تقارير ووثائق

إسرائيل والأردن يسعيان لتخفيف أزمة القدس ديفيد ماكوفسكي

25 تموز/يوليو 2017

في 24 تموز/يوليو، اتخذت إسرائيل والأردن خطوات لنزع فتيل أزمة متفجرة بشأن جبل الهيكل/الحرم القدسي الشريف في مدينة القدس، وتعد هذه المرة الثالثة منذ عام 2014 التي تتعاون فيها هاتان الدولتان لإعادة الهدوء إلى جبل الهيكل/الحرم القدسي الشريف، أحد أكثر مناطق الخلاف في المنطقة.

وما سهّل معالجة الموقف هو إطلاق سراح حارس أمن إسرائيلي من [طاقم] السفارة الإسرائيلية في عمان بعد أن كان قد أقدم في 23 تموز/يوليو على قتل مهاجماً أردنياً وأحد المارة. ومن جهتها، وافقت السفارة الإسرائيلية في وقت متأخر من يوم 24 تموز/يوليو على إزالة أجهزة كشف المعادن المثيرة للجدل التي وُضعت عند أطراف جبل الهيكل/الحرم القدسي الشريف. وكان مسؤولون أردنيون قد أشاروا إلى أجهزة الكشف كثمن لإطلاق سراح الحارس، في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وقد تم تركيب أجهزة كشف المعادن عندما أقدم عرب إسرائيليون مناصرون للقوات المتطرفة على قتل اثنين من رجال شرطة الحدود الإسرائيلية في 14 تموز/يوليو، باستخدامهم أسلحة كانوا قد هرّبوها إلى داخل المنطقة. وقيل إن القرار الإسرائيلي بوضع أجهزة كشف المعادن دون تنسيق السلطات العربية – الأردنية والفلسطينية على حد سواء – كان الأساس المنطقي للاحتجاجات. وتصاعدت هذه الاحتجاجات في النهاية لتتحول إلى اشتباكاتٍ مع سلطات الأمن الإسرائيلية، الأمر الذي أدى إلى مقتل ثلاثة فلسطينيين يوم الجمعة 21 تموز/يوليو. وفي وقت لاحق من نفس الليلة، قَتَل مهاجم فلسطيني وحيد ثلاثة مستوطنين إسرائيليين في منزلهم في الضفة الغربية، زاعماً أنه يدافع عن جبل الهيكل/الحرم القدسي الشريف.

تهدئة الموقف

في مساء 23 تموز/يوليو، ازدادت حدة التوتر عندما وقع اعتداءٌ داخل السفارة الإسرائيلية. وفي ذلك الحادث، استخدم نجار أردني كان يقوم بأعمال الصيانة مفك براغي في محاولة لطعن إسرائيلي. وهنا تدخل حارس الأمن فأطلق النار على المعتدي وأرداه قتيلاً، كما قَتل عن غير قصد على ما يبدو صاحب المُلك الأردني البرئ إلى جانبه. واحتُجز نحو عشرين دبلوماسياً وحارساً إسرائيلياً داخل السفارة لأكثر من أربع وعشرين ساعة وسط تهديدات أمنية. وكان المسؤولون الإسرائيليون قلقون من وقوع مظاهرات أردنية عامة أمام السفارة مباشرة، مما يؤجج التوترات. وعندما لم يتمكن نتنياهو من التواصل مع العاهل الأردني الملك عبد الله، أصدر تعليماته إلى السفير الإسرائيلي في واشنطن رون ديرمر بالاتصال مع كبير مستشاري ترامب (وزوج ابنته) جاريد كوشنر في البيت الأبيض. وتحدث كوشنر مع الملك عبد الله وطلب إطلاق سراح الإسرائيلي.

وفي اليوم التالي، سارع رئيس “جهاز الأمن الإسرائيلي”، أو “الشين بيت” – الوكالة المسؤولة عن حماية الدبلوماسيين الإسرائيليين في الخارج – نداف أرغمان إلى السفر إلى عمان للاجتماع بنظرائه الأردنيين. وبينما رفضت إسرائيل السماح باستجواب الحارس، أجاز أرجمان للشرطة الأردنية بدخول مبنى السفارة في 24 تموز/يوليو للاستماع إلى رواية الحارس عن الحادثة بحضور دبلوماسيين إسرائيليين. وبعد ذلك، خرج موظفو السفارة بأكملهم في موكب وعادوا إلى إسرائيل. ووفقاً لمكتب رئيس الوزراء اجتاز جميع هؤلاء الموظفين برئاسة السفيرة عينات شلاين، ومن بينهم حارس الأمن الجريح، معبر ألنبي فى الساعة الحادية عشرة مساء. وفي الأردن، أدى الإفراج عن الحارس إلى انسحاب احتجاجي من البرلمان.

ولم تمضِ دقائق على الإفراج عن الإسرائيليين حتى صوّت مجلس الوزراء الأمني ​​الإسرائيلي على قرار بإزالة أجهزة كشف المعادن. وقال مسؤول أردني لوسائل الإعلام الإسرائيلية بعد ذلك أنه تم التوصل إلى “صفقة”، على الرغم من الجدل حول ما إذا كان ذلك مقايضة واضحة أو شيء أكثر رسمية.

دور الأردن

اضطر الأردن إلى التعامل مع هذه الأزمة بحذر. فمن جهة، تربط الأردن بإسرائيل علاقات أمنية وثيقة جداً، وقد تعمّقت بسبب المخاوف المشتركة بشأن تنظيم «الدولة الإسلامية» والجماعات الجهادية الأخرى وإيران. ومن جهة أخرى، يكتسي جبل الهيكل/الحرم القدسي الشريف أهميةً كبرى لدى المسلمين، وأن الأردن حريص جداً على تثبيت دوره كخادم هذا الحرم الشريف وحارسه، وهو دور منصوص عليه في معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن من عام 1994. وينظر الهاشميون في الأردن إلى هذا الدور بمثابة دعامة لشرعيتهم الدينية.

وتفسّر هذه الخلفية الدافع إلى عدم ظهور الأردن بصورة الطرف المنحاز إلى الجانب الإسرائيلي في مسألة أجهزة كشف المعادن. وأدى هذا الموقف العلني أيضاً إلى تقييد الإجراءات التي اتخذها الأردن في السنوات الأخيرة عندما كانت مشكلة جبل الهيكل/الحرم القدسي الشريف تخرج إلى الواجهة. وفي تلك الحالات، كان الأردن يعمل مع إسرائيل بهدوء على وضع ترتيبات تشمل نشر كاميرات أمنية لجمع الأدلة حول التهديدات المحدقة بالنظام العام في الحرم القدسي. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2015، سافر وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري إلى عمان لكي يرأس [التوقيع على] الاتفاق الذي تضمن للمرة الأولى تصريحاً علنياً من قبل نتنياهو جاء فيه أن بإمكان الإسرائيليين زيارة الموقع ولكن عدم الصلاة فيه. ومع ذلك، فعندما اعترضت سلطات الوقف الإسلامي التي مقرها في الأردن وتدير جبل الهيكل/الحرم القدسي الشريف على الكاميرات، لم تدافع الأردن عن الاتفاق الذي وقعته مع إسرائيل.

دور إسرائيل

ذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية متعددة أنه بعد مقتل شرطييْ الحدود الإسرائيليين في 14 تموز/يوليو، انقسمت آراء المؤسسة الأمنية فى البلاد حول ما إذا كان سيتم استخدام أجهزة الكشف عن المعادن، مع تخوف بعض المسؤولين العسكريين و”جهاز الأمن الإسرائيلي” من رد فعل فلسطينى. وفي المقابل، نشرت الشرطة الإسرائيلية برئاسة [وزير الأمن الداخلي] وصديق نتنياهو المقرب جلعاد أردان، رأي مفاده أن أجهزة كشف المعادن ستساعد على استعادة الأمن، مشيرةً إلى أن هذه الكواشف تُستخدم في المواقع الدينية في جميع أنحاء العالم، من بينها الفاتيكان ومكة المكرمة، والجدار الغربي القريب أيضاً. ولكن ما اعتبره الإسرائيليون أداةً أمنية، رأى فيه الفلسطينيون أداةً لفرض السيطرة على مكانٍ مقدس متنازع عليه. وفي اجتماع مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي عُقد في 24 تموز/يوليو الماضي واتُخذ فيه القرار بإزالة الكاشفات، أوضح نتنياهو أنه يقوم بذلك بناء على طلب المؤسسة الأمنية. وفي الوقت نفسه، نفى وجود مقايضة واضحة مع الأردن، على الرغم من عدم نفيه بالمثل وجود تفاهم مع المملكة.

وإذ قدّم نتنياهو الشكر للعاهل الأردني الملك عبدالله على تعاونه، فقد أخبره أيضاً أن إسرائيل تملك تدابير أخرى أقل تدخلاً لضمان الأمن في جبل الهيكل/الحرم القدسي الشريف، وتشمل على ما يبدو تكنولوجيا بيومترية للتعرف على الوجوه بوسعها الكشف عن المشتبه بهم وسيتم تركيبها في الأشهر المقبلة. وحيث وجد منافسو نتنياهو اليمينيين الثلاثة في مجلس الوزراء الأمني ​​- برئاسة وزير التربية نفتالي بينيت – فرصة سانحة يمكنهم استغلالها، هاجموه في كلماتهم لخضوعه للضغوط الفلسطينية، وأصروا على أن البادرة تمثل انسحاباً من السلطة الإسرائيلية على جبل الهيكل، والتي لن تؤدي بدورها سوى إلى المزيد من المطالب الفلسطينية. وقد دعم وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان نتنياهو في هذا الجهد.

ويكره نتنياهو، بشكل عام، أن يُعتبر ضعيفاً على الإطلاق، وغالباً ما يقول إنه يتصرف بناءً على توصيات المؤسسة الأمنية عندما تعرّضه قرارات مماثلة لمثل هذه الاتهام. وهنا أصبح الشعب يدرك أن المؤسسة الأمنية منقسمة، مما يجعل الوضع أكثر تعقيداً من المعتاد. وعلى صعيد آخر، فإن نتنياهو الذي يتجنب المخاطرة يدرك جيداً أهمية جبل الهيكل/الحرم القدسي الشريف بالنسبة للفلسطينيين والعالم العربي الأوسع. ففي عام 1996، وخلال فترة ولايته الأولى في منصبه، أدرك مباشرة الإمكانية المدمرة لتلك المنطقة، عندما انتشرت إشاعات غير صحيحة عن مرور نفق إسرائيلي تحت المسجد الأقصى، الأمر الذي أدّى إلى وقوع اشتباكات أودت بحياة سبعين فلسطينياً وسبعة عشر جندياً إسرائيلياً. وفي الآونة الأخيرة، أشاد بالتعاملات الإسرائيلية الهادئة مع عدد من الدول العربية حول التهديدات الإقليمية، وربما لا يريد أن تؤدي هذه القضية إلى إحباط هذه الجهود المشتركة. وقد تشعر إسرائيل، مثلها مثل الدول السنية المشاركة في مثل هذه العلاقات، أن لديها الكثير لتخسره أكثر مما كان عليه الأمر في الماضي.

ويجدر بالذكر أن قرار إسرائيل بإزالة أجهزة الكشف عن المعادن، جاء أيضاً قبل يوم واحد من عقد اجتماع مزمع لمجلس الأمن الدولي حول أزمة القدس، الأمر الذي يحتمل أن يكون قد دفع بها إلى اتخاذ هذه الخطوة. وملاحظة أخيرة ذات صلة بالعملية: كان نتنياهو قد وافق على “تركيب” أجهزة الكشف عشية رحلته إلى الخارج، قبل أن يتمكن من إجراء مشاورات واسعة النطاق بشأن هذه المسألة.

السلطة الفلسطينية خارج الساحة

کانت السلطة الفلسطینیة راضية بالسماح للأردن باتخاذ زمام المبادرة في السعي للتوصل إلی حل، کما حدث في الأزمات السابقة. ومن جانبه، كرر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، غضب الجمهور في تصريحاته، على الرغم من أنه وافق على التحدث مع نتنياهو عن طريق الهاتف. وفي الوقت الذي أعلن فيه علناً ​​عن تعليق التعاون الأمني ​​مع إسرائيل، تشير الدلائل إلى استمرار هذا التعاون عبر الهاتف وغيره من الوسائل. وفي هذا الصدد، قال عكرمة صبري رئيس “المجلس الإسلامي الأعلى في القدس” أن المجلس سيراجع قريباً دور إسرائيل في الأزمة.

المبعوثون الأمريكيون

في إطار سعي إدارة الرئيس ترامب إلى معالجة الموقف، استنبطت الإدارة الأمريكية بياناً لـ “اللجنة الرباعية الدولية” (الإتحاد الأوروبى، والأمين العام للأمم المتحدة، والولايات المتحدة، وروسيا) تشجع فيه الأردن على القيام بدور بارز. وكما ذُكر أعلاه، تدَخّل كوشنر في مرحلة حاسمة من خلال طلبه بأن يساعد الملك عبد الله شخصياً على تخفيف حدة أزمة السفارة. كما أن مبعوث ترامب جيسون جرينبلات زار المنطقة لتخفيف حدة التوترات. وحتى الآن، كان وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون متغيباً عن الساحة [السياسية]، ويبدو أنه [يفضل] ترك الموضوع إلى البيت الأبيض بسبب عدم وجود علاقات شخصية بينه وبين القادة المعنيين.

الخاتمة

أثبتت الأزمة المتبلورة حول جبل الهيكل/الحرم القدسي الشريف، وفي عمان، مرة أخرى الخطر الكامن في الأماكن المقدسة في القدس، كما أظهرت أن الأطراف المعنية – أي الإسرائيليون والأردنيون – سوف تعمل مع بعضها البعض لتفادي نتيجة مأساوية واسعة النطاق إذا رأت أن مثل هذه الحصيلة تلوح في الأفق. ولكن التوترات لم تنخفض تماماً، وأن فتيل الأزمة يمكن أن يشتعل بسهولة من جديد.

ديفيد ماكوفسكي هو مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن. وتشمل منشوراته المذكرة السياسية لعام 2017 “نحو صيغةٍ جديدة لمعالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني” (شارك في تأليفها مع دينيس روس).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى