التقاسم واستكمال الطائف
غالب قنديل
أرست مرحلة ما بعد الطائف صيغة تقاسم سياسية وطائفية للحصص في تكوين السلطة وتوزيع عوائدها المالية ومغانمها السياسية وكرست أعرافا ملازمة لها وليس ادل على ذلك من طرق تشكيل الحكومات وتركيبة المجالس النيابية والعديد من العقود والتلزيمات والصفقات التي فضحت المستور وانكشفت في مراحل النزاع لتعديل الشراكات كما حصل في ملف النفايات وعقود خصخصة جباية الكهرباء ونتائج خصخصة سوق المحروقات وغيرها الكثير.
نسبت بعض الجهات اللبنانية عامدة تلك الصيغة إلى ما جرت تسميته بالوصاية السورية لكن تمحيص الوقائع السياسية والعملية يكشف ان القوى اللبنانية التي انجزت صفقات التقاسم فيما بينها عقدت شراكات مع جهات سورية نافذة وسخرت ثقل الدور السوري وهيبة سورية لتحمي مصالحها وما أخرج عن سطوة الشركة اللبنانية السورية العابرة للحدود كان حصرا وبقرار الرئيس الراحل حافظ الأسد هو موقع لبنان من الصراع العربي الصهيوني فقد فرض الرئيس حافظ الأسد حماية المقاومة وتدخل مرارا لمنع البطش بها او الانقلاب عليها وفقا لرغبات وعمليات تحريض لم تنقطع كما فرض على قوى الشراكة اللبنانية السورية في الحكم اللبناني الرضوخ لمبدأ اعتناق الجيش اللبناني عقيدة العداء لإسرائيل والتكامل مع المقاومة.
ظل التقاسم الطائفي والسياسي قائما ومحميا حتى لحظة الخروج السوري وبعد قلب معادلة الحكم اللبناني لصالح الولايات المتحدة ووصايتها التامة إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
لقد استمرت أعراف التقاسم والمحاصصة بعد العام 2005 بوصاية اميركية سعودية وظلت صيغة السلطة وتوازناتها مبنية على تعليق استكمال تطبيق اتفاق الطائف وإسقاط مضمونه الإصلاحي من جدول الأعمال ولاسيما المادة الخامسة والتسعين من الدستور التي تنص على تشكيل الهيئة العليا لإلغاء الطائفية والتدرج في تقليص الطابع الطائفي الطاغي على بنية الدولة ومؤسساتها.
دشن النظام السياسي مرحلة جديدة بتطبيق قانون الانتخاب النسبي وقد حقق ذلك تصحيحا للتمثيل السياسي ارتضى نتائجه الجميع وقبلوا المساكنة في ظل معادلاته الفعلية لكن السؤال الأبرز يتعلق بفرص استكمال تطبيق اتفاق الطائف الذي طرحه كل من الرئيس العماد ميشال عون والرئيس نبيه بري بعد الانتخابات.
هذا التوجه يقابله ميل واضح من بعض الأطراف لمنع المس بقواعد الحكم الراهنة بل السعي إلى تأبيدها ورفض متجدد لأي خطوات إصلاحية تفتح بوابات الخروج التدريجي من حلقة احتدام العصبيات الطائفية والمذهبية التي باتت سياسيا ملازمة لأي نقاش او اختلاف في الشؤون العامة المتصلة بعمل الدولة ومؤسساتها بينما يفتح استكمال بنود الطائف بوابة تعديل فعلي لبنى النظام ولقواعد إنتاجه.
أزمة النظام اللبناني الاقتصادية والاجتماعية تشتد تفاقما بينما سجلت الانتخابات النيابية أعلى درجات التمركز في التمثيل الطائفي السياسي وشهدت تقهقرا صارخا للتيارات العلمانية واليسارية امام هذا التمركز لكن الجوهري في كل ذلك الصراع ما يزال موقع لبنان من الصراع العربي الصهيوني ومن منظومة الهيمنة في المنطقة ومن الضروري ملاحظة التناسب في إضعاف العصبيات الطائفية والشروع ببلورة وتشكيل هوية وطنية متحررة من التبعية والهيمنة.
عبثا يقارب اللبنانيون قضايا التغيير الوطني بمعزل عن قضية الصراع المركزية ضد قوى الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية ودون إدراك استحالة التعامل النظري مع لبنان كجزيرة من خارج المشهد الإقليمي والقومي العام وينبغي طرح السؤال حول الأولويات السياسية للمرحلة المقبلة من هذه الزاوية بالذات فالسؤال هل يمكن تخيل إنجاز التغيير السياسي في لبنان وحده ام يجب التفكير ضمن المدى الأوسع إن لم يكن على مستوى الوطن العربي برمته فأقله في بلدان المشرق العربي بعدما اكدت حرب داعش والقاعدة التي حركها الحلف الغربي الصهيوني ان المنطقة تمثل نطاقا استراتيجيا واحدا شئنا ام أبينا.