مَن نصح السعودية بتفادي الحرب مع حزب الله؟
ناصر قنديل
– اعتبر الكاتب ديفيد أغناسيوس، أبرز كتاب الواشنطن بوست في شؤون المنطقة، وأحد رموز الثقافة في الفكر السياسي الأميركي المشهود له بالعمق في التحليل والتحقق من المعلومات والاتزان والتحفظ في النشر بعيداً عن الإثارة الصحافية، أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يحاول الحدّ من الأضرار بعد التطوّرات الأخيرة في قضية رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، وأشار الى أنّ ما حصل في ملف استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري من الرياض يبدو أنه أقنع كلاً من واشنطن والرياض أنه من الأفضل لمصالحهما الاستقرار في لبنان بدلاً من عدمه، وذلك على الرغم من أن ذلك يتطلّب بعض التعاون مع حزب الله، كما نقل عن مسؤول سعودي بأن السعودية تنوي التعاون مع أميركا من اجل دعم المؤسسات اللبنانية مثل الجيش، من أجل تقليص قوة حزب الله وإيران في لبنان بشكل تدريجي وعليه قال إن محمد بن سلمان يبدو أنه أدرك بأن محاربة حزب الله هي معركة طويلة الأمد وليست قصيرة الأمد .
– بالمقابل كتب رئيس قسم الدراسات في المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية إميل حكيم افتتاحية النيويورك تايمز. قال الكاتب إن المساعي السعودية لمواجهة إيران لم تكن منتجة وإن إيران تبقى متقدمة خطوة الى الامام. واضاف بان التدخل السعودي في اليمن كان مكلفاً ولم يحسم المعركة، كما نبّه الى ان الحرب على اليمن قد تؤدي الى السيناريو الذي أرادت الرياض منع حصوله، وهو تحويل أنصار الله الى نموذج شبيه لحزب الله في لبنان. وأشار الى أن الرياض تختار الساحات الخاطئة لمواجهة إيران وأن قيام الرياض بإجبار الحريري على الاستقالة جاء لمصلحة إيران وحزب الله. وأشار الى ان السعوديين دعموا السيسي وقدموا له مليارات الدولارات، إلا أن السيسي ورغم ذلك يعيد فتح العلاقات مع الأسد ويرفض الضغوط السعودية لجهة التصعيد ضد إيران.
– على مستوى موازٍ توجّهت المجلة الأميركية المحافظة ناشونال أنترست إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الانزلاق نحو مواجهة في غير مكانها، وفي التوقيت الخاطئ مع إيران، مضيفة أن خطة السعودية هي ايقاع أميركا بفخ المواجهة الدائمة مع طهران وتحدثت عن تحالف بين «اسرائيل» وآل سعود ومعارضتهما للاتفاق النووي مع إيران ومساعيهما لتصعيد التوتر في المنطقة. وشدّدت على أن دوافع السعودية ليست طائفية، بل إن هدف الرياض هو جر واشنطن الى الشرق الأوسط كي تعيد هيمنتها العسكرية وتعيد فرض معادلة إقليمية تكون لمصلحة «إسرائيل» والرياض. وشدّدت على أن تحقيق هذه الغاية لا يتطلب فقط حرباً في لبنان بل حالة نزاع مستمرة بين واشنطن وإيران، وأضافت بأن الغريب هو ان يتعاون ترامب مع مثل هذه الخطة التي قال إنها تناقض بشكل واضح المصلحة القومية الأميركية، وبأن التصرف غير العقلاني الذي يأتي بالتالي من ولي العهد السعودي لا يجوز أن ينجح بجرّ الرئيس الأميركي.
– هذه الاستنتاجات والمقالات وكثير من الدراسات التي تصبّ في الاتجاه ذاته فجّرتها ندوة عقدت في واشنطن وضمّت خبراء عسكريين وجنرالات سابقين لتخيّل سيناريو حرب تشنها السعودية كعاصفة حزم ضد حزب الله بمشاركة «إسرائيل» أو بدونها، وكانت أول قنبلة فجّرها أحد الضباط في الندوة خطفت أسماع الحضور وعقولهم، هي قوله، إن الصاروخ الذي سقط على الرياض من اليمن وقامت قيامة السعودية بعده ضد حزب الله، واتهمت حزب الله بنقله لليمن وإطلاقه بطاقم من عناصره، بات معلوماً أنه من طراز بركان 2، ومداه 1500 كلم. وهذا يعني
أنه إذا أخذنا الرواية السعودية بجدّية عن دور حزب الله في تأمين الصاروخ ونقله، أن لدى حزب الله منه وأفضل منه الكثير، أو أكثر كماً ونوعاً مما أرسل لليمنيين، ولديه رماة أشدّ مهارة في لبنان من الذين أوفدهم لليمن، فهل تعلمون أن المسافة بين بيروت والرياض هي 1470 كلم. وبالتالي ستكون الرياض في مرمى حزب الله من لبنان إذا شنّت السعودية حرباً جوية عليه أو ما تسمّيها بعاصفة الحزم 2. وإذا كانت حرب السعودية قد فشلت في اليمن، وهي حربّها الأشد قسوة والأطول مدة من التي تستطيع شنها على حزب الله، ومن ضمنها حصار لن تستطيع فرض مثله على لبنان، حصار قد تحترق خلاله العشرات من الطائرات والبوارج السعودية ويكون مناورة تكتشف فيها «إسرائيل» بعضاً من مفاجآت حزب الله، إذا بقيت خارج هذه الحرب. وفي الحصيلة لقد فشلت السعودية بعد حرب سنتين ونصف على اليمن في منع سقوط هذا الصاروخ على الرياض، فماذا سيحدث للسعودية إذا فعلت مثلها مع لبنان؟
– تتالت بعد هذه المداخلة مداخلات تستعرض سيناريوات تساقط الصواريخ على المنشآت السعودية الاستراتيجية، وبدء هجرة الأمراء والأثرياء عن السعودية وحالة الهلع التي ستصيبها، ومخاطر تفكّك مؤسستها العسكرية، بينما قال بعضهم وما مصلحة «إسرائيل» بالتورط في دفع فاتورة الغباء السعودي بحرب تكون «إسرائيل» فيها تحت رحمة صواريخ حزب الله؟ وأضاف آخرون، ومن يضمن عدم دخول سورية التي ذاقت الأمرّين من السعودية على هذه المواجهة؟ وماذا عن إيران؟ وهل من مصلحة أميركا أن تتحوّل السعودية حقل رماية للصواريخ التي قد تطال منشآت عسكرية واقتصادية اميركية تضع واشنطن أمام خيار حرب لا تريدها؟
– ربما يفسّر هذا النقاش بعضاً من المناخات التي سمحت للرئيس الفرنسي بعرض مبادرته للتسوية، ستراً للفضيحة من جهة، وتراجعاً عن خيار وصف بالانتحار من جهة أخرى، طالما لم تُطلق الطلقة الأولى بعد، وكثيرون في واشنطن يتساءلون، لماذا تختار السعودية أسوأ توقيت لمواجهة حزب الله والتقرّب من «إسرائيل»، بينما لغة المصالح تقول إن لا تمنح السعودية لحزب الله وللرئيس السوري فرصة تحرّش بهما لجعلها تدفع ثمن تورّطها في خراب سورية، فيما يقول آخرون، ربما من مصلحة «إسرائيل» عدم المبالغة في تظهير التقارب مع السعودية، إذا بقي التهور يقودها، فقد تجد «إسرائيل» نفسها في قلب حرب تعرف أنها لا تريدها.