الحرب التجارية من يربح أمريكا أم منافسوها؟
حميدي العبدالله
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحرب التجارية على حلفاء الولايات المتحدة ومنافسيها التجاريين، وأعلن الحرب على شركاء وحلفاء الولايات المتحدة السياسيين في الاتحاد الأوروبي عند وضع ضريبة تصل إلى 25% على مستوردات الولايات المتحدة من الحديد والصلب من الاتحاد الأوروبي، كما فرض رسوماً جمركية تبلغ قيمتها حوالي (60) مليار دولار على الواردات الأميركية من الصين.
ووصف المحللون والمعلقون الاقتصاديون هذه الخطوات ليس فقط بالعودة إلى الحمائية، بل إشعال فتيل حرب تجارية تدشن مساراً معاكساً لمسار العولمة وتحرير التجارة الدولية الذي تلقى دفعاً قوياً منذ عام 1994 بعد ثلاث سنوات على انهيار الاتحاد السوفيتي، والمعسكر الشرقي.
السؤال المطروح الآن من قبل الاقتصاديين، لا ينصب فقط على الآثار والأضرار التي ستلحقها الحرب التجارية بالاقتصاد العالمي، بل وأيضاً حول من سيكون الرابح ومن سيكون الخاسر في هذه الحرب.
مما لا شك فيه أن الولايات المتحدة كانت الرابح الأكبر من العولمة وتحرير التجارة الدولية، لأن العولمة وتحرير التجارة فتحا أسواق العالم أمام المنتجات والاستثمارات الأميركية، وباتت السلع الأميركية وحتى الخدمات تغزو أسواق العالم واتسعت السوق لتضم أكثر من ملياري، مستهلك في الصين والهند وحدهما، وهذا أكبر من السوق القومية الأميركية بحوالي أربع مرات، وكان لهذا التوسع الدور الأكبر في تحقيق الأرباح الهائلة للشركات الأميركية، ورفع مستوى متوسط الدخل لدى الفرد الأميركي.
لكن من شأن العودة إلى الحمائية وإشعال فتيل الحروب التجارية أن يقودا إلى رد فعل من قبل الدول المستهدفة بالحرب التجارية، وتحديداً الصين ودول الاتحاد الأوروبي، وإلى رد فعل على الأرجح أن يتضمن إجراءات مماثلة ضد الولايات المتحدة وهذا ما صرح به المسؤولون في الصين وقاموا بتنفيذه، وفي الاتحاد الأوروبي هناك تلويح بالرد بالمثل، وهذه الإجراءات ستقود إلى عرقلة وصول السلع المنتجة في الولايات المتحدة إلى أسواق البلدان المستهدفة في الحرب التجارية، وهذا سيؤثر على مستوى الإنتاجية في الولايات المتحدة، ويقود إلى انتشار البطالة، وتناقص عائدات الخزينة الأميركية المتأتية من الضرائب.
هذا الاستنتاج هو ما دفع خبيراً اقتصادياً ذائع الصيت في الولايات المتحدة هو «بول كروجمان» إلى نشر مقال في صحيفة «نيويورك تايمز» تضمن العبارة التالية عن شن الحرب التجارية، حيث يقول حرفياً «على المستوى الاقتصادي العالمي، تبدو إدارة ترامب وكأنها تتجه نحو معركة يحتدم فيها الصراع بين مجموعتين من الأفكار شبه الميتة، ترفض كل منهما أن تموت». ويضيف ما نراه «الآن هو أنه بعد أن غادر العولميون، مثل جاري كوهين، فريق ترامب فإن كل الأشخاص الذين ينصحونه في مجال الاقتصاد الدولي، باتوا أسرى للأفكار شبه الميتة».
ليس هذا كل شيء، بل إن «إبشان ثارور»المحلل الأميركي في العلاقات الدولية، نشر مقالاً في صحيفتي «واشنطن بوست» و«بلومبيرغ نيوز سرفيس» تضمن جردة تفصيلية بالأضرار التي ستلحق بالاقتصاد الأميركي جراء إشعال إدارة ترامب للحرب التجارية. يقول ثارور «بمجرد توارد الأنباء حول قرار ترامب الجديد انخفضت مؤشرات الأسهم، في البورصات، للدرجة التي صعّدت المخاوف من اندلاع حرب تجارية وشيكة وينقل الكاتب عن مجلة الإيكونومست البريطانية قولها «إنه مقابل كل شركة واحدة ترحب بسياسات ترامب الحمائية، هناك 3 آلاف شركة تعارضها». كما نقل عن المدير التنفيذي للجنة التنمية الاقتصادية الأميركي «ستيف أودلاند» قوله إن «التجارة ليست معادلة المحصلة الصفرية. نحن نحتاج لاستيراد المنتجات الرخيصة من خارج الوطن حتى نتمكن من رفع مستوى معيشتنا» ويضيف «بما أننا نشكل 5% فقط من سكان العالم فإننا نحتاج للانفتاح على الأسواق العالمية من أجل تصدير بضائعنا والرفع من معدل نمونا الاقتصادي» وهذا يعني أن إجراءات ترامب في إشعال الحرب التجارية ليست في مصلحة الولايات المتحدة، قد تكون في مصلحة شركات تقيم فقط في الولايات المتحدة، وتوزع فقط منتجاتها داخل الأسواق الأميركية، وحتى هذا احتمال شبه معدوم، ولكنها ستلحق الضرر بغالبية الشركات الأميركية، وبالاقتصاد الأميركي، وبمستوى معيشة الأميركيين، وهذه الإجراءات تعني كمن يطلق الرصاص على قدميه.
ويؤكد ثارور في سياق رصده الأضرار الناجمة عن إشعال إدارة ترامب الحرب التجارية ولاسيما مع الصين، أن بكين «جهزت قائمة تضم ما يزيد على 120 من المنتجات التي تستوردها الصين من الولايات المتحدة، وبينهما عصائر الفواكه والنبيذ، استعداداً لفرض رسوم جمركية لاستيرادها بنسبة 15%»، ويضيف «الصين التي تعد اكبر مشترِ في العالم للطائرات النفاثة التجارية التي تنتجها شركة بوينغ، يمكنها أن تشتري الطائرات من شركة إيرباص الأوروبية، أو أي شركة أخرى غير أميركية. كما أن شركات أميركية تكنولوجية عملاقة مثل آبل وإنتيل تقوم بعمليات إنتاجية واسعة النطاق في الصين، وقد تتعرض لعقوبات وتدابير انتقامية من الحكومة الصينية» وبديهي مثل هذا التوقع لأنه ليس هناك حكومة في العالم تقبل الاستنسابية في التعامل التجاري التي يريد أن يفرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ويعرض ثارور المزيد من الانعكاسات السلبية، ولاسيما على القطاع الزراعي في الولايات المتحدة ليخلص إلى القول مستعيناً بعبارة لـ «مايكل جونسون» كبير المفاوضين التجاريين السابقين في بريطانيا «يبدو أن شعار أميركا أولاً بات يشكل تهديداً لنظام التجاري العالمي متعدد الأطراف برمته».