سيناريوهات متوقعة للأزمة الخليجية مع قطر أحمد المصري
مع قرب انتهاء المهلة التي منحتها كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر لقطر لتنفيذ مطالبها، تبرز 3 سيناريوهات متوقعة في ضوء الرفض المرتقب للمطالب من الدوحة التي تعتبرها غير واقعية وغير قابلة للتنفيذ وانها مجرد ادعاءات بدون أدلة، وكذلك في ضوء تهديدات الدول الأربع المتواصلة للدوحة من مغبة الرفض .
السيناريو الأول وهو الراجح وقوعه تشديد الحصار على قطر مع فرض حزمة عقوبات جديدة.
السيناريو الثاني وهو التصعيد العسكري، وهو سيناريو مستبعد، إلا أنه يستخدم كورقة ضغط من الدول المقاطعة كوسيلة ضغط نفسي، إما بالتصريح أو التلميح.
السيناريو الثالث وهو الوصول لاتفاق لحل الأزمة، وهو أمر يبدو مستبعدا في الأفق القريب، في ظل استقراء ثبات المواقف الحالية لأطرف الأزمة.
وكانت الأزمة الخليجية قد بدأت في 5 يونيو/حزيران الجاري، حين قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، وفرضت الثلاث الأولى عليها حصاراً برياً وجوياً، لاتهامها بـ”دعم الإرهاب”، وهو ما نفته الأخيرة.
وبضغط دولي، قدمت الدول الأربع مساء يوم 22 يونيو/ حزيران الجاري إلى قطر، عبر الكويت، قائمة تضم 13 مطلبًا لإعادة العلاقات مع الدوحة، بينها إغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر، واغلاق قناة “الجزيرة”، وأمهلتها 10 أيام لتنفيذها، وفق الوكالة البحرينية الرسمية للأنباء.
وهي المطالب التي اعتبرت الدوحة أنها “ليست واقعية ولا متوازنة وغير منطقية وغير قابلة للتنفيذ”.
ومع انتهاء المهلة منتصف ليل الأحد القادم، يتوقع أن تسير الأزمة في اتجاه واحد من 3 سيناريوهات:
** السيناريو الأول.. تشديد الحصار وعقوبات جديدة
تشديد الحصار على قطر مع فرض حزمة عقوبات جديدة وهذا هو ليس السيناريو الراجح وقوعه فحسب، بل ان المتتبع لتسلسل الأزمة، يصل لإستنتاج أن الدول المقاطعة لقطر، تدفع بالأمر دفعا، نحو هذا الاتجاه.
فرغم أن العالم كان يترقب قائمة مطالب الدول الأربع ، لتكون خطوة باتجاه حل الأزمة، إلا أن الاعلان عن قائمة المطالب نقل الأزمة إلى مرحلة أكثر تعقيدا، لأكثر من سبب، أبرزها طبيعة المطالب التي وصفها مراقبون انها “تعجيزية” وتنتهك “سيادة” الدوحة.
ويبدو ان الدول الأربع كانت تريد ان تلقي الكرة في ملعب قطر، لتحملها المسؤولية عن استمرار الازمة في حال رفضها، وهو ما أدركته الدوحة من الوهلة الأولى، وعبر عنه لاحقا وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني في تصريحات للتليفزيون العربي مساء أمس الخميس قال فيها أن : “المطالب الثلاثة عشر لدول الحصار قدمت لكي ترفض”.
ومن هنا جاء الرد القطري – رغم رفضه قائمة المطالب على الصعيدين الرسمي والشعبي- غير متعجل، وأعلنت الخارجية القطرية أنها تعكف على بحث هذه الطلبات والأسس التي استندت إليها لغرض إعداد الرد المناسب بشأنها وتسليمه لدولة الكويت.
ولكن في خطوة جديدة بدا أنها قطعت الطريق على أي محاولة لإيجاد مقاربة لحل الأزمة عبر التفاوض لتخفيض سقف المطالب، أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بعد مرور 5 أيام من المهلة (الثلاثاء الماضي ) أنه “لا تفاوض مع قطر بشأن قائمة المطالب ويجب تنفيذها كاملة”.
وأعقب ذلك سلسلة تصريحات لوزير الخارجية القطري اعتبر فيها أن ما تقدمت به دول الحصار هو مجرد ادعاءات بدون أدلة، مشيرا إلى أنه “إذا كانت هناك ادعاءات فيجب أن تكون مدعمة بأدلة ومن ثم تأتي المطالب”.
وشدد على “أن المطالب يجب أن تكون واضحة وقابلة للتنفيذ أما غير ذلك فهو أمر مرفوض”.واعتبر أن تقديم مطالب غير قابلة للتفاوض عدم احترام للقانون الدولي .
ويبدو واضحا من تطور الأحداث أن الأمور تدفع دفعا نحو تشديد الحصار على قطر، وبينما كان الحديث في الأيام الخمسة الأولى من المهلة ، عن تهديدات لقطر بالعزلة من تلك الدول، تطور الأمر النصف الثاني من المهلة، إلى تلميحات بتجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي، وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية عليها.
وهو ما عبر عنه عمر غباش سفير الإمارات في روسيا خلال مقابلة مع صحيفة الجارديان نشرت قبل يومين قال فيها ان “هناك بعض العقوبات الاقتصادية التي يمكننا فرضها تجرى دراستها في الوقت الحالي”.
وأضاف “يتمثل أحد الاحتمالات في فرض شروط على شركائنا التجاريين وإبلاغهم بأنهم إذا أرادوا في العمل معنا فعليهم أن يحددوا خيارا تجاريا”.
وبين إن إخراج قطر من مجلس التعاون الخليجي “ليس العقوبة الوحيدة المتاحة”.
في السياق نفسه ، نقلت مجلة “الأهرام العربي”، المصرية الحكومية ، عبر موقعها الإلكتروني، عن “مصادر عربية رفيعة” (لم تسمها)، ان العقوبات التي تنتظر قطر بعد النتهاء المهلة، تشديد المقاطعة الاقتصادية، وتجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي، وتجميد ودائع قطر في الدول المقاطعة( دون أن يتم الإعلان عن حجم تلك الودائع).
**السيناريو الثاني التصعيد العسكري
السيناريو الثاني وهو التصعيد العسكري، ورغم ان هذا السيناريو مستبعد، كونه يحتاج ضوء أخضر من أمريكا للمضي قدما فيه، إلا ان شبح هذا السيناريو يخيم على المنطقة، ويستخدم كورقة ضغط تستخدمه الدول المقاطعة كوسيلة ضغط نفسي، إما بالتصريح تارة كما سبق أن لوح به وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة في تغريدة له حمل فيها الدوحة مغبة التصعيد العسكري في المنطقة، او عبر الإيحاء بإمكانية تنفيذه تارة أخرى عبر تسريب أخبار توصل هذا الايحاء دون تاكيدها أو نفيها.
وفي هذا الصدد ، قالت مجلة “الأهرام العربي”، امس الخميس، إن الدول الأربعة المقاطعة لقطر تعتزم إنشاء قاعدة عسكرية في البحرين، ما لم تستجب قطر، خلال 72 ساعة، لمطالب الدول الاربع.
وأشارت إلى أن الخطوة ستمثل أول وجود عسكري مصري متقدم وثابت في منطقة الخليج.
ولم يصدر أي تعقيب رسمي من الدول الأربعة على ما ذكرته المجلة.
وهذا السيناريو مستبعد في ظل عدم وجود ضوء أخضر أمريكي، وقد أكد وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إنه تم “الاتفاق مع واشنطن على ضرورة البحث عن حل سلمي للأزمة الخليجية”.
** السيناريو الثالث وهو الوصول لاتفاق لحل الأزمة
وهو أمر يبدو مستبعد في الأفق القريب- ما لم تحدث مفاجأة في مواقف أحد الطرفي الأزمة- وخصوصا في ظل استقراء المواقف الحالية التي تؤكد ان كل طرف ماض في موقفه وثابت عليه بقوة.
** خيارات الدوحة لمواجهة سيناريوهات الأزمة
تمضي الدوحة في مواجهة الأزمة وسيناريوهاتها المتوقعة على اكثر من صعيد، ضمن محور ثابت أعلنته وهو أن الحوار هو الخيار الاستراتيجي لها بحل الأزمة مع استعدادها لمناقشة وبحث أي طلبات لا تنتهك سيادتها.
– وبالتوازي مع هذا المبدأ المعلن تتحرك الدوحة على أكثر من مسار، على الصعيد الدبلوماسي ( عبر تحركات وجولات وزير خارجيتها المتواصلة لشرح موقف بلاده من الأزمة).
– على الصعيد الحقوقي ( عبر قيام اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر بعقد مؤتمرات تكشف الانتهاكات الحقوقية للحصار وإعلانها أنه تعتزم مقاضاة الدول المقاطعة لقطر على تلك الانتهاكات وطلب تعويضات من المتضررين).
– على الصعيد الاقتصادي نشطت قطر في تأمين الاحتيجات الغذائية لمواطنيها والمقيمين بها والبحث عن بدائل على المدى الطويل لسد احتياجاتها من مختلف المجالات وتدشين خطوط ملاحية جديدة لتعزيز تجارتها الخارجية، والبحث عن أسواق جديدة.
وكان علي شريف العمادي وزير المالية القطري قد أوضح في تصريحات خاصة لقناة سكاي نيوز البريطانية أن قطر لا تواجه تحديات على صعيد حركة التصدير ولا حركة الموانئ أو المطارات قائلاً: “نحن ما زلنا نشغل رحلات إلى أكثر من 150 وجهة ولا تزال سعة مرفئنا تتخطى الـ5 ملايين حاوية مع خطوط شحن مباشرة إلى غالبية الدول الأجنبية ولدينا تعاملات تجارية مع أكثر من 190 دولة ولن نتأثر بخسارة 3 أو 4 دول على الصعيد التجاري”.
وبيّن العمادي أن دولة قطر تستورد المواد الغذائية من أكثر من 100 دولة وخسارتها لأربعة منها يمكن تعويضها، مشدداً على أن شحنات الغاز القطري لم تتأثر منذ بدء الحصار.
– على الصعيد الإعلامي نشطت قناة الجزيرة ذات التاثير الكبير في القيام بحملة اعلامية تولت فيها توضيح الموقف الرسمي لقطر من جانب، والرد على الشائعات التي تستهدفها من جانب اخر، وتوجيه هجمات مضادة للدول المقاطعة لقطر من جانب ثالث، كما نشط الإعلام المحلي ممثلا في تليفزيون قطر والصحف المحلية في القيام بدور مساند للجزيرة لتحقيق نفس الأهداف مع التركيز على الرسائل الموجهة للداخل.
– أما على الصعيد الشعبي فظهر التفاف واضح من قبل الشعب القطري تجاه قيادته وحكومته ودعم لمواقفها.
هذا ما نجحت الدوحة بالفعل في مواجهتها من الحزمة الأولى من العقوبات أو المرحلة الأولى من الحصار، وهذا ما ستستند عليه قطعا في المرحلة الثانية من تشديد الحصار ، حال تحقق السيناريو الثاني، مع وجود أوراق أخرى لديها لم تستخدمها حتى الآن أبرزها ملف الغاز.
وينقل خط الأنابيب دولفين من حقل الشمال القطري نحو ملياري قدم مكعب يوميا من الغاز الطبيعي إلى الإمارات وسلطنة عمان. وتلبي إمدادات الغاز القطري، نحو 30 بالمائة من احتياجات الإمارات التي تستخدمه في توليد الكهرباء.
وسبق أن أكدت قطر أنها لاتريد الضرر للشعب الإماراتي الذي سيتأثر بانقطاع الكهرباء عنه نتيجة توقف امدادات الغاز القطري”، مؤكدة ان الشعب الإماراتي لا ذنب له فيما يحصل.
وفي كل الأحوال فإن تصعيد الأزمة لن يكون في مصلحة جميع الأطراف، والحل هو حوار مباشر، يدفع إلى مقاربة بين اطراف الازمة تحقق السيناريو الثالث عبر التوصل لحل يجنب المنطقة الكثير من المخاطر المقبلة عليها في حال استمرار الأزمة.
رأي اليوم