بقلم ناصر قنديل

لكل حربٍ بطلٌ: ناصر قنديل

تحضر في قلب التحوّلات الكبرى التي يشهدها العالم وتشهدها المنطقة أن سورية هي الساحة المقرّرة للتوازنات والمعادلات الدولية الجديدة، كما كانت أواخر الثمانينيات من القرن الماضي ألمانيا هي الساحة المقرّرة، وبمثل ما شكّل سقوط جدار برلين الحدث التاريخي الذي بشر بالتحولات الكبرى في حرب لم تقع، برز تحرير غوطة دمشق من الجيش السرّي للغرب، نقطة التحول المعاكسة في حرب وقعت، ووقعت كثيراً وبقوة، حيث لا حاجة لاستعادة كم المواقف والأوقات والأموال والحشود والخطط والسلاح التي رصدت من واشنطن وكل حلفائها. والكل هنا صفة مطلقة، للفوز بسورية، ومن ثم للفوز بغوطتها الدمشقية، كما لا حاجة لاستعادة موازية لكم التضحيات التي بذلتها سورية. ولكن الأهم هنا تلك التي بذلها حلفاء سورية تأكيداً لكون الفوز بسورية وفي قلب الحرب للفوز بها الفوز بغوطتها، هو الميزان الذي سيقرّر أي عالم وأي منطقة سيولدان من رحم هذه الحرب، وتأكيداً أن أحداً في المنطقة والعالم لن يكون بمنأى عن نتائج هذه المواجهة، وأن الطابع السوري للحرب ببعدها الوطني لا يحجب عنها هذين البعدين الإقليمي والدولي .

في مثل هذه المواجهات الكبرى يضعف المحلي أو الوطني لحساب الإقليمي والدولي، ويبلغ الضعف مرتبة الغياب والتلاشي، كما في حال سقوط جدار برلين، والحروب الكبرى التي تترك بصمتها في التاريخ كحرب تحرير فييتنام، لم تستطع بلوغ مرتبة استيلاد معادلات دولية جديدة، رغم ما رتبته من أذى لحجم القدرة الأميركية على خوض حروب جديدة لعقود، ومنحها الإلهام للشعوب التوّاقة للحرية لخوض غمار المواجهة، ولذلك بقي حضور ما هو محلي غالباً على البعدين الإقليمي والدولي، وصار الحضور الأميركي فيها محلياً أميركياً أكثر مما هو دولي، أما في حرب سورية فيصير العكس، يصير المحلي السوري دولياً، كما صار المحلي الألماني دولياً في لحظة مشابهة قبل ثلاثة عقود.

خلال سنوات الحرب برزت هيئة أركان تقودها في مواجهة ثقل الحضور والإمكانات والخطط المرصودة من جانب واشنطن وحلفائها. فالرباعي الذي شكله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الإيراني علي الخامنئي والرئيس السوري بشار الأسد وقائد المقاومة السيد حسن نصرالله، بدا بوضوح قيادة سياسية وميدانية، ترسم وتخطط وترعى كل تفصيل في السياسة والميدان، ولا يمكن ببساطة تمييز درجة التفرّغ لهذه الحرب والاهتمام بمواكبتها، أو الشعور بوطأتها، أو التكرّس لمتطلباتها، أو بذل المستحيل للفوز بها، بين أركان هذا الرباعي، فقد كان واضحاً حجم مكانة هذه الحرب ومعاركها في حركة ومواقف وتقدمات وتحمل وثبات كل من حلفاء سورية الكبار في روسيا وإيران والمقاومة، والطبيعي أن الحرب وكل معركة فيها كانت قضية القضايا وأولى الأولويات بالنسبة للرئيس السوري.

المكانة المميّزة للرئيس السوري كبطل للحرب لا ينبع من كون البلد الذي تخاض الحرب فيه، هو سورية، ولا من كون الفوز بهذه الحرب كان مستحيلاً لولا حجم التأييد الشعبي والجهد العسكري اللذين حضرا حول مشاركة الحلفاء في سورية، لكن كل متابعة لهذه الحرب وتفاصيلها، وخصوصاً لبداياتها، ولحظات الخطر فيها، ستقول إن الرئيس بشار الأسد كان يقف وحيداً في سنتها الأولى، يستنهض بالمبادرات والصمود الهادئ، شعبه وحلفاءه، لإقناع الجميع أن ما تشهده بلاده إذا كان نموذجاً مكرراً لما شهدته بلدان عربية تحت مسمّى الربيع العربي، فذلك لأن هذا الربيع مسموم وهو الوجه الآخر لحرب عالمية تشنها واشنطن تحت مسمّى الثورات لتحقيق برنامج الهيمنة الذي فشلت الحروب العسكرية المباشرة في تحقيقه، وأن سورية ستختلف عن النماذج الأخرى في كتابة سيرة صمود بوجه هذه الحرب الناعمة، حتى تتحوّل حرباً خشنة ويدرك الجميع أن مجاراتها ومسايرتها، لن تنجحا بدفع شرورها، وأن سورية مستعدّة لتحمل تبعات وتضحيات هذه المرحلة وحدها، حتى يصير حلفاؤها كما شعبها في جهوزية دخول الحلبة، كحلبة حرب بلا توقعات لحلول في منتصف الطريق بين نصر صعب وهزيمة مستحيلة، كما أن مراقبة ما بعد تحقق هذه اللحظة تقول إن الرئيس السوري كان في قلب الميدان، في كل لحظة خطر، وإن استهدافه كان في قلب جدول أعمال الحرب، وإنه يمثل كل الحلفاء في الوقوف على خط النار كقائد ميداني للحرب.

– الحرب الكبرى التي تغيّر التاريخ لها دائماً بطل، وبطل هذه الحرب هو الرئيس السوري بشار الأسد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى