تآكل الخطة الأميركية في سورية
غالب قنديل
بعد سنوات من الفشل المتكرر تراجعت الخطة العامة للحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي من هدفها المعلن في واشنطن : إسقاط الدولة الوطنية السورية ورئيسها بواسطة عصابات الإرهاب والتكفير وجحافل الأخوانيين والمرتزقة الدوليين وباتت تراوح تحت السقوف الأدنى : الاستنزاف أوالتقسيم ومحاولات الإخضاع والحصار وعرقلة طريق النصر الحاسم وكان في هذا السياق أخطرأدوات الخطط البديلة نشر داعش في الجغرافية العراقية والسورية لتمزيق البلدين ناهيك عن منع تواصلهما اقتصاديا وسياسيا وعسكريا الذي يمثل محظورا تنبه الكيان الصهيوني لأخطاره منذ سبعين عاما بعد اغتصاب فلسطين.
لاقى الأميركيون صنيعتهم داعش بدعم سخي سعودي قطري تركي كبير في الاحتضان والتمويل والتسليح والتجنيد والتدريب وانخرطت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والسلطات الأردنية في تلك الجهود بينما شكل الإعلان عن تحالف دولي بالقيادة الأميركية اكبر كذبة معاصرة في تاريخ السياسة الدولية فقد جمعت إدارة أوباما في هذا التحالف سائر الحكومات الغربية والإقليمية المشاركة في توليد فصائل التكفير ورعاية حاضنها الأخواني وفي تقديم تسهيلات الحصول على المال والسلاح والتدريب وبيع النفط المسروق والآثار المنهوبة إضافة إلى ترخيص ودعم شبكة من الأدوات الإعلامية التي يديرها متطرفون وعملاء للمخابرات البريطانية والأميركية مهمتها تقديم وحوش التكفير إلى العالم والمنطقة على أنهم ثوار وفرسان عدالة وديمقراطية.
الحصيلة تتشكل اليوم على أرض سورية والعراق بتهاوي معاقل داعش وانهيار قواتها المتقهقرة من خلال جهد قتالي كبير للدولتين والشعبين وقواتهما المسلحة النظامية والشعبية بالشراكة مع حلفاء رئيسيين أبرزهم روسيا وإيران وحزب الله والرد الأميركي على هذا التحول كان كالعادة بتصعيد الغزو العسكري المباشر كلما قادت التطورات إلى تراجع قدرة الوكلاء والعملاء على تدارك الانهيار والهزيمة .
يمكن ملاحقة فصول هذا المسار منذ تحرير مدينة حلب وأريافها التي باتت بمعظمها في قبضة الجيش العربي السوري الذي يتقدم مؤخرا في مختلف الجبهات والخطوط على امتداد الأرض السورية بالتوازي مع تصاعد موجات الاستقطاب الشعبي حول الدولة والجيش بفضل السياسات العليا للدولة الوطنية ومن أبرز عناصرها رغم المصاعب والحصار الشديد حماية التقديمات الاجتماعية في جميع المناطق بما فيها الواقعة تحت سيطرة العصابات الإرهابية وقرارات العفو المتلاحقة وتفعيل المصالحات الشعبية.
كلما ترسخ توازن القوى الجديد خلال العامين الماضيين اللذين أعقبا الانخراط الروسي كانت تتوسع دائرة الاحتضان الشعبي للدولة الوطنية ومعها توسعت دائرة الالتحاق بالجيش العربي السوري الذي أسس وحدات مقاتلة جديدة أهلها ودربها في سياق الحرب ورفع بذلك من قدراته وقوته الميدانية مسقطا الرهان الأميركي الصهيوني على تراجعه نتيجة النزيف الكبير في حرب كونية حمل عبئها منفردا في السنتين الأولى والثانية تقريبا.
مع انخراط الحلفاء والانتقال إلى الهجوم تمكن الجيش العربي السوري مؤخرا من استعادة العديد من الموارد الاقتصادية كبعض آبار النفط والغاز التي استولت عليها عصابات داعش والنصرة بينما يتحرك مبادرا لتحقيق التواصل البري مع العراق وهو شريان اقتصادي حيوي ستكون له آثار نوعية إيجابية على قدرات الدولة المالية وسعر صرف الليرة ومختلف القطاعات الاقتصادية فور إنجازه ورسوخه.
اندلاع الصراع القطري السعودي لم يكن العارض الوحيد للفشل والعجز في سورية والمنطقة فمن علامات التداعي الأميركي ان يتحول تشظي الحلف التابع وشجار التوابع إلى موضوع استثمار سياسي ومالي اميركي لتدفيع الحكومتين القطرية والسعودية بالتواتر تكاليف إضافية تحت ستار الحماية سواء في صيغة حلب المال كما يدعوها الرئيس الأميركي أم عبر صفقات السلاح والخدمات الأميركية العسكرية والأمنية والإعلامية.
لعلها مفارقة كبيرة ان يقام مهرجان لترامب في الرياض غايته تصعيد العداء لإيران فينقلب إلى حصار لقطر الشريك والحليف المخلص للولايات المتحدة والكيان الصهيوني والنظام الأردني في دعم وتمويل وتدريب وقيادة العصابات التكفيرية الأخوانية التي حشدت لخوض حروب أميركية صهيونية بالوكالة تحت ستار ما سمي بالربيع العربي.
من أبرز أعراض انهيار الخطة الأميركية نجاح القيادة السورية في كسر الخطوط الحمر الأميركية ببلوغ قواتها المسلحة مع الحلفاء لخط الحدود العراقية وانتشارها في مساحات أساسية على الحدود المباشرة مع العراق والأردن وسيطرتها التامة على الحدود مع لبنان بينما سعت عشرات البلدات والقرى الكردية للاحتماء بالجيش العربي السوري قرب الحدود مع تركيا خشية البطش الأردوغاني وحيث يمثل هذا التناقض الكردي التركي احد أهم وجوه الفشل الأميركي والتفكك الحاصل في حلف العدوان.
أثبتت القيادة السورية مع حليفيها الروسي والإيراني وبالشراكة مع حزب الله قدرة وكفاءة عاليتين في إدارة الصراع ومن نتائج ذلك السياسية والعملية نجاح الخطة الهادفة لكبح الدور التركي العدواني في سورية ووضع آليات وضوابط لاجمة لمغامرات اسطنبول الداعمة لداعش والنصرة ولفصائل عميلة أخرى شملت بعضها اتفاقات أستانا لتجميد القتال وهو ما حرر وحدات عسكرية كثيرة من الجيش العربي السوري واتاح لها الانتقال إلى مناطق جديدة للقتال كما يحدث راهنا في البادية وعلى الجبهة الجنوبية وفي التوغل شرقا لفك الحصارعن دير الزور حيث النقلة الكبرى القادمة التي سيحققها الجيش وحلفاؤه وستكون ضربة قاصمة للمخطط الأميركي.