حول “إنجازات ” مؤتمر سيدر
غالب قنديل
تسود موجة من التهليل وهيصة سياسية إعلامية تقدم ما جرى من حفلة استدانة في باريس على انه إنجاز عظيم للعهد والحكومة ويعامل المطبلون والمزمرون كل انتقاد علمي على أنه عداء لمصلحة وطنية واعتراض لمسيرة إنقاذية فهل حقا هكذا هي الأمور؟
اولا إن فصول الاستقراض وتمادي الريعية علميا وماليا واقتصاديا وقانونيا تنتمي إلى حقبة “الإبراء المستحيل ” ودليلنا على ذلك ان مبلغا يعادل ما استدانه لبنان في مؤتمر سيدر أي إحدى عشر مليار دولار ما يزال مجهول المصير وبلا مستندات وبانتظار قطع الحساب الموضوع رهن المساومات السياسية منذ سنوات.
من المعيب ان نستدين قبل ان نجري قطع الحساب او نقيم الحساب على إحدى عشر مليار دولار ضائعة وأن نبتسم ببلادة لكيل الاتهامات ولهجاء دولتنا واجهزتها التنفيذية والرقابية وإلصاق تهمة الفساد بها في مؤتمر دولي يقدمنا منظموه كدولة فاشلة يجب الحجر عليها وتعيين وصاية انتدابية جديدة تراقب إنفاقها لما تستدينه من اموال.
من المعيب استغلال الأزمة الاقتصادية والمالية وتحويل الاجتماعات الدولية للاستدانة إلى فرع لحملات انتخابية لفريق رئيس الحكومة سعد الحريري وداعميه في الغرب والمنطقة الذي يلوحون بربط الديون بابتزاز الدولة في علاقتها بالمقاومة وباستمرار الضغوط السياسية والاقتصادية والتدخلات المصرفية تحت يافطة معاقبة حزب الله لأنه حزب مقاوم طرد الاحتلال الصهيوني والإرهاب التكفيري بالشراكة مع الشعب والجيش.
ثانيا في زمن الضيق والأزمات تضع الإدارة المالية الرشيدة العامة أوالخاصة لوائح الأولويات وتدرس قبل الاستدانة سبل وموارد إيفاء الديون والتخلص منها وهذا واجب حكومتنا الكسولة التي لم تفعل شيئا من هذا القبيل ولم تتقدم من مجلس النواب بطلب إجازة برامج وخطط توفر موارد جديدة وجدولا زمنيا للاستثمار بأموال القروض بصورة منتجة تدر عائدات على الدولة تمكنها من الإطفاء التدريجي للدين العام الذي قفز فوق التسعين مليار دولار في يوم واحد.
الحكومة تعاملت باستسهال ولا مبالاة وهي تحتفل بالاستدانة بدلا من تحذير شعبها من العواقب الخطيرة سياسيا واقتصاديا لعملية لحس المبرد المتواصل منذ اتفاق الطائف دون جدوى ومن غير أي نهوض حقيقي بالاقتصاد الذي يخنقه الركود وتسحق سياسات خاطئة مرافقه الإنتاجية.
هل تغير توزيع أبواب الموازنة لصالح قطاعات الإنتاج لنقول إن تغييرا يوحي بالثقة قد احدث على السياسة المالية قبل الاستدانة ؟ وهل جرى اعتماد الضرائب التصاعدية بحيث يكلف الأثرياء ما يتناسب مع ثرواتهم وهل تحظى منتجاتنا الوطنية بالتسهيلات التمويلية أوبالحماية الجمركية ؟ وهل ثمة برنامج حقيقي لتصنيع السياحة وانتشالها من ثنائية الكازينو والبغاء؟
ثالثا هل استكشفت حكومتنا فرص تمويل خطط تنمية منتجة من شركاء آخرين من خارج نادي باريس للديون والمرابين الدوليين ؟ وهل اتصلت بالحكومات التي لديها القدرات والإمكانات مثل الصين والهند ؟ وهل يعرف كبار المسؤولين ان السفير الصيني في بيروت لم يتسلم مسودة المشاريع التي أرسلتها الحكومة إلى باريس لمناقشتها في المؤتمر؟ وعلى الرغم من التأكيد الصيني الدائم للاستعداد التام لمساعدة لبنان من خلال العلاقة الثنائية بين الدولتين وليس ضمن اطر المؤتمرات الدولية التي تسكن كواليسها اجهزة الاستخبارات الأميركية والغربية؟
توطيد قواعد الوصاية وتثبيت الارتهان للغرب والخليج اقتصاديا هو الغاية من وراء التصميم الأحادي لمؤتمر سيدر تماما كما هو التصميم على ربط الجيش اللبناني بمصدر التسليح والتدريب الأميركي ورفض أي علاقة موازية بمصادر عالمية وإقليمية صديقة ومتاحة دون قيد او شرط مثل روسيا وإيران.
تجريب المجرب هو أسلوب العمل ونهج الأداء الحكومي القائم وكأن عشرين عاما من التخبط في الأزمات والديون لم تكفي للتعلم وبالمناسبة لم يقل لنا أي من المسؤولين شيئا عن مصير دراسة ماكينزي وما هي الأولويات التي اوصت بها وكيف تجسدت في خطة مؤتمر سيدر وعلى جدول إنفاق الديون الجديدة التي ستكون زيادة الرسوم والضرائب عل القيمة المضافة والمحروقات والتخلص من كل أشكال الدعم مصادر متخيلة لسدادها وسيدفعها أبناء الطبقات الوسطى والفقيرة من مستوى معيشتهم وضرورياتهم المتقلصة.