تقارير ووثائق

في قانون الإنتخاب: مقالة “بعناوين كثيرة” بقلم د.حيان حيدر

قانون حمّال أوجه متضارب النتائج متلاطم الإتجاهات،

عندما يكون أفضل الممكن هو أسوأ المُتاح،

قبل أن تصبح العادة … عاهة.

هنّأت الأحزاب بعضها بصدور القانون، وفي المناسبة من المفيد أن نتذكر تهنئة اللبنانيين بعضهم للبعض الآخر لدى “إنجاز” إتفاق الطائف، وكان مرجع كبير قد وصفه بإتفاق الضرورة، ونذكّر أن غالبية الحاكمين الآن كانوا ضدّ ذلك الإتفاق ثمّ انقلبوا على مواقفهم. ولأنّه يحلو للبنانيين “الإستعانة   بصديق” من الخارج في الأمور المصيرية، فأحيلهم الى تعليق حامل أسرار الجنرال ديغول(de Gaulle) السيد آلان بيريفيت (Alain Peyrefitte) على صدور دستور الطائف في العام 1991 في مقالة عنونها: “اللبنانيون مساكين!” التفاصيل في (16).

من اللائق أن أبدأ بإيجابية أذكرها قبل أن تطغى السلبيات على هذه المقالة وهي أنّ القانون قد صدر (بعد عسر مخاض) أما الباقي؟… فإليكم مطوّلاته.

يُسجّل للعهد الجديد “إنجاز” إنهاء مهزلة صدور قانون الإنتخاب. فليس هذا العهد مسؤول كليًّا عن كلّ هذه الفوضى (غير الخلّاقة) وقد سارع أحد النواب من ذوي الرأي الزرين بالتصريح: علينا التأكّد أن قانون الإنتخاب يسلك طريق التنفيذ.

القانون ليس الهدف بحدّ ذاته بل هو وسيلة  لإجراء إصلاح سياسي عبر تطبيق مبادئ فيما يقال ديموقراطية هدفها العدالة بين الناس والقرار للشعب (مصدر السلطات) بما فيه الأقليات السياسية، والمحاسبة، وتداول السلطة وإعطاء خيارات سياسية واقتصادية واجتماعية للجميع، أفرادًا وجماعات، ودائمًا باحترام الدستور والقانون.

ولأنّ الكلام يطول في متاهات الموضوع المتعددة كانت الحاجة الى عناوين.

الإنجاز الثاني يكمن في أن اللبنانيين قد “خلصوا”، وأخيرًا، من “قانون الستين” السيّء الصيت (ويبقى علينا أن نلمس ذلك) وأن لبنان (؟) تمكّن من وضع أول قانون “جديد” للإنتخابات منذ العام 2000 (والذي ما زال يتضمّن بعضًا من أنفاس قانون الستين).

وانطلاقًا من المسلمات المعددة آنفًا نشأت الفكرة أن يكون لبنان دائرة إنتخابية واحدة وهي الأقرب الى احترام الدستور حيث يصبح حقّ الإنتخاب متساويًا فيما بين اللبنانيين عبر وضع كلّ منهم في دائرة إنتخابية واحدة (أو دوائر ذات حجم واحد) بحيث ينتخب كلّ مواطن نفس عدد النواب و يكون الحاصل الإنتخابي نفسه أيضًا. ومع العلم أنه يستحيل تطبيق النسبية في بلد فيه كوتا للطوائف، إلا أن الحفاظ على المناصفة المنصوص عنها في الدستور وعلى عدد النواب بتوزيعهم الحالي يبقى الأقرب الى حلّ ممكن.

أما الإيجابية الثالثة، ففي تسجيل تقدم (خجول ما زال) في قبول فكرة النظام الإنتخابي النسبي (مع كلّ الشوائب الكامنة في قانوننا والمفنّدة لاحقًا) وهي خطوة ناقصة على درب تحرير اللبنانيين من قيود الإلغاء الأكثري.

هذا بعد الملاحظة أن هذا القبول لم يأت إلا بنتيجة تسليم المعارضين الأساسيّين للنسبية بأن أيّ إنتخابات، وعلى أيّ شكل من أشكال القانون أتت، ستؤول حتمًا الى خسارتهم بعض المقاعد النيابية ومعها النفوذ السياسي الموازي، فرضخت للواقع النسبي، مع العلم أنّنا، وعلى مرّ العقدين الماضيين سجلّنا توافد مجموعات حزبية رئيسية ومجتمع مدني وأفراد وفي طليعتهم طائفة اللاطائفيين والعلمانيين والمستقلين الى ساحة إعتماد فكرة النسبية الكاملة كما وشخصيات سياسية وقيادية من مختلف ألوان الوطن (المزركش) وفيهم بعض رؤساء المؤسّسات الدستورية عبّروا عنها بتصريحات سياسية علنية، الأمر الذي رفد المبدأ ودعم النهج الآيل الى تحقيق هذه الغاية وقد تجاوز عددهم الأغلبية المطلقة للبنانيين.

  إيجابية رابعة للتسجيل: لقد تمّ حلّ معضلة إجراء إنتخابات مع النسبية بوجود السلاح (والتي لم نفهم الرابط فيما بينها والسلاح كان موجودًا أيضًا في انتخابات العام 2009 الأكثرية من دون أي إعتراضات) أو أن رافضي النسبية قد اطمأنوا الى إبطال مفاعيلها وبالتالي سمحوا بتمريرها؟

لقد “هَرِمْنا” في انتظار القانون.

يذهب بعض المتابعين الى قول “لئيم” بأن غالبية المحاولات من طرح مشاريع قوانين وتصورات وتشكيل لجان برلمانية أو سياسية أو تقنية علمية أو متخصّصة أو مختلطة موسعة أو محصورة منذ ما يقارب العقدين من الزمن لم تكن إلا لإضاعة الوقت وتسويف الموضوع ولعبًا على المواطن ومصير الوطن معًا. وقد تُوّجت هذه المناورات “الذكية” بإقامة بعض النواب المنتهية وكالتهم و”المعيّنين” (في مرحلة سابقة) مع حاشياتهم في فندق يليق بالمقام بجوار مقر مجلس النواب، بذريعة ضمان أمنهم، على حساب المكلف اللبناني بواقع قيل أنه فاق مبلغ 165 ألف دولار أميركي ليخرجوا صفر اليدين (على شعب صفر الوجوه يعث في غيظه!).

وطبعًا يجب أن يُسجّل لبعض النواب المنتهية صلاحيتهم منذ التمديد الأول (ومنهم منذ انتخابهم) أنهم “ناموا”، كما وعدونا منذ 4 أعوام، على أدراج مجلس النواب حتى صدور القانون (وحالوا بالتالي دون التمديد الثاني و…). وفي حديث آخر سمع اللبناني أن حكومته هذه هي الحكومة الأولى التي تنجز قانون الإنتخاب. إزاء هذا التمادي في الإستهتار بذاكرة الناس وبعقولهم نذكّرهم أنّه كانت حكومات، ليست ببعيدة زمنيًا، كانت قد تقدمت بمشاريع للقانون، مع ملاحظاتنا عليها، (على يد الوزيرين زياد بارود ومروان شربل) غير أن السياسيين في البلاد ومن مختلف مواقعهم الرسمية، هم نفسهم لم ينجزوا المهمة الموكلة إليهم في مواقعهم السابقة إلا مرغمين الآن بحكم تفاقم مرور الزمن والنبض الشعبي وغيرها من الأسباب.

ويحدّثونك عن “الحكم إستمرار”  وقد لا يصحّ ذلك إلا عند تبرير التمديد الذي يكاد يصبح تأبيدًا! بعد الملاحظة أن الأحزاب “الرئيسية” نفسها، وبشكل كبير، بممثليها الرئيسيّين أيضًا هي وهم كانوا موجودين في الحكومات المتعاقبة المقصّرة والتي “أنجزت” القانون العجيب.

لقد تمّ التلاعب على الوقت والنصاب ومختلف الأحوال والأمور خلال المناورات التي جرت باستحضار هواجس البعض ووضعها في مواجهة مخاوف الآخر، وبرمي المتناقضات بوجه الجميع ناهيك عن توريط المجلس الدستوري في اللعبة السياسية، بواسطة تراجيكوميديا في تناوب على البكاء والضحك مداورة.

هذا القانون يخالف الدستور… تكرارًا !

ننطلق من المسلمة الآتية:

            إن كلّ إستثناء أو إنتقائية أو تفضيل أو مراعاة أو تفسير ذات مأرب نفعي شخصي هو مخالف للدستور ومن شأنه أن يزيل مفعول القاعدة، وينطبق هذا على كلّ كلمة وعبارة ومادة وردت في الدستور،

لـــــــــــــــذلك (للتوسّع يُرجى قراءة المرجع المحدّد برقمه في المرفق)

            فهذا القانون يخالف هذا الدستور في كلّ من:

1-        المادة 27 دستور (9) التي بموجبها يمثّل النائب الأمّة جمعاء فتكون نيابتة قد انبثقت من مجموع أصوات اللبنانيين وبالتالي تكون سياسته قاسم مشترك فيما بينهم ويصبح النائب أيضًا نائب جميع الأراضي اللبنانية لما في ذلك من تأثير في المشاريع الإنمائية والإبتعاد عن الأنانيات كما ويصبح نائب حدود الوطن، ليضع مفهومًا مشتركًا للنقاش الأبدي الدائر فيما بين الإتجاهات السياسية المتلاطمة وتصبح الحملات الإنتخابية مناقشات أمام الجماعات على أساس برامج عمل تشجّع على تكوين الأحزاب الكبرى العابرة للمناطق والطوائف ذات برامج إقتصادية إجتماعية واضحة.

2-        المادة ج – مقدمة الدستور (2) وفيها احترام الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز او تفضيل.

3-        المادة 7 دستور (5) و9 دستور (6) وفيها أنّ كلّ اللبنانيين سواء لدى القانون (بالحقوق المدنية والسياسية).

أيّ قانون إنتخاب يحرم المواطن من خيار الترشح خارج الإنتماء الطائفي أو من الإقتراع لمرشح التزم تمثيله خارج الإنتماء الطائفي هو خرق للدستور.

وليكون اللبنانيون سواءً أمام القانون سياسيًا يقتضي أن يكون حجم الدوائر الإنتخابية متوازيًا (قدر الإمكان)، إذا لم تُجمع في دائرة واحدة، وأن ينجح المرشح بعدد أصوات متقاربة في كلّ الدوائر (قدر الإمكان) وأن تكون قوة الناخب الإنتخابية (وبالتالي السياسية) متعادلة أيضًا كأن ينتخب نفس عدد النواب في كل دائرة (قدر الإمكان).

إن هذا المعيار الواحد والمساواة مفقود في هذا القانون لأن أعداد المقاعد النيابية والمقترعين تختلف بشكل كبير بين دائرة إنتخابية وأخرى.

ويُستوحى من دستورنا أنّه يجب أن يكون لكلّ مواطن رأيًا في كلّ مرشح، وهذا ما ذهب إليه اقتراح النسبية الكاملة في لبنان دائرة إنتخابية واحدة. وإلا … عدّلوا الدستور ليُفْهَم غير ذلك!

4-        المادة 24 دستور (8) وتنص أنه علينا أن نضع قانونًا يسير بنا في اتجاه قانون إنتخاب خارج القيد الطائفي، ولا نرى أن القانون الصادر يفي حتى بالحدّ الأدنى من هذا الشرط… المؤجّل دائمًا، بل أنه يسير بعكس المطلوب الى نقطة اللّاعودة عن هذا المسار.

وفي سياق متّصل، ليس هناك أي تثبيت في الدستور لطائفة أيّ من الرئاسات أو في أيّ من سائر المناصب السياسية الدستورية أو الإدارية بما في ذلك مجلس الشيوخ المذكور (ولهذا حديث آخر مستقل).

5-        المادة د- مقدمة الدستور (4)، أين نحن منها أن الشعب هو مصدر السلطات؟

6-        المادة 95 دستور (10) هذه المادة التي أرادها مشترعو دستور لبنان الكبير (الأول) منذ ما يقارب القرن “مؤقتة” والـ “الى حين”  وما زالت على حالها وكان على القانون الجديد أن يحدث تغييرًا ما، تأخّر قرابة قرن، ولو للإيحاء بأنّ المؤقت هو فعلًا كذلك وله حدود زمنية وأن لبنان سيوضع أخيرًا على سكة التخلّص من الطائفية السياسية التي وُصفت بأنها آفة الآفات من قبل جميع الذين تسلّموا المسؤوليات “الوطنية” ومنذ بيان الإستقلال الأول.

في إلغاء مفاعيل النسبية بالدوائر الكبرى (الهدف الأساس) وما غاب عن القانون.

إذا تساوى الناس غالبًا في نصوص القانون، كثيرًا ما لا يتساوون في الفرص.”

ليس هناك من مجال إضافي ليتضمّن هذا المقال المناورات المملّة التي حالت دون صدور القانون في مدّة مقبولة والتركيز على “الشطارات” التي تناولتها بكفاءة وسائل الإعلام، التقليدية منها أو الفردية التواصلية، وتناولت مرتكبيها غير أنّ الوقوف باختصار عند النتائج يقودنا الى ملاحظة استنسابات عديدة أسقطت ما كان يُرجى من اعتماد النسبية في دوائر كبرى ومنها:

1.        زيادة عدد الدوائر أي تصغير حجم الدائرة بحيث أصبح تأثير النسبية محدودًا جدًا ونسأل: ما هو الفرق في الدوائر فيما بين القانونين الذاهب والآتي وكان هناك منوّعات في الدوائر منها؟

في القانون القديم             في القانون الجديد

ثلثا قضاء             نصف قضاء

قضاء                  قضاء

قضاءان                         قضاءان

نصف محافظة       3 أقضية

محافظة          4 أقضية

محافظتان        محافظة

مع الملاحظة أنّ بعضًا من هذه التقسيمات كان قد حصل في العام 1960.

فهلّا يشرح لنا أحدهم ما هو المفيد الذي انتقلنا إليه؟ لم يعتبر هذا القانون معيارًا موحّدًا (وبالتالي قد خالف الدستور كما أسبقنا القول) للتواصل والترابط البشري والجغرافي (مثل دائرة صيدا – جزين) مع علمنا أنّ هذا ليس من اختراع اللبنانيّين. فهل تعني لكم كلمة “جري مندرينغ” (gerrymandering) شيئًا؟ للتفقّه بمعناها إقرأ الحاشية (11). لقد اعتُمِدت هذه الوسيلة في العام 1812 في ولاية أميركية فذهبت مثلًا لأمثال الشوائب في التقسيمات الإنتخابية الإستنسابية التي تخدم مصالح ضيقة.

2.        بعدما تجنّبنا “التأهيلي المذهبي” أعدنا مفهومه بواسطة الصوت التفضيلي في دائرة صغيرة  الأمر الذي لا يقلّ “مذهبية” عن التأهيل بشيء وكلاهما لا ذكر لهما في الدستور.

3.        نُقِل مركز مذهبيًا من دائرة الى أخرى في خطوة فدرالية وقد سقطت محاولة نقل غيره من المراكز صونًا “للعيش المشترك” قيل، وكأنّ المقعد المنقول كان يتنافى وجوده وهذا العيش الذي لا يشترك في رغده إلّا الطبّاخون والطابخون ومعهم “المارميتون”  (marmitons) وترجمتها “المُمَرمَطون” على اختلاف أنواعهم!

4.        عتبة النجاح للائحة وقد تتجاوز حدّ 20% في بعض الدوائر فأين منها ضمان الحريات العامة وتكافوء الفرص للمرشحين والناخبين وبين من يملكون المال والذين لا يملكونه وبخاصّة ضمانة الأقلّ في الأكثر؟ فهناك من سينجح ب 11ألف صوت وآخر بأكثر من 25 ألف صوت! (للإطلاع على مختلف أرقام التأهيل- العتبات أنظر الى (12)).

5.        سنّ الإقتراع: قد يكون لبنان آخر دولة في العالم لا يقترع فيه الثمانيتعشريون. هذا بعد التذكير أن الإقتراح متداول فيه (على ما أذكر) منذ العام 1953 حين منحت المرأة اللبنانية حقّ الإنتخاب والترشّح. والأفضح-الأفدح أنه تقدّم عدد كبير من نواب الأمّة منذ عقد من الزمن بعريضة الى المجلس النيابي إقترحوا فيها خفض سنّ الإقتراع الى 18 وقد تجاوز عددهم الماية نائب وتبادلوا التهاني على عملهم “الجبّار”، وغالبية الممدّدين لأنفسهم في عدداهم حاليًا، فما رأيهم بمخالفتهم لعريضتهم؟ وباعتبار أن لبنان أصبح البلد الوحيد الذي لديه هذه “الخصوصية” وهناك دول اعتمدت سنّ 21 للمرشح؟

6.        إعطاء قيمة للورقة البيضاء وقد تجشّم صاحبها عناء تنظيم قيده والتوجّه الى مراكز الإقتراع لتأكيد موقفه من القانون ومن المرشحين والبرامج أو من الحال العام، كأن تعطى عتبة إنتخابية إذا ما تجاوزتها أعداد الأوراق البيضاء تلغى النتائج في دائرتها، أو أن يغرّم كلّ من لا ينتخب (على غرار بعض الدول “الراقية”) لتحويل العمل الإنتخابي من حقّ للمواطن الى حقّ له وواجب عليه.

7.        الكوتا النسائية، بعد الأخذ بتجارب عالمية لم تنجح بإيفاء النساء حقهن السياسي الطبيعي، وهنّ نصف المجتمع أو أكثر، بسبب السيطرة الذكورية على معظم مجالات العمل السياسي.

8.        حقّ الإقتراع للعسكريين، وبرأيي لم يأخذ الموضوع حقّه من النقاش في المجتمع والسلك المعني.

9.        أما حقّ المغترب، فلا يجوز أن يكون “إجباريًّا” فنحن مع احترام حقوق أيّ لبناني أينما كان، من دون ممارسة أيّ ضغط سياسي، ولكن يجب أن يتزامن هذا الإجراء في حينه بإعطاء هذا الحقّ حصرًا للبنانيين الذين يسدّدون ضرائبهم الى الخزينة اللبنانية بعيدًا من ممارسات تهرّبات الإزدواجية الضريبية، وعملًا بقوانين سائر الدول التي منحت هذا الحقّ.

10.      لقد أغفل القانون آلية الرقابة الشعبية على حسن أداء العملية الإنتخابية وبالتالي إمكانية المساءلة والمحاسبة، فأين الهيئة العليا للإشراف على الإنتخابات؟ وسائر الإصلاحات الأساسية مثال الإعلام والإعلان الإنتخابيين وغيرها من مستلزمات “الشفافية” وتكافوء الفرص؟

وعلى عكس المطلوب، لقد أدّت الإجراءات “الإصلاحية” الى تضخيم “مفعول” الأحزاب الكبرى بمنحهم عدد أكبر من المندوبين ثمّ أنها زادت الحدّ الأقصى للإنفاق الإنتخابي كما ورفعت قيمة بدل الترشّح أربعة أضعاف في إقرار فاضح بأن الترشّح يعني الموسورين تحديدًا ويحول بالتالي دون تأهيل القوى الناشئة بإبعادها من الإنخراط في العمل السياسي.

إن هذين الأجرائين الماليين الأخيرين (بالترافق مع زيادة مكرّرة لمخصّصات النواب الممدّدين لنفسهم مرارًا) يوحيان وكأنه تمّ الأخذ بزيادة غلاء معيشة منذ العام 2009، فهلّا يطبّقونها على السلسلة اليتيمة؟

ثمّ أنّ الإجراءات تسمح للجمعيات الموجودة منذ أكثر من 3 سنوات تقديم خدمات عينية وهل سيكون هذا بعيدًا عن الزبائنية السياسية؟

هذا القانون يؤدّي الى الفرز السكّاني في بعض الدوائر “الحسّاسة”، والفرز السكّاني يخلق واقعًا إقتصاديًّا، وبالتالي إجتماعيًّا، يزيد اختلالًا مع تفاوت كلفة الحملات الإنتخابية.

11.      وقد يكون النقص الأهم: أين حصّة اللاطائفيين المصانة في الدستور في هذا القانون؟ ثمّ أين ثقافة المواطنة التي هي هدف الدستور أساسًا والتي يتكلم عنها كلّ مسؤول في الدولة والحزب والمجتمع، المحلي والدولي، والمنظمات الدولية ذات الشأن التي تُستشار؟ وقد منعت، وبالقانون، الآليات التي تؤمّن الإنتماء للوطن على أساس المواطنة لا بل عمّقت الحاجة الى العودة الى المرجعية الطائفية السياسية.

12.      أعاد تقسيم بيروت، العاصمة وقلب الوطن، الى شطريها الطائفيّين المتحاربين في الحرب، التي يُرجى لها “أن تنذكر ولا تنعاد”، على شفير تماس، شرقية وغربية (وقد تصلح بحذف الراء من الجهتين ولو اعترض أحدهما على النعت الموصوف به).

13.      كان على القانون أن يمنع نقل النفوس ويحدّ في مصاريف المرشّحين وخاصّة أن يحدّد آلية صالحة للطعون. مع التذكير أنّ، في تاريخنا الحديث، تقدّم بعض ذوي الحقّ بطعون منذ مجلسين، وقيل أنّه لو أُخذ بها بالشكل الصحيح لكانت أبطلت نيابة 7 أو 8 نواب، قبعت في أدراج الإهمال لحين تشكيل المجلس الدستوري (يعيّنه النواب والوزراء مناصفةً ومن “دون أيّ زبائنية” !) والذي أفتى بعدم صلاحيته للنظر في طعون سابقة لتشكيله (لأن هنا الحكم ليس إستمرار) فأُهملت (وهكذا يمارس التسويف). ومن “ظرف” حكايات الطعون في لبنان أنّه تمّ إبطال نيابة نائبين لأسباب سياسية تتعلق بضغوط مُورست من قبل الزعامات النافذة المنافسة لها ، كما ونُزِعت الحصانة عن نائب ثالث وأُدخل السجن حتى رضخ للإبتزاز المالي وكلّها حصلت  في عهد المسمى “الوصاية“.

14.      إن بدعة تهميش رأي الشعب الحرّ كثيرة الأمثال في التاريخ والجغرافيا معًا، ولكن في لبنان يظهر أنّنا لا نتعلّم من تجاربنا في الإصلاح الإنتخابي، فللترفيه ربما يسعفنا (أو يؤسفنا) الإقتباس من قصيدة للنائب الراحل سليم حيدر (ليست للنشر) أُلقيت بالشعر الشعبي العامي (قرّادية) في البرلمان اللبناني لمناسبة مناقشة الثقة بإحدى حكومات لبنان بعد العام 1953 وخلال وقت انتظار اكتمال النصاب، حين قال فيما قاله لزملائه:

وإن كانوا أربعه وأربعين

وإن كانوا تسعه وتسعين

                        وإن كانوا سبعه وسبعين

هالنجّار وهالعِدِّه

والأعداد تشير هنا الى عدد النواب الذي تعدّل مرارًا خلال العقدين الأولين ما بعد الاستقلال ولم يتغير أيّ شيء جوهري في الممارسة السياسية البرلمانية.

لقد استنسب “المشرّع اللبناني” الأكثري من أيّ حدب فأدخله مع النسبي الى أيّ صوب وكحّلهما بالمختلط و”الأرثوذكسي” وغيرهما للوصول الى مبتغى الفاعلين (والنتيجة ليست محتومة لصالح البعض). فالنتيجة المتوقعة لن تخرج عن “تقليد” التجديد لعائلات وأحزاب وزعامات طائفية سياسية معدودة في مداورة حاكمة شبه أبدية، وحيث يثبت أنّ ما هو باطل في الأصل هو باطل في الفرع.

ونحذّر بأن إعادة إنتاج النظام القائم بسياساته وفساده ونهجه السياسي والإقتصادي المتفلّت الذي ولّد هذا الإنقسام الإجتماعي الحادّ والذي أودى سابقًا الى تفجيرات متكرّرة أوصل المجتمع اليوم الى شفير تفجير جديد قد يكون الأكبر، بعد الملاحظة أن مطلب إلغاء الطائفية السياسية أو الصيغة (الفريدة) يتجدّد مع مطلع كلّ أزمة ولا يعالج إلّا بالهروب الى الأزمة التالية.

فتعالوا نقرأ في شعر سليم حيدر:

                                    “مأساة حمقٍ كالتي مثّلتــْــــ

                                     ـــها القطةُ البلهاء والمبردُ” (13)

وهذا تحذير ليس إلاّ!

في إمكانية إجراء الإنتخابات.

لقد أوجد القانون، كما في مجريات الحياة العامة، “دود الخلّ منه وفيه” أو أنه أتى في طيّاته “بالعصي في دواليبه“.

وفي رأسها البطاقة الممغنطة بكلّ ما تتضمّنه (أو لا) من معلومات شخصية عن الناخب. لقد تمّ التمديد للمجلس النيابي بكامل مخصّصاته ومخصّصات النواب مرّة ثالثة لمدة 11 شهرًا بذريعة تنفيذ البطاقة الممغنطة التي قيل فورًا أنها معقدة ولن تكون. فنسأل إذا لن تتمّ فلماذا التمديد إذن؟ فلنذهب الى الإنتخابات هذا الصيف، علمًا أنّ التقنيات الحديثة والصناعات المختصة المتاحة تسمح اليوم بإنجاز المطلوب بكلفة وسرعة مقبولتين. البطاقة لغم جديد لتبرير التمديد.

لقد ذهبت الآراء المحلية والخارجية الى ما مفاده أن هذا التمديد هو سياسي وليس تقني ولكنها ذهبت الى ما هو أفضح من ذلك، ولكن هذا ليس المجال لذكره.

في النتائج والتداعيات.

1.        هذا القانون يشجّع على الخطاب الطائفي المذهبي وأوضّح بسؤال: كيف يكون خطاب المرشح وطني عندما يتقدم الى ناخبي الدائرة الأوسع ويكون في آن تقوقعي مذهبي عصبي عندما يخاطب التفضيلي في القضاء ؟

2.        لقد أحبط مضمون القانون وطريقة إنتاجه الناس فانسحب البعض مسبقًا من منافسة غير عادلة ويبرّر نفسه بكلام “تثبيطي” من نوع أنّه لا جدوى من انتظار التغيير مع هكذا قانون، فينخرط في عملية الإنتخاب فقط الذين أتاح القانون لهم فرصًا في النجاح أو في الظهور السياسي أو من يعتاش من عملياته، أو أنّه لا إنتخاب بالمعنى المطلوب قبل معالجة الفساد لأن الإنتخابات هي سرقة من الشعب أيضًا.

والكلام “الفوقي” للمتعالين عن العمل السياسي يبرّر قرارهم أيضًا بالقول: إذا أصبحت البلاد غابًا… فليس شرطًا أن تصبح حيوانًا! أو كما قال نيتشه: “لا تقبل النصف وأنت تستحقّ التمام“.

هذا القانون العجيب سينتج تعاملات عجيبة أولها تحالفات الضرورة الأمر الذي يلغي سلفًا البرامج الإنتخابية المتنافسة بما تتضمّنه من خيارات سياسية وإقتصادية للناخبين.

ثمّ أين التطبيق الحرفي للدستور الذي يطالب به الجميع، وهل من البريء عدم لحظ أي إجراء ولو بحدّه الأدنى، لجهة تطبيق الدستور القائل باستحداث الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية؟

3.        تعالوا نتوقف قليلًا عند تصريحات المسؤولين عقب صدوره؟

    وزيرٌ لا يوافق على البطاقة التي هي من إختصاص وزارته والتي تمّ التجديد للمجلس بسببها،    

    وآخر يريد العمل على تعديل القانون قبل حتى تطبيقه وثالث يقول أن القانون قد “هرس” النسبية

    حتى اختفت وفقدت جدواها ونائب يشكك بإجراء الإنتخابات؟.

والكلّ يهنّئ الكلّ على صدور القانون بجهود “صنع في لبنان” فهل هو تسوية الأمر الواقع أو أسوأ الموجود؟

وهل المواطن هو ناخب أو مقترع في هذا القانون، وما الفرق؟ قد يكون الفرق يشبه ما بين إدارة قطيع غنم، وهو بحاجة الى راع وكلب فقط، أو إدارة شؤون البشر، وما أدرانا بذلك فاتركوا الأمر الى أصحاب المغانم والغنميون والأغنام؟

لقد صدر القانون بعيدًا من مناقشات النواب وفي غرف مغلقة؟ على عكس المطلوب تمامًا في احترام إرادة الشعوب، لذلك رأى بعض المشرعين أنه أشبه بمرسوم من أنّه قانون!

أين الدستور من قبول الرأي الآخر وتحقير الشعب؟

لقد أصدر وبكلّ بساطة، كلّ من الحكومة ومجلس النواب، بموجب مرسوم ومن ثمّ قانون، أعلنوا فيه أنّ الشعب اللبناني هو أغبى شعب في العالم (وقد يكون والله أعلم) بزعم أن الشعب لن يفهم النسبية وتعقيداتها في الآليات والتفضيلي والممغنط وعتباتها (غير المقدّسة) علمًا أن خبراء لبنانيين (ومنهم وزير داخلية سابق) قد ساهموا في وضع دساتير العراق وتونس لشعوب لم تعرف الإنتخابات قط في حياتها وأجرتها. ولكن الشعب اللبناني “العظيم”… فقصّة ثانية، وطبعًا قد استعملت هذه الإهانة لشعبنا الواعي للتمديد لأنفسهم للمرة الثالثة (وقد لا تكون الأخيرة).

وخلال مناقشة المرسوم – القانون في مادة وحيدة تمّ الإعتداء بعنف وشراسة وحقد وظلم غير مسبوق على لبنانيّين أصحاب رأي تظاهروا خارج البرلمان ممّا أعطى فكرة وافية مكرّرة عن تقبّل السلطات الدستورية والعامة والحزبية والسياسية والطائفية وغيرها للرأي الآخر. وقد أتى كلّ ذلك، وليس المرّة الأولى، في مخالفة صريحة فاجرة وفجّة للمادة ح – من مقدمة الدستور (3) التي توجب إحترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي.

فاسمحوا لنا أن نتكلم باسم “المقتولين” كما قال كبير من سياسيّي هذا البلد في بداية الحرب في لبنان (14)

يا نواب، يا رؤساء، يا حكومة، يا مسؤولين، يا ناس… أين أنتم من ضرب الشعب بهذه العداوة وبأموال المكلف؟ وباستثناء البيان المتميّز الصادر عن نقيب المحامين، وكيل ممثلي الناس في الدفاع عن حقوقهم، لم نلمس أيّ اهتمام.

لقد وُصفت التظاهرة بالدلع “الديمقراطي” من بعض أرباب الدلع “السياسي”. هذا كلّه يأخذني الى قول الشاعر والمسرحي المعروف برتهولد بريخت(Berthold Brecht) ولكن هذه قصة أخرى (15) وفي خلاصته: “وقد اعتبرت الحكومة أنّ الشعب خسر ثقة الحكومة فمن الأسهل أن تحلّ الحكومة الشعب وتنتخب شعبًا آخر!…”

طبعًا، يمكن إعتبار كل مسؤول عمّا حصل بريئًا من الجريمة المذكورة حتى ثبوت العكس… وقد يثبت العكس في وقت ما ولكن من يحاسب؟.

ما فاتنا من العمل السياسي الصحّ.

من بديهيّتين متلازمتين أن فاقد الشيء لا يعطيه وأن الذي يجرّب المجرّب يكون عقله مخربًا،

وكما أن الإصلاح بحاجة الى إصلاحيّين، ومكافحة الفساد تحتاج الى أيادي بيضاء، فإن العمل اللاطائفي لا يمارس من قبل طائفيّين ممّا يستثني غالبية المهنّئين (بفتح وكسر النون) بصدور هذا القانون الذي لم “يفكّر” حتى في إيجاد آلية لتجاوز الطائفية السياسية. والنتيجة؟ لا وسائل لإيجاد كتلة لا طائفية فاعلة في المستقبل المنظور.

في الخلاصة:

إنّ كلّ ما حصل مع ما نشهده في العالم العربي لا بل في العالم كله يتماشى مع سياسة كمّ الأفواه وبناء الجدران العازلة بدلًا من الجسور الواصلة.

لقد أُبرم القانون في مجلس النواب من دون إعطاء أيّ فرصة جدّية لمناقشته لا في اللجان المختصة ولا في الهيئة العامة للمجلس، ولا طبعًا مع سائر المواطنين، المعني الأول بالأمر، لا بل أُقرّ بمادة وحيدة. وهذا كله بعد مخاض تجاوز 8 سنوات من التعسّر (والأصحّ القول التعسير) ممّا يثير سؤالًا حول ما إذا كان النواب قد قرأوه؟ وفي هذا السياق يقول الشاعر (17) “قضيت الحياة بأسرها أشرح مبدأً لست قادرًا على فهمه، ولما سأله أحدهم: وكيف يمكنك شرح شيء لا تعرفه أنت بنفسك؟ أجاب ضاحكًا: وهل عليّ أن أشرح هذا الشيء أيضًا؟

أمّا المأزق الثلاثي الأضلع (التمديد- الستّين- الفراغ) الذي قيل أن طابخي القانون قد نجحوا في تجنّبه فهو من صنعهم ومن صنع أعوانهم.

وإنّني إذ كتبت هذه السطور الطويلة في الموضوع، بقيت قليلة إذا ما قورنت بالسنين التي تعاطينا خلالها، كلّ من موقعه، بإمكانيات ومقتضيات ومفاعيل هكذا قانون وبعدد المؤتمرات والندوات والمواجهات وبأطنان الأوراق التي هدرت عليه، وأعطي مثالًا محدّدًا جدًّا عن تلك الحقبة بالتذكير أن خلال الأعوام 2012 و2013 و2014 تناولنا هذا الموضوع في أكثر من 40 بيان لمنبر الوحدة الوطنية حذّرنا ونبّهنا وحفّزنا وأدَنا واستنكرنا وطالبنا ونصحنا وفضحنا وتساءلنا وسألنا الى آخر المفردات والتعابير الممكنة والتي لم تفد بشيء … من مغبّة التمادي في احتقار العقول وحرق المراحل وأعطي نموذجًا عن بعض هذه التناقضات الساخرة في الملحق (18)

وقد تعمّدت تأخير إبداء رأيي في هذا القانون حتى لا يصدر كلامي تحت وطأة إنفعال ما أو الإنفعال، وأنا أعلم أن القليل ممّن سيتبقّى لي من أصدقاء “سياسيّين” قد يعتبرون أنفسهم معنيّين بهذا النقد الإنتقادي الغاضب والقاطع، فعذرًا، أنا لا أعني الكلّ بل أعني كلّ من لم يسعَ الى الحلول الناجعة وهي لا تحتاج الى شهود فعينها شاهدة. ولأنّ هدفي في هذا كله هو الصالح العام، صالح الوطن والأجيال الآتية، إن شاء الله، وهنا لا يجوز مجاملة لا العارف المخطِئ ولا الجاهل حسن النية ولا غيرهما من “فعاليات” هذا البلد ف “الطريق الى جهنّم كَثُر ما تكون مرصوفةً بالنوايا الحسنة” كما يقول المثل. ويقال أنّ الضحية بحاجة الى جلّادها فأسأل:هل فعلًا يأمل اللبناني من أن ينصفه سياسيّوه؟ وأنا لا أصدّق  أنّ اللبنانيّين، كما العبد المطواع، يعانون جميعًا ممّا بات يُعرف بمتلازمة ستوكهولم (19)؟ فلا يرى سبيلًا للإستمرار إلّا بالتعاطف مع خاطف حقوقه؟

إنّني غاضب فعلًا، نعم، وقد خيَّبَتْ نفسي … نفسي لفشلي وفشل جميع “عقّال” هذا البلد، وهم كُثُر، في تأمين أدنى مستلزمات العدالة لأحفادي… والذين أعتذر منهم أولًا وأيضًا منكم، من موقع المواطن المسؤول وليس من موقع المسؤول المباشر عن تقرير مصير البلد والذي لم أكنه يومًا، ومع فقداني للكياسة اللغوية للتعبير عن مكنونات غضبي بهدوء، أقول عذرًا مجدّدًا لأنّنا فشلنا في تأمين الإستقرار الأمني والسياسي والإجتماعي والإقتصادي وحتى الثقافي وبالتالي العدالة للناس، كلّ الناس، ولم نتمكّن من كفّ الأيدي القابضة على إرادة الشعب.

هذا ليس بخطاب إستسلام بل صرخة لتحفيز الأجيال الصاعدة على متابعة النضال وإكمال المسيرة ولكن بوسائل مغايرة حديثة. هذه دعوة الى ثورة حضارية عقلانية مدنية لا طائفية لتحطيم جدار الوهم والخروج من الدائرة التي جعلت المواطن دائم القلق فعديم الإبداع، فلا تصمتوا فالصمت تواطوء على التسويات على حساب الحقّ والصحّ وبتعبير شاعري ” فالصمتُ عنوانُ التخلّي ” (20).

ولكي لا نصرخ بصوت تحار في تصنيفه الأسماع نقول إنّ الانقسام العامودي بات يهدّد أصل الكيان وليس فقط موقع هذا الطرف أو ذاك في السلطة والسلطات وسلاطينها ونحن ذاهبون في اتجاه نظام سياسي يفرز اللبنانيين عنوة ولا يعبّر عن إرادتهم الوطنية الجامعة كأن يذهب بنا هواة الرياضات العنيفة من اللعب على حافة الهاوية الى اللعب في الهاوية نفسها. وقد أنذر كثيرون أن الخلل الحاصل ينذر بالذهاب الى حرب أهلية، لا سمح الله، جديدة. فنحن بحاجة الى عقد إجتماعي جامع جديد يشارك فيه الأطراف كافة وليس عقد إنتخابي. وأعني بكافة هنا ليس فقط زعماء الطوائف الروحية والسياسيين وأمراء الحرب بل جميع ممثلي المجتمع السياسي منهم والفكري والإقتصادي والنقابي والعمالي والأكاديمي وغيرهم من مدنيّين.

هذه الإنتخابات ستقوم (متى قامت) على الفساد والزبائنية، كما سابقاتها بحيث تحوّل الأزمة السياسية الى حرب فعلية لأن النظام اللبناني يسير الى الإنهيار بدءًا من المديونية العامة ونحن نقترب من مرحلة العجز عن “خدمة” الدين (كلمة تشير مداورة الى الأزمة ولا تتّهم مباشرة). وحتى هذه “الشركة” الفاسدة والمفسدة ذاهبة الى الإفلاس لا محال والبديل قد يكون الفوضى الكاملة العامة .. خارج القيد الطائفي هذه المرّة وفي كلّ مجالات الحياة.

ولأنّ لا يجوز أن يبقى لبنان عصيًّا على الإصلاح ، إستدركوا الأمر قبل أن ينبري أحدهم، من الداخل أو من الخارج، للقول أنّ علّة وجود لبنان أصبحت علّته ممّا سيطرح حتمًا جدوى بقاء لبنان الذي نعرف على البحث!. وأختم بالقول: نعم يمكن إستدراك الأمر من بدايته بالذهاب الى تعديل القانون لاحترام الدستور أولًا وباعتماد النسبية الكاملة والمباشرة بتطبيق المادة 95 منه قبل كلّ شيء آخر.

بيروت، في7 تموز 2017م

الملحقات

المرجع: الدستور اللبناني الصادر في 23 أيار سنة 1926 والمعدّل في آخر مرّة بوجب القانون الدستوري الصادر في 21 أيلول 1990.

(1)- مقدمة الدستور ب-: لبنان عربي الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء.

(2)- مقدمة الدستور ج-: لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز او تفضيل.

(3)- مقدمة الدستور ح-:إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية.

(4)- مقدمة الدستور د–: الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية.

(5)- المادة 7: كل اللبنانيين سواء لدى القانون، وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية، ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم.

(6)- المادة 9: حرية الاعتقاد مطلقة، والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى تحترم جميع الأديان والمذاهب، وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على ان لا يكون في ذلك إخلال في النظام العام. وهي تضمن أيضاً للأهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية.

(7)- المادة 22: مع انتخاب اول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يُستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية.

(8)- المادة 24: يتألف مجلس النواب من نواب منتخبين يكون عددهم وكيفية انتخابهم وفاقاً لقوانين الانتخاب المرعية الإجراء. والى أن يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، توزع المقاعد النيابية وفقاً للقواعد الآتية:

‌أ.          بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين

‌ب.       نسبياً بين طوائف كل من الفئتين

‌ج.        نسبياً بين المناطق.

(9)- المادة 27: عضو مجلس النواب يمثل الأمة جمعاء، ولا يجوز أن تربط وكالته بقيد أو شرط من قبل منتخبيه.

(10)- المادة 95: على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ  

      الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس

      الجمهورية، تضم بالإضافة الى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية

      واجتماعية.

مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها الى مجلس النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.

وفي المرحلة الانتقالية:

‌أ.          تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة.

‌ب.       تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأول فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة.

(11)- Gerrygmandering: هي وسيلة تهدف الى إعطاء أفضلية لحزب او طرف محدّد في الانتخابات بواسطة التلاعب بحدود الدوائر الانتخابية. وقد أتى النعت من جراء دمج اسم الذي إبتكره حاكم مقاطعة إسّكس (Essex) في دائرة ماساتشوسيتس (Massachusetts) واسمه البريدج جيري ( Gerry  Elbridge  – 1744 – 1814) مع إسم الحردون (Salamander) الذي أعطى شكله حدود الدائرة الانتخابية المحددة من الحاكم (وقد شبّهت بالتنين الخرافي أيضًا) والهدف من ذلك زيادة حظوظ نجاح الحزب الديمقراطي الجمهوري، حزب الحاكم، في إنتخابات مجلس الشيوخ.

(12)- على افتراض إقبال على الإقتراع بنسبة 60%

                       1-الزهراني -صور 25541

2-النبطية-حاصبيا-مرجعيون-بنت جبيل 24602

3-عكار 23757

4-طرابلس المنية-الضنية 18724

5-بعلبك الهرمل 18561

6-بيروت الثانية 18239

7-بعبدا 16450

8-الشوف-عالية 15035

9-جبيل-كسروان 15028

10-يشري-زغرتا-البترون-الكورة 14819

11-زحلة-14095

12-صيدا-جزين 14507

13-البقاع الغربي راشيا 14095

14-المتن 13390

15-بيروت الاولى 11000

نائب بحاجة ل 25541 صوت والآخر 11000

ويكلّمونك عن صحّة التمثيل

(13)- سليم حيدر: من قصيدة “سراب” 1944 ، ديوان “آفاق” صفحة 87 ، صادر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ش.م.ل. 2016.

(14)- في اجتماع حضره في بيروت بعض السياسيّين وممثلي المليشيات المتحاربة في لبنان خلال حرب 1975-1976 كان كلما يحتدم النقاش ينبري أحد قادة المليشيات بنبرة متعالية بالقول “نحن نتكلّم باسم المقاتلين…” فما كان من الرئيس تقي الدين الصلح المعروف بحكمته وظرف فطرته أنّ لمّا ضاق به الجو صرخ بهم بالقول (باسم المسالمين الموجودين في الاجتماع) إسمحوا لنا أن نتكلم باسم “المقتولين“.

(15)- برتولد برخت (Berthold Brecht, 1989 – 1956) شاعر ألماني وكاتب مسرحيات ومدير مسرح وقد اعتبر من أبرز كتّاب المسرح في القرن العشرين.

(16)- ” اللبنانيون مساكين! لقد شرعن إتفاق الطائف، الداعي للسخرية، نظام دمى. إن النواب المنتخبين في العام 1972 تمّ تثبيتهم في مواقعهم منذ 19 عامًا؛ وحكومة الدمى لديها صلاحية، من دون أي شبيه في التاريخ البرلماني، من تعداد نصاب النواب بأيّ نوع من التسميات المطلوبة. متى سيقرر المجتمع الدولي، ممثلًا بالدولة العظمى الوحيدة الآن، إجراء إنتخابات حرّة في لبنان؟“.

من مقال صادر في جريدة “لو فيغارو” Le Figaro)) في 23-24 آذار 1991 بقلم السيد آلان بيريفيت Alain Peyrefitte))،  دبلوماسي فرنسي ووزير إعلام وعدل وعضو الأكاديمية الفرنسية المرموقة.

          (17)- باشو، شاعر الهايكو الياباني يشرح مبدأ ال”زن” (ZEN).

(18)- مما نشر في جريدة السفير في 29/5/2013 العدد 12490: إستغرب “منبر الوحدة الوطنية” برئاسة الرئيس سليم الحص، تبدل المواقف من قانون “الستين” ومن التمديد لمجلس النواب، مستنكرًا تدخل السفيرة الأميركية في لبنان في شؤوننا الداخلية بدعوتها لإجراء الإنتخابات على أساس قانون الستين. كما استغرب “المنبر” كيف أن الحكومة التي استقالت بسبب “هيئة الإشراف على الإنتخابات”، تخالف إجراءات تصريف الأعمال بمعناها الضيق، ومن المضحك أيضًا أن من كان يطالب بحكومة من غير المرشحين تشرف على الانتخابات، أصبح يقبل بأن تشرف الحكومة المستقيلة على الإنتخابات، وهي التي استقالت بدعوى عدم جواز إشرافها على الإنتخابات.

(19)- متلازمة ستوكهولم (Stockholm Syndrome) هي ظاهرة عرفت خلال عملية سرقة كبرى في العاصمة السويدية في العام 1973 وكان فيها 4 مخطوفين. ومع إطالة حالة الإختطاف، حصل تعاطف فيما بين الرهائن وخاطفيهم لدرجة أنّ، بعد الإفراج عنهم وخلال متابعة الشرطة للمجرمين إمتنع المخطوفون عن المثول أمام المحكمة للإدلاء بشهادتهم ضدّ الخاطفين، الأمر الذي أحرج السلطات. وقد تمّ تسمية هذه العقدة النفسية بمتلازمة ستوكهولم منذ ذلك الوقت، غير أنّ السلطات المحلية لاتعتبر هذه الحالة علّةً أو مرضًا.

(20)- سليم حيدر: من قصيدة “لذّة البوح” 1951 ، ديوان “أشواق” صفحة 31 ، صادر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ش.م.ل. 2016

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى