هل هناك مصلحة إسرائيلية في حرب جديدة؟: يوآف ليمور
لقد ارتفع التوتر في الشمال هذا الأسبوع درجة. وإن كانت صغيرة، تكاد لا ترى، إلا أنه مع ذلك نجد أن الطرفين واصلا المسيرة البطيئة من التصعيد الذي من شأنه أن يدهورهما في نهاية المطاف إلى حرب الشمال الأولى .
لقد بدأ هذا صباح يوم السبت، بإطلاق الصواريخ إلى الجولان. واليوم أيضا لا تعرف الاستخبارات الإسرائيلية أن تقول من المسؤول عن هذه النار، التي في إطارها سقطت في الأراضي الإسرائيلية 4 من أصل 5 صواريخ أطلقت. سطحيا لم يبدو هذا تسللا آخر عاديا بل حدثا مخططا جيدا؛ الساعة (الخامسة صباحا)، الكمية، مكان الإطلاق (من قلب الأراضي التي يسيطر عليها الجيش السوري) وبالأساس حقيقة أنه لم تجر في تلك اللحظة أية مناوشات في المنطقة ـ كل هذا يثير الاشتباه بأن أحدا ما خلف الحدود عمل بشكل مقصود.
المشبوهون الطبيعيون بإطلاق مثل هذه النار هم ثلاثة: سوريا، حزب الله أو منظمة ثوار معينة تعمل برعايتهما. وزير الدفاع ليبرمان اختار أن يتهم حزب الله فيما قرر بأن هذه كانت تعليمات شخصية من نصرالله الذي أخفى الأمر عن سوريا، مسؤوليها وجيشها. أما في الجيش الإسرائيلي فقد فوجئوا من النشر الذي بدا نبأ استخباريا نوعيا على نحو خاص. لا توجد معلومة كهذه، كما أوضحوا. اما ليبرمان فرد قائلا إن هذا ما قيل حسب أفضل تقديره وتفكره، ولكنه شدد على أنه لن يتراجع عن كلمة قالها.
ليس واضحا ما هي مصادر ليبرمان. فقد تحدث في الكنيست، فور عودته من زيارة عمل في واشنطن. فهل سمع هذه الأمور هناك أم من مصدر أجنبي آخر وإذا كان كذلك ـ فكيف لم يطلع الجيش، برغم أن سكرتيره العسكري رافقه في رحلته، ولِمَ حبذ أن يكشف النقاب عن ذلك بالذات في استعراض شبه عادي لأعضاء كتلته في الكنيست. لقد حبذ ليبرمان ألا يبدد الغموض في هذا الشأن برغم أن المعنى واضح له: سيكون هناك من يشكك من الآن فصاعدا بما سيقوله وسيفحصه، وكذا حزب الله لا بد أنه سيبحث عن فرصة مناسبة كي يسخر من القيادة الأمنية الإسرائيلية.
ولا يزال، يحتمل أن يكون ليبرمان محقا، في أن حزب الله أو فروعه هم المسؤولون حقا عن إطلاق النار. عن أن ما يبدو ردا إسرائيليا سريعا فقد نشرت إسرائيل اسم وصورة القائد العسكري للمنظمة في جنوب سوريا ـ منير علي نعيم شعيتو، المسمى الحاج هاشم.
يفيد سياق الأمور ألّا صلة بين الأحداث. ومع ذلك فإن رفع الستارة عن شخصية ظلال كهذه، في هذا الوقت، له معنى واحد: حياته في خطر.
واجب السؤال لِمَ اختارت إسرائيل أن تنقل إلى الحاج هاشم رسالة بالكلمات لا بالصواريخ. فإذا كان بالفعل شخصية مركزية في الشبكة التي يقيمها حزب الله وإيران جنوب دمشق، على بوابة الحدود في الجولان، فلِمَ لا تقتله مثلما قتلت سلفه، جهاد مغنية وسمير قنطار، اللذين عُزيت تصفيتهما لإسرائيل. ثمة بالتأكيد سبل لعمل ذلك من دون تحمل المسؤولية ومن دون تصريحات علنية.
الجواب مزدوج: الخوف من التصعيد في الشمال، والرغبة في إثارة العالم للعمل. القسم الأول يعتمد على رد حزب الله على الحالتين السابقتين، اللتين اتهم فيهما إسرائيل بتصفية رجاله. على مغنية رد بنار الصواريخ نحو قوة جفعاتي التي قتل فيها ضابط وجندي. وعلى قنطار اكتفى بزرع ساحة عبوات لم تلحق ضررا.
معقول أن هذا كان هو المستوى الأدنى له الآن أيضا، وإسرائيل سعت إلى الامتناع ليس فقط عن الإصابات في طرفها بل وأيضا إلى الخوف الدائم ـ الذي يظهر في كل تقويم للوضع من شعبة الاستخبارات العسكرية في السنوات الأخيرة، في أنه برغم عدم رغبة الطرفين في الحرب إلا أن تبادل الضربات الموضعية من شأنه أن يخرج عن السيطرة.
القسم الآخر يرمي في واقع الأمر إلى القول للعالم، «دير بالك». الكشف عن تفاصيل الحاج هاشم كان المقدمة لما يختبىء خلفها ـ النشاط الكبير للمحور الشيعي في جنوب سوريا ـ وإسرائيل سعت إلى أن تقول من خلال ذلك إنها في هذه اللحظة تكتفي بالمتابعة، ولكن لصبرها حدود. وعندما يضاف إلى هذا بعض الأمور الأخرى التي قيلت هذا الأسبوع ـ من نتنياهو الذي وضع النشاط الإيراني في سوريا على رأس سلم التهديدات الأمنية، وحتى ليبرمان الذي قال إن إسرائيل ستعرف كيف تعالج هذا التهديد وحدها ـ فإن هذه الرسالة تتضح أكثر فأكثر.
تثبيت السيطرة الإيرانية
يعتقد الكثيرون في إسرائيل بأن ليس فقط إيران، سوريا وحزب الله، بل إسرائيل نفسها أيضا تسير هنا على حبل دقيق. فوزير الدفاع السابق موشيه يعلون واللواء احتياط عميرام لفين حذرا هذا الأسبوع صراحة من أن الهذر الزائد خطير، لأن المستوى فيه يزيد من تصريح إلى تصريح ومن شأنه أن يتدهور في أقرب وقت ممكن إلى أعمال سيكون من الصعب منعها. وعلى فرض أنه من المشكوك أن يكون أحد ما في إسرائيل يريد التصعيد ـ بالتأكيد ليس الحرب ـ يجدر العجب من الحاجة التي لا يمكن التحكم بها للحديث بهذه الكثرة الزائدة.
حزب الله يحذر حاليا من الرد على أصبع الاتهام الذي وجهته إسرائيل له ـ بما في ذلك حول مسؤوليته عن إطلاق النار وعن نشاطه في الجولان. فتاريخ المنظمة وزعيمها يفيدان بأن هذه صدمة لحظية أكثر من استراتيجية محسوبة: فالنشر عن نشاط الحاج هاشم أعطى صداه في وسائل الإعلام العربية واقتبس بتوسع في لبنان. كما أنه سيكون هناك على أي حال من سيتساءل في أعقاب ذلك إذا كان حزب الله يعرض المصلحة اللبنانية للخطر مرة أخرى، مثلما فعل في الحرب الأهلية في سوريا، وأن نشاطه في ساحات أخرى قد يشعل النار في لبنان أيضا، وهذا سيكون تساؤلا واجبا لأن حزب الله يعمل في هضبة الجولان ليس فقط ليساعد الأسد ويثبت السيطرة الإيرانية في سوريا بل وأيضا كي يبعد ساحة الحرب مع إسرائيل عن بيته، عن لبنان.
ومن شأن هذا الواقع أن يكون معاكسا. بالتأكيد عندما أوضح حزب الله بأنه سيرد من الأراضي اللبنانية على كل ما يعتبر في نظره مسا برجاله أو بمصالحه ـ ومعقول أن يفعل ذلك في المستقبل أيضا.
إن هذا التوحيد للجبهتين بين سوريا ولبنان يقلق إسرائيل جدا ليس فقط لأنه يتم تحت إدارة إيرانية واضحة لإقامة جبهة شيعية تمتد من إيران حتى البحر المتوسط، بل لأنه يقلص خطر التحكم بالنار في الأحداث المستقبلية. وذلك برغم أنه ليس للمحور الشيعي حاليا مصلحة في المواجهة، واهتمامه منصب كله لإكمال النصر في الحرب الأهلية.
معقول بالتالي أن ليس لحزب الله أية رغبة في المواجهة مع إسرائيل ولا حتى لأسياده. ولمّا كانت هذه أيضا هي المصلحة من جنوب الحدود، ومطلوب تهدئة كي لا يؤدي تواصل الصواريخ والكلام الأخير للطرفين، بخلاف إرادتهما، إلى حرب الشمال الأولى.
اسرائيل اليوم