمانع بالقول إن الوهابية هي آفة العصر ويجب استئصالها من باكستان، لأنها دخيلة على الإسلام. فأسماه السعوديون لهذا السبب بتلميذ قم، وبين التحوّلات التركية والباكستانية، تبدو إيران في قلب أكبر تجمع إسلامي سني، في بلدين يحتاجان للنفط والغاز ولمرور الأنابيب الإيرانية في أراضيهما. في لحظة ضعف أميركية، ومن خلف الثنائي الإيراني التركي تقف روسيا، ومن خلف الثنائي الإيراني الباكستاني تقف الصين، وعلى الواجهة الخليجية والمتوسطية لإيران تقف سورية والعراق، كعنوان للعلاقات العربية لإيران، بخمسين مليون عربي، وجيشين قويين ومقاومة تزداد قوة، ويصير الحصار الأميركي لإيران سراباً وأوهاماً، بل تبدو إيران وسط حلفاء يزدادون عدداً ومقدّرات وامتدادات، بحيث باتت آسيا أقرب لمدى حيوي لإيران، فيحق للإيرانيين القول إن ما جرى هو هدية إلهية تتحول معه إيران دولة عظمى، فيما خصمها في العالم الإسلامي يعيش نزاعاته الحدودية مع جارين مهمّين هما قطر واليمن، ويدّعي أنه سيقود العالم الإسلامي.
– الفتنة المذهبية مع تحوّل باكستان ستصير شيئاً من الماضي. فهي أول المتضرّرين منها. وهي صاحبة الشرعية بخوضها أو نبذها، ومهم التذكر أن باكستان دولة إسلامية عريقة وعميقة، لا تقلّ شأناً عن مصر وإيران والعراق بموقع مراجعها ومدارسها الدينية، وتسمية طالبان ذات منشأ باكستاني. وهي تطلق على تجمع طلاب المدارس الدينية. وبالنسبة للأميركي باكستان النووية العسكرية، قضية بذاتها. ويكفي القول إن صمود إيران وثباتها وتغييرها قواعد الاشتباك بين العالم الإسلامي والغرب، بين عبثية وتخريب التطرّف وتبعية الخليج، بالمعاملة الندية القائمة على المصالح والاحترام بدأ يعطي ثماره برسم المثال والنموذج تصوغه كل حالة على طريقتها. وهذا بعض متضمّن في الحالتين التركية والباكستانية، سينمو رغم كل التعرجات.