بقلم ناصر قنديل

ذكاء التوقيت والانتقاء: معرض دمشق الدولي

ناصر قنديل

فيما يتلهّى الآخرون بمناقشة عدم مشاركته ويتلهّى آخرون بمناقشة مشاركة غيرهم، يفرض الحدث نفسه، صار معرض دمشق الدولي موضع النقاش، وهذا هو المطلوب، فقد اختارت سورية بذكاء التوقيت والانتقاء ألا تحتفل بنصر يجادلها الآخرون بمدى صحته وصدقية حدوثه، بل يكون حدثاً اعتادت واعتاد الناس على اعتباره علامة حضور للأمن والقوة والحياة الطبيعية في دمشق، وفرضت الحرب حجبه لسنوات لهذه الاعتبارات، وحوّلت الافتتاح لدورته الأولى بعد سنوات الحرب إلى مناسبة يشترك فيها الآخرون في اختبار نكهة النصر، مشاركة وتخلّفاً، وترحيباً واعتراضاً، ليشتركوا جميعاً في مناقشة مقولة واحدة، سورية تتعافى، ونحن نسبق غيرنا للحضور، أو سورية تتعافى ولماذا نتخلّف عن الحضور، أو سورية تريد مشاركتنا لتنتزع اعترافنا بأنها تتعافى، لكن الكلّ لا يستطيع التجاهل، فقد وقع الحدث وصار هو الموضوع، ولم يكن الهدف السياسي إلا هذا بالتحديد، وقد تحقق بأفضل ما يكون، وكلّ يوم يستمرّ فيه التعليق سلباً وإيجاباً، يشترك فيه المعلقون بتحقيق الهدف السوري المتجرّد، كما انتصارات الجيش في الميدان وانتصار السياسة في المنتديات والمفاوضات .

المشاركة اللبنانية الرسمية التي قادها حلفاء سورية لم تكن هي أيضاً، تهدف لأكثر من ذلك، رمي هذه الحصى في هذا الماء الراكد، ومراقبة الداوئر ترتسم على صفحة الماء، وكلّ المشاركين في رسم دوائرهم على صفحة الماء يرسمونها على صفحة سورية، تقول إنّ الحرب انتهت أو تكاد، ولكنها في سياق لا رجعة فيه نحو استرداد الدولة السورية سيادتها ومهابتها، وانفتاح اقتصادها وعمرانها على فرص لا يريد عاقل أن يكون بعيداً عنها. والسؤال السوري ليس مَن يرحّب ومَن يعترض ومَن يتحفّظ ومَن يندم ومَن يبرّر، بل السؤال السوري هو هل يشارك الجميع بالنقاش، وطالما الجواب بالإيجاب فليستمرّ النقاش، لأنه تحقيق للمزيد من الإنجاز، فهل من أحد يقول إنّ سورية بلد غير آمن بين المتحدّثين، وهل من يقول إنّ سورية ستسقط غداً والمشاركون سيحسبون أنفسهم على ضفة الخاسرين في الحرب، وطالما الجواب بالنفي فليتواصل النقاش وتزداد التعليقات. فكلها تصبّ الماء في الطاحونة السورية، إنْ أيّدت أو خالفت أو عبّرت عن أيّ موقف بين بين.

يعرف المجادلون أنّ الاقتصاد لا يعرف المجاملة، كما السياسة أحياناً، فحقائق الاقتصاد أشدّ وضوحاً من حقائق الحروب، تتلمّسها الأموال وأصحابها، والشركات وصنّاع القرار فيها، والباحثون عن الفرص في زمن الركود والكساد والأزمات، يقولون جميعاً لأهل السياسة، أنتم موجودون لخدمتنا، وليس العكس، بدّلوا سياساتكم بما يزيد من فرصنا، وإلا بدأ زمانكم ينتهي، وهذا صحيح في الغرب والشرق وفي لبنان وغير لبنان، وحدَها الدول التي تتعيّش على عائد مقطوع من جوف الأرض بعدد سكان محدود كحال دول الخليج تستطيع أن تمارس السياسة كترف اقتصادي فتخضعه لحسابات من يحميها، أو مَن يُشغل مالها أو مَن يُمسكها من رقبتها بقرارها، أو تخضعه لحسابات المشاعر والأحقاد والرغبات والطموحات، لكن الدول التي تقوم على مجتمعات تصنع وتزرع وتبيع وتشتري، فلا تملك هذا الترف، تخضع مهما كابرت فيها السياسة لحسابات المصالح، وفي حسابات المصالح قال معرض دمشق الدولي للأميركيين والفرنسيين والألمان واليابان وطبعاً، ولو بحجم مختلف للبنان، إنّ سورية فرصة القرن الحادي والعشرين تفتح أبوابها وتستعدّ لإطلاق ورشتها والغائب لن يحفظ له مقعد،

والجائزة الكبرى قد يقطفها الأقربون الذين وقفوا مع سورية، لكن الكعكة كبيرة وتتسع للجميع ما لم يتباطأوا، والذين يصلون متأخرين قد يحصلون على الفتات وقد لا يحصلون، هذا ما تقوله الصحافة الفرنسية عن لسان كبريات شركاتها لحكومتها، وهذا ما كتبته «التايمز» اللندنية في عددها أمس، وهذا ما حفلت به مئات وسائل الإعلام العالمية التي تعاملت مع الحدث برضاها أو رغماً عنها، والعنوان واحد، سورية عائدة بقوة وتنتصر، فلا تتأخروا.

إنه ذكاء التوقيت والانتقاء، يقول للمشاركين في النقاش، تأييداً ورفضاً وقبولاً واعتراضاً، تابعوا ما تفعلون، فهذا هو المطلوب، أن تعترفوا حتى بالإنكار، أنّ الحدث السوري لم يعُد الحرب ولا خطر السقوط، بل عودة العافية وكيفية التعامل معها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى