القوات الخاصة الأميركية سلاح رديف وذراع للسياسة الخارجية د.منذر سليمان
تعاظم اهتمام المؤسسة العسكرية الأميركية بفرق نخب القوات الخاصة مع تبلور سياسة الهيمنة والسيطرة والغزو الأميركية مطلع الألفية الثانية بولاية الرئيس الأسبق جورج بوش الإبن، وتبنيها لشعار “الحرب الكونية على الإرهاب.” كما لعبت دوراً هاماً في العدوان الأميركي على فييتنام عرفت “بالقبعات الخضر،” آنذاك.
ذاع صيتها مع دخول سلاح الطائرات المسيّرة لأغراض “الاستطلاع والتجسس والبحث” وتسخيرها لأهداف منتقاة، والتحليق في الليل باستخدام تقنية متطورة للإضاءة والاستشعار، ومن ضمنها القيام بعمليات اغتيال. وأضحى مزيج من القوات الخاصة والطائرات المسيّرة السلاح المفضل لدى الرؤساء الأميركيين لشن حروب واعتداءات بعيداً عن المساءلة الداخلية، من ناحية، وتضمين كلفتها وميزانياتها المتصاعدة في موازنة وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية.
باستثناء هوية قائد القوات الخاصة المعلنة فإن طواقمها من الأسلحة المختلفة، البرية والبحرية والجوية، لا يعرف عنها الكثير لتحديد هوية اعضائها.
للقوات الخاصة قيادة مركزية استحدثتها البنتاغون في 16 نيسان/ابريل 1987 مقرها في قاعدة ماكديل الجوية بولاية فلوريدا؛ وتوسعت مهامها وقواها البشرية والمادية في عام 2004 وفق قرار رئاسي يخولها “.. مسؤولية الإشراف على تناغم خطط وزارة الدفاع لمكافحة شبكات الإرهاب العالمية والقيام بعمليات على الصعيد الدولي، حسب التعليمات الصادرة.” بعبارة أخرى كلفت القوات الخاصة بتنسيق وتحديد اولويات العمليات العسكرية وإطلاع هيئة الأركان المشتركة عليها قبل تنفيذها. (موقع قيادة عمليات القوات الخاصة الالكتروني).
تضم القوات الخاصة نحو 60،000 عسكري (لعام 2017)، ارتفعت لـ 70،000 منتسب من مختلف الأفرع العسكرية: القوات البرية ومجموعة القبعات الخضر؛ سلاح مشاة البحرية والضفادع البشرية؛ قوات النخبة في سلاح المارينز؛ سلاح الجو وطواقمه التكتيكية.
زيادة الأعداد البشرية للقوات رافقها توسيع رقعة انتشارها فهي تشن حروباً “سرية” في نحو 149 دولة (لعام 2017) مما يعادل 75% من مجموع الكتلة البشرية في العالم قاطبة. بيانات قيادة القوات الرسمية تدل على تزايد مضطرد في انتشارها عبر العالم منذ عام 2006. “.. 54% من القوات ذهبت لمنطقة الشرق الأوسط الكبير في عام 2017؛ نحو17% الى دول إفريقية و 16% لمناطق متعددة في اوروبا” أغلبها لدول تقع بمحاذاة الحدود مع روسيا.
للمقارنة، بلغ عدد أفراد القوات الخاصة المنتشرة عام 2001 نحو 2،900 عنصر. بالمقابل، تشير البيانات الرسمية الحالية إلى نحو 8،300 عنصر. ميزانية القوات لعام 2001 ما ينوف عن 3 مليارات دولار؛ وحاليا تتعدى 12 مليار دولار. بالمعدل، وفق البيانات عينها، يحصى انتشار نحو 8،000 عنصر يومياً في 90 دولة تقريباً؛ يتحمل سلاح الجيش وقواته الخاصة وزر نحو 60% من مجموع العمليات الخارجية والذين ينتشرون على أراضي 70 دولة. أما وحدات الضفادع البشرية التابعة لسلاح البحرية فلديها ما يقرب من 1،000 عنصر ينتشرون على نحو 35 دولة.
عمليات القوات الخاصة المنتشرة عالمياً تحاط بجدار من السرية إلا في بعض الحالات النادرة التي تمنى فيها بمقتل بعض افرادها أو تسريب معلومات يقوم به أفراد من قوات الدول المشاركة في العمليات، كما شهدنا في ليبيا والصومال وتشاد ومالي.
مأزق القوات الخاصة
نظراً لطبيعة المهام الحساسة المنوطة بتلك القوات فإن برامج تدريبها وتأهيلها تعد أطول من نظرائها في الأسلحة الأخرى وأكثر كلفة، فضلاً عن خروج إرادي بمعدلات أكبر لأعضائها لعدم القدرة على تحمل المزيد من الضغوط النفسية والشخصية عليهم.
كما أن اتساع رقعة انتشارها عبر العالم، بقوات محدودة العدد نسبياً، فالمتوفر منها لتنفيذ عمليات ذات طبيعة حساسة، سواء في الشرق الأوسط أو ساحات أخرى ملتهبة، ليس كافيا، مما يستدعي تخفيض عدد القوات المخصصة للقتال في ساحات “غير ساخنة.”
وقد أوضح وزير الدفاع جيمس ماتيس حجم المعاناة داخل تلك القوات بقوله للكونغرس “.. سنمضي قدماً في تنفيذ الحملة ضد الإرهاب؛ لكن أولوية الاهتمام بالنسبة للأمن القومي للولايات المتحدة هي لمسرح تنافس القوى العظمى، وليس الإرهاب” في إشارة إلى روسيا والصين.
أمام هذه اللوحة من رقعة الانتشار الواسعة ومأزق التدريب وصون المنتسبين للقوات الخاصة لخدمة أطول، تتداول البنتاغون بعض الخيارات “القاسية،” كتخفيض عدد القوات بنسبة 25% على امتداد 18 شهراً، على أن يبلغ نسبة 50% بعد ثلاثة أعوام، وما ستتركه من تداعيات على عمليات مكافحة الإرهاب.
وشخصت يومية نيويورك تايمز حالة التقليص في المسرح الإفريقي والتي ستطال نحو 700 عنصر وهو رقم مماثل لما كان عليه عددها في عام 2014. واضافت نقلاً عن مصدر رفيع في البنتاغون أن قيادة القوات الخاصة الأميركية في إفريقيا عممت على عناصرها “عند التخطيط لتنفيذ مهام قتالية يفضل عدم الانخراط المباشر في القتال أو عدم الذهاب من الأساس.”
بيانات ميزانيات وزارة الدفاع لعام 2019 لا تشير إلى نية تقليص عدد القوات الخاصة، بل على العكس تطالب بزيادة أفرادها بنحو 1،000 عنصر جديد؛ ويتهيأ الكونغرس للمصادقة على مضاعفة العدد المطلوب إلى 2،000 عنصر.
التطورات الدولية الراهنة حفزت بعض قيادات الكونغرس النافذة إلى حصر مسرح عمليات القوات الخاصة بالمهام السرية، واعفائها من مهام تدريب القوات الأخرى. ونقل عن مكتب السيناتور الجمهورية جوني ايرنست قولها أنه “ينبغي علينا إشراك القوات العسكرية التقليدية لتنفيذ مهام تناسبها أينما كان ملائماً لها، ونقل مسؤولية تنفيذ العمليات للقوات المحلية.”
رئيس قيادة القوات الخاصة، ريموند توماس الثالث، اوضح للكونغرس مأزق المهام المنوطة بالقوات الخاصة قائلاً “.. لماذا ينبغي على وحدات القبعات الخضر وسلاح الضفادع البشرية إيجاد حل لقضايا تتعلق بالأمن القومي – المسائل الإستراتيجية تنبغي معالجتها من قبل صناع القرار السياسي ..”
علاقة عضوية مع الإعلام
يشار إلى أن التعاون الوثيق بين صناعة هوليوود والمؤسسة العسكرية الأميركية ليس حديث العهد؛ وانضمت هوليوود لمساعي المؤسسة العسكرية لترويج دور تلك القوات وانتاج مادة فيلمية تمجّد “الجانب الإنساني في مكافحتها مفاصل الإرهاب.” شرعت وكالة الاستخبارات المركزية عام 1996 بالإعلان عن إنشائها مكتباً للتنسيق بينها وبين “صناعة الترفيه، وتقديم خبرة المستشارين من ضباط الوكالة” للمنتجين.
في منتصف عام 2012، شهدت الأسواق التجارية طرح فيلم يحكي قصة زائفة لفريق من القوات الخاصة الأميركية “بالتنسيق مع نظرائهم في النرويج واستراليا،” لإنقاذ عمدة مدينة تامبا بولاية فلوريدا بعد أن أصبح رهينة. وبطريق “المصادفة،” شهدت تلك الفترة ترشيح ميت رومني للانتخابات الرئاسية نيابة عن الحزب الجمهوري، وما تحمله من دلالات لصوغ الوعي الجمعي وتوجيهه بالتفاعل الإيجابي مع التشكيلات العسكرية – القوات الخاصة.
ماذا بعد
منذ انشاء وحدات القوات الخاصة، برع الرؤساء الأميركيين المتعاقبين في تسخيرها لتنفيذ مهام خارج الحدود الأميركية “في أي وقت،” مستغلين صلاحيات المنصب الرئاسي وميزاته بعدم الحصول على إذن مسبق لشن عمليات عسكرية، أو تبريرها في أغلب الأحيان. فييتنام والعراق وما بينهما تشهدان على ذلك بشل صارخ.
انطلاقاً من هذا الفهم فمن المرجح توسيع صلاحيات الرؤساء لاستخدام القوات الخاصة، وما يرافقها من معدات متطورة أبرزها الطائرات المسيّرة، في أي مكان في العالم وفق ضابية مفهوم ما “تقتضيه المصالح العليا للولايات المتحدة.”